فهد الجبهان، شاب سعودي، تربى وترعرع وسط مزارع الدرعية، عشق الزراعة، وارتبط منذ نعومة أظافره بعلاقة حب خاصة مع النخيل وكان أكثر ما يؤرقه ويحزنه أن يرى سعف النخيل يحترق أمامه دون أن يستفاد منه.
حمل الجبهان ذلك المشهد في داخله لسنوات طويلة وظل طوال هذه الفترة يفكر في طريقة تمكنه من إنقاذ معشوقته من تلك النهاية الأليمة؛ حيث لم يكن يعرف وقتها أن قطع السعف وحرقه ضرورة من ضرورات دورة التمثيل البيئي للنخيل.
موهبة ربانية
وعندما بلغ عاشق النخيل أشده، بحث داخل نفسه فوجد أن الله سبحانه وتعالى حباه بموهبة لم يكن يتوقعها أو ينتظرها؛ حيث اكتشف أن لديه قدرات ومهارات تمكنه من استغلال سعف النخيل وأغصانه في صنع أشكال وتحف فنية غاية في الروعة والجمال وتحمل قيمة اقتصادية ومنفعة اجتماعية.
وترتكز الفكرة على استخدام جميع مكونات النخلة في تصميم الديكور الداخلي، إضافة إلى تطعيم ذلك ببعض الإكسسوارات التراثية العريقة. كما يتم تنجيد المقاعد على خلاف الطريقة القديمة بجانب إدخال السعف والأغصان في تجليد الجدران والأسقف بأشكال فنية. وللفكرة أبعاد فنية مبنية على مدارس قديمة في الفن التطبيقي استخدمت المخلفات في صناعة مناظر جمالية بدلاً من حرقها والتخلص منها بطريقة تضر البيئة.
وساعد عشق الجبهان للنخيل منذ صغره على صقل موهبته فقد اهتم بمعرفة طبيعة النخيل من الشيوخ ورؤساء العائلات في المنطقة وأصبح يعلم كيف تقطع النخلة في أوقات الشتاء وأوقات الصيف وما الذي يصلح منها للأثاث المختلف سواء كان بابًا أو كنبًا أو ثريا.
بداية الرحلة
بداية الرحلة كما يرويها صاحبها كانت في عام 1419هـ. وحول ذلك يقول الجبهان: كانت البداية بلا شك صعبة وصعبة جدًا سواء من الناحية المادية أو الفنية؛ فلم يستوعبني كثيرون ويتفهموا طبيعة عملي بل كان البعض يسخر منى لأني كنت أعمل كل شيء بيدي من تقطيع وتصميم وتغطية.
ويضيف: في البداية تأثرت بأقاويلهم ونظراتهم ولكني استحضرت بداخلي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء الذين كانوا يأكلون من صنع أيديهم.
ويستطرد الجبهان معددًا المشاكل والتحديات الأخرى التي واجهته عند قيامه بامتهان هذه الحرفة قائلًا: كنت أيضًا لا أملك المال الكافي لإقامة المعارض أو الإنتاج الغزير، كما كنت أخشى من سرقة الفكرة واقتباسها.
ووسط هذه المعوقات والتحديات أتت البداية الحقيقية بأكثر مما كان يتوقعه الجبهان؛ حيث اقترح عليه أحد الإخوان إنتاج عمل متميز يقدم لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن نايف بن عبد العزيز.
وبالفعل اجتهد الجبهان وقدم مكتبة تراثية من السعف وعليها بعض الشعارات الخاصة بالمملكة كالسيفين والنخلة والمبخرة. وقد أبدى صاحب السمو الملكي استحسانه ودعمه غير المحدود لموهبة الجبهان ما كان له أثر ودافع معنوي كبير له.
ويشير الجبهان إلى أنه حرص في بداية عمله على تكون المعروضات محدودة ولأشخاص بعينهم؛ حتى لا تتم سرقة الفكرة أو اقتباسها وحتى يتميز في ما يصنعه.
ويقول: عانيت من ضغط العمل في البداية؛ حيث كان وقت العمل لدي من الساعة الرابعة عصرًا إلى الرابعة فجرًا وكان لزامًا علي أن أستيقظ في السادسة صباحًا للخروج إلى عملي.
ويضيف: الأمور الآن استقرت إلى حد ما؛ حيث أصبح لدي ورشة خاصة داخل المزرعة وعمالة تساعدني في تركيب الكسوات وإنشاء الديكورات ولكن ما زلت أنا الذي أقوم بمعظم العمل من متابعة وتصميم وعمل الماكيت.
ويعتبر الجبهان أن النقلة الحقيقية في مجال عمله كانت حين كُلف بعمل ديكور لمجلس خاص بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود حيث أصبح لعمله بعد هذا الحدث شكل وطابع مختلف.
ويعتبر أن أكثر ما يواجهه من صعوبات يتمثل في الرغبة في التجويد وتكلفة السعف الذي أصبح لازمًا أن يقوم بشرائه من المزارعين؛ حيث يحتاج العمل الواحد أحيانًا إلى أكثر من 80 ألف جريدة.
حلم العالمية
ويكشف الجبهان عن طموحاته وآماله المستقبلية، مؤكدًا أنه لن يتنازل عن تحويل هذه الحرفة اليدوية إلى مصنع عالمي تُصدر منتجاته إلى مختلف دول العالم رغم صعوبة تنفيذ هذا الطموح بسبب نقص التمويل وعدم وجود الجهات الداعمة.
ويقول: رغم تنفيذي عدة مشاريع في بعض القرى السياحية في مدينتي شرم الشيخ والغردقة بمصر والعروض والزيارات التي تأتيني من الدول الأوروبية وعلى وجه التحديد إيطاليا، إلا أني مازلت متمسكًا بحلم العالمية من خلال بيئتي المحلية
إعداد: أزهار صالح/ اللقاء نشر في النسخة الورقية من الصحة و الغذاء عام2008م