نؤمن بأن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، لذلك فإن أي حديث عن إطالة العمر يمكن أن يؤخذ بنوع من عدم الارتياح أوحتى عدم القبول، رغم أن مثل هذا الحديث كان الشغل الشاغل لكثير من العلماء – حتى المسلمين منهم – قديمًا وحديثًا، بل إنه يتجدد، ويتزايد في وقتنا الراهن بشكل غير مسبوق. لكن هل الحديث عن إطالة العمر هو حقًا عن زيادة مدة حياة الإنسان أم أنه مجرد تركيز على كيفية التعامل مع الجوانب الصحية لحياة الإنسان لكي يحيا بشكل أفضل بعيدًا عن الأمراض لحين مجيء الأجل المحتوم؟
ويخيل لي أن الأمر الثاني هو المقصود دائمًا عند الحديث عن إطالة العمر خاصة لدى العلماء الذين يعرفون حق المعرفة بأن الموت، هو الحقيقة الأولى في الحياة. فبعض ما تم التحدث عنه من إسهام التغذية في تعزيز الصحة والإعانة على الحياة في أعمار متقدمة، ربما ساعدت لدى البعض بعون الله تعالى على الحفاظ على صحة أفضل في رحلة الحياة الطويلة بإذن الله سبحانه وتعالى وتحقيق الجودة في هذه الرحلة.
عشرون نصيحة
إن الكتب الحديثة التي تتحدث عن إطالة العمر عبر الاهتمام بالصحة كثيرة، منها الكتاب الذي نستعرضه هنا وعنوانه «100 طريقة للحياة حتى سن 100» والذي قامت بترجمته مكتبة جرير من الإنجليزية إلى العربية.
والكتاب من تأليف الطبيب العام «روجر هندرسون» الذي يمارس طبه في مقاطعة شروبشاير البريطانية.
وهذا الكتاب رغم أنه عن إطالة العمر إلا أنه اعترف بعدم القدرة على التحكم في العمر تمامًا، حيث قال مؤلفه في مقدمته: «عند الحديث عن الحياة طويلًا والحياة الصحية، لا يمكننا تجاهل مدى الدور الذي يلعبه القدر». وأضاف أن «هذا الكتاب ليس محاولة للوصول إلى عمر المائة عام بأية حال، بل محاولة إظهار كيف أن الأمور التي تخضع لسيطرتنا والتي تؤثر فعلًا على طول العمر يمكن تغييرها».
وبالطبع فإن الكتاب يقدم عبر صفحاته البالغة 291 صفحة من القطع الصغير نصائح في جوانب متعددة منها نصائح طبية وحياتية وطبيعية وعقلية جسمية، لأن الصحة السليمة لا تقتصر على الغذاء فحسب، ولكن ما يهمنا بالطبع في هذا العرض هو نصائحه الغذائية التي قدمها في شكل عشرين موضوعًا.
هذه المواضيع هي: (1) تناول القهوة باعتدال. (2) تناول حصتك من الكالسيوم. (3) لماذا يسمونه النظام الغذائي للألياف يا دكتور؟ (4) السمك الدهني. (5) تذكر دائمًا الدهون في حياتك. (6) وجهة نظر في النظام الغذائي. (7) الجرعة المسموح بها من الفيتامينات. (8) النظام الغذائي النهائي المضاد للهرم. (9) المزيد من الشاي. (10) قليل من اللحوم الحمراء. (11) لا تنس وجبة الإفطار. (12) نظام غذاء البحر المتوسط. (13) تجاهل الملح وكل ما يتعلق به. (14) أنا أتناول الشيكولاته. (15) حاول أن تجعل حياتك أكثر امتاعًا. (16) جرب النظام الغذائي الذي يمنع ارتفاع ضغط الدم. (17) تناول طعامًا يفيدك نفسيًا. (18) أي حمض أميني؟ (19) عليك بتناول العصيدة. (20) مزايا أن تكون نباتيًا.
99% في العظام
ومن بين ما تطرق إليه الدكتور هندرسون في نصائحه عنصر الكالسيوم الذي يلعب دورًا حاسمًا في بناء الهيكل العظمي والحفاظ عليه؛ حيث ذكر أن 99 % منه موجود في العظام، وبدون الاستمرار في تناول كميات كافية منه فإن هذا الموجود معرض للنقصان والاستهلاك ما يعرض الإنسان إلى ترقق العظام. ورغم ما هو معروف من أن الحفاظ على مستوى الكالسيوم حاليًا هو أحد أفضل الأسباب للوقاية من هشاشة العظام، إلا أننا كثيرًا ما ننسى بأن الكالسيوم نفسه له دور حاسم في سلاسة عمل القلب والأعصاب إضافة إلى الحفاظ على سلامة الأسنان. وذكر الدكتور هندرسون أن أسهل وسيلة لضمان وصول الكالسيوم الكافي للجسم هو تناول منتجات الألبان مثل: الحليب والزبادي والجبن، وإذا كان الإنسان يعاني من ارتفاع الكولسترول وقدم له الطبيب نصيحة بتجنب هذه المنتجات فإن هناك بدائل لها غنية بالكالسيوم تتمثل في الخضروات ذات الأوراق الخضراء الداكنة وثمار اللوز.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية اهتمت بأمر الكالسيوم بدعوة الناس إلى تناول منتجات الألبان وخاصة الحليب لما لها من أثر في تزويد الإنسان بحاجته منه. فلأول مرة، خصصت العام قبل الماضي يومًا وطنيًا لشرب الحليب يوافق الأول من المحرم سنويًا.
رشفة لعلها أفضل
تحدث الدكتور هندرسون كذلك عن الشاي فذكر أن رشفة من الشاي قد تكون أفضل بكثير مما نظن؛ فهي تساعد على تجنب أمراض القلب وإعتام عدسة العين وسرطان الأمعاء. فقد وجدت بعض الدراسات الإسكندنافية أن تناول أربعة أوخمسة أكواب من الشاي يوميًا خفضت خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 69% لدى الرجال في الفئة العمرية ما بين 50 و69 سنة. وبينت دراسة أخرى أجريت في الولايات المتحدة أن خطر الإصابة بنوبات قلبية لدى الذين يشربون كوبًا أوأكثر من الشاي في اليوم كان نصف النوبات القلبية التي أصابت من لا يشربون الشاي مطلقًا. كما بينت دراسة حديثة نشرت في صحيفة الجمعية الطبية الأمريكية أن داء باركنسون «الشلل الرعاش» يبدأ في الاختفاء بشكل متواصل مع زيادة تناول الشاي.
وأوضح هندرسون أن سبب ذلك واضح, هو أن الشاي – سواء أكان أخضر أم أسود – غني بمواد مضادة للأكسدة تسمى الفلافونويدات التي ينطلق الكثير منها إلى الشراب خلال الدقائق الأولى من نقعه أو غليه. وتساعد هذه المواد الجسم على محاربة جزيئات الجذور الحرة الضارة.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع، يحتوي الشاي على كافيين أقل؛ فكوب الشاي يحتوي في المتوسط 40 ملليجرامًا من الكافيين مقارنة بحوالي 150 ملليجرامًا منه في القهوة المصفاة، و 64 ملليجرامًا في القهوة السريعة.
لكن هندرسون حذر من أن الإفراط في تناول الشاي قد يسبب زيادة في خطر الإصابة بأمراض الشرايين التاجية وبعض أنواع السرطان.
الإفطار الممتاز مفيد
وتحدث الدكتور هندرسون في كتابه أيضًا عن وجبة الإفطار، فذكر أن الإفطار الممتاز – مثل الثريد والخبر المصنوع من حبوب كاملة أوطعام منخفض الدهون عالي الكربوهيدرات، هو إفطار مفيد للصحة بطرق عديدة، مشيرًا إلى أربع نصائح تزيد من أهمية وجبة الإفطار:
– إضافة الفاكهة إلى وجبة الإفطار تزيد من فرص الوصول إلى الحد الأدنى الموصى به وهو خمس حصص من الفاكهة والخضراوات في اليوم.
– الإفطار الذي يحتوي على الحبوب مليء بالكثير من الفيتامينات والمعادن ومنها حمض الفوليك الذي يساعد على الوقاية من عيوب الولادة الخلقية والذي له صلة بتقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب وسرطان القولون.
– أفضل إفطار هو الذي يشتمل على الحبوب التي تكون غنية بالألياف، وأغلبنا يتناول القليل من هذه المواد على الرغم من فوائدها الصحية الواضحة على المدى البعيد.
– تناول الإفطار يساعدنا على أن نظل متمتعين بالرشاقة؛ حيث إن تناول وجبة إفطار صحية وعالية في محتواها من الألياف تجعلك تشعر بالامتلاء وفي نفس الوقت تمدك بالقليل من السعرات، مع إبطاء عملية الهضم التي بدورها تمنع الإحساس بالجوع في فترة الصباح.
كولسترول نافع وضار
وعن الدهون ذكر الدكتور هندرسون أن أكثر الأسئلة التي ترد إليه من المرضى عند مناقشة النظام الغذائي أو برامج إنقاص الوزن هو الكولسترول ما يظهر قلة معرفة الناس به. وأورد أن دراسة حديثة أجريت في طوكيو أظهرت أن السر في أن بعض الناس يعيشون حتى المائة عام قد يكون مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالكولسترول أكثر مما كان يظن سابقًا. فالكولسترول لديهم لم يكن في مستوى أقل فحسب، وإنما كان هناك توازن ما بين الكولسترول النافع والضار لديهم. وبين أن الكولسترول النافع يُعرف بالبروتينات الدهنية عالية الكثافة، بينما يعرف الكولسترول الضار بالبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، والفارق بين الاثنين هو أن الأول يرتبط مع بروتين دهني آخر بالجسم لكي يحمل الكولسترول بعيدًا عن الأنسجة، في حين أن الثاني يفعل العكس فيدفع بالكولسترول إلى أنسجة الجسم والدورة الدموية، ويلعب النظام الغذائي دورًا رئيسيًا في تحديد مستواهما.
نظام ضد الهرم
بدأ الدكتور هندرسون حديثه عن الهرم بالقول إنه تأخر عن إعداد كتاب غذائي نهائي بسبب أولئك الذين يعيشون في جزيرة أوكيناوا اليابانية التي يعيش معمروها متوسط عمر هو 85 سنة، وهو الأعلى في العالم تقريبًا. وأوضح أن ما يثير الدهشة أن إحصائية الصحة عن الجزيرة أشارت إلى أن نسبة أمراض القلب فيها تقل عما هو في الغرب بنسبة خمسة أضعاف، كما أن معدل الإصابة بالسرطان ومعدل انخفاض الكوليسترول هما الأقل في العالم. وتساءل الدكتور هندرسون عن السبب، وأجاب أنه ليس هناك شراب سحري أو خلطة مضادة للهرم تقدم هذه النتيجة، لكنه أسلوب حياة بسيط يشتمل على نظام غذائي يقترب من الكمال وفهم عقلي للحياة.
فالنظام الغذائي الذي يتبعونه خليط من الأغذية الشرقية والغربية، بمقدار السعرات الحرارية التي يتناولها سكان الجزيرة من خلال الغذاء يقل عما هو في الغرب بنسبة 30%. كما أنهم يتناولون في المتوسط سبع وجبات من من الفاكهة والخضروات يوميًا مع تناول كميات كبيرة من الحبوب والسمك الدهني، بالإضافة إلى حد أدنى من تناول اللحوم ومنتجات الألبان مع كمية قليلة جدا من الملح، أقل من ثلاثة ملاعق صغيرة في اليوم. لكن الدكتور هندرسون أردف بالقول إن النظام الغذائي وحده لا يعزى إليه طول العمر، فبجانبه هناك برنامج رياضي معتدل لكنه متواصل، مع التأكيد على التأمل والتمارين المخفضة للشد العصبي، بجانب شبكة اجتماعية قوية تتيح القدرة على التحدث والضحك والصراخ والبكاء مع الأصدقاء.
وعموما فإن هذا الكتاب مفيد لكل من يقرؤه بغض النظر عن سنه، فهو صالح لمن هم في سن المراهقة مثل صلاحيته لمن بلغوا الثمانين. كما أنه صالح للرجال مثل صلاحيته للنساء، لذلك ينصح كل فرد بقراءته كنوع من الثقافة الصحية العامة، لكن بالرجوع للمختصين عند الرغبة في تنفيذ أي من النصائح التي ذكرها، ليكون التنفيذ مفصلًا وفقًا احتياجات الفرد نفسه لاختلاف الأفراد بنية وتكوينًا، فما يناسب فردًا قد لا يناسب آخر.
سعيد عبدالله الخوتاني
اختصاصي جودة وإعلامي