الحديث عن تغذية الأبناء المراهقين يتطلب التطرق إلى جانبين أساسيين: الأول هو مواطن الضعف في التغذية ودور الأسرة في كل منها، والثاني نمط التوجيه والتعامل ودورها في إحداث الأثر الإيجابي المطلوب.
أطعمة أقل نفعًا
من مواطن الضعف التي أظهرتها دراسات وبحوث تغذوية واجتماعية تناول المراهقين مواد غذائية أقل نفعًا على حساب الأطعمة المتوازنة، وعدم انتظام الوجبات، وإسقاط وجبة الإفطار على وجه الخصوص، وأيضًا ميل المراهق والمراهقة إلى تناول الأغذية خارج المنزل وتفضيل الوجبات السريعة.
فالأولاد والبنات عمومًا في المرحلة العمرية ما بين 12و 18 سنة تقريبًا يفضلون تناول المشروبات الغازية ورقائق البطاطس الجاهزة ومنتجات الشوكلت والآيسكريم وغيرها.
مثل تلك المواد عمومًا يؤثر الإسراف في استهلاكها على الصحة العامة للمراهقين، فهي أولاً قد تؤدي إلى إحداث أضرار واضحة معروفة، وتسبب تغيرات في الطبيعة الداخلية للهضم تقلل الاستفادة من عناصر التغذية، إضافة إلى أثرها السلبي في تقليل الإقبال على الوجبات المفيدة، فضلاً عن تأثيراتها الأخرى على الناحية الذهنية والسلوكية.
كل ذلك قد ينتج عنه نقص في التغذية من حيث الكمية المتناولة من الغذاء أو اختلال في تلك العناصر وإحداث حالات من سوء التغذية قد يصعب اكتشاف أنها المسبب الرئيس لكثير من الحالات الجسدية والفكرية التي قد تعترض حياة المراهق وتتسبب في إشكالات أسرية وتعليمية أخرى.
كذلك، فإن عدم الانتظام في تناول الوجبات – خاصة إسقاط وجبة الإفطار – قد لا يحدث أثرًا مباشرًا واضحًا، ولكنه ينعكس في صور متعددة تؤثر على التركيز والاستيعاب المدرسي، وربما تنسحب على عموم الحياة اليومية للمراهق وعلاقاته الأسرية والاجتماعية.
أما عن إقبال المراهقين على تناول الوجبات خارج المنزل والتركيز على ما يعرف بالوجبات السريعة، فتتداخل فيها عوامل متعددة ولكنها تمثل ظاهرة عالمية في هذه الأعمار وتتطلب وعيًا حقيقيًا لأبعادها والمداخل الصحيحة للتعامل معها ومساندة المراهق في اجتيازها.
داخل الأسرة
كل ما سبق يستلزم بالضرورة معرفة الأبوين والأسرة عمومًا بأن الدور المطلوب في هذه المرحلة هو تفهم الحقائق العلمية والعملية بشأنها.
من ذلك مثلاً إدراك الأبوين وأفراد الأسرة من البالغين أن المراهق في هذا العمر تحديدًا لا بد له أن يخضع لمؤثرات وعوامل ذاتية وخارجية غالبًا لا تكون بالاتجاه التغذوي الصحي المرغوب.
ولهذا، فإن دور البالغين قد يكون أبسط وأقل كثيرًا مما يتوقعه الكثيرون منهم رغم أنه دور مؤثر بالغ الأهمية.
وبالنسبة للمشروبات الغازية، يمكن بأسلوب هادئ التقليل التدريجي من وجودها في المنزل بغض النظر عن حصول المراهقين عليها خارج المنزل. فالهدف لا يجب أن يكون منع المراهق مؤقتًا ثم يعود إليها مع أول فرصة يكون فيها بعيدًا عن السلطة الأسرية.
كما أن جعل المشروبات المفيدة في متناول المراهق هو أسلوب أنسب من سؤاله حول رغبته في الحصول على عصير طازج مثلاً، إذ إن وجود المشروب فعليًا يكون أكثر استمالة من مجرد عرضه على المراهق ثم تجهيزه إذا رغب في تناوله، وهذا ينطبق على جميع الأطعمة الأخرى.
وبالنسبة لوجبة الإفطار، فإن إعدادها مسبقًا أفضل من السؤال عما إذا كان أو كانت ترغب فيه أو ترغب نوعا معينا. فوجبة الإفطار أمر يحتاج إلى معالجة هادئة، إذ إن الغاية هي مساعدة المراهق على التعود طويل المدى، كما أنه لا معنى لتناول وجبة إفطار جيدة مصحوبة بحالة من القلق والتوتر.
خارج المنزل
إن ميل المراهقين لتناول الغذاء خارج المنزل والتركيز على الوجبات السريعة، هو الموضوع الأهم الذي يشوبه الكثير من الأخطاء والسلبيات.
ومن المهم إدراك الأبوين والبالغين في الأسرة أن المدخل الصحيح ليس في خلق مواجهة مع المراهق، لأن ذلك له تأثير سلبي أكبر وأعمق، وإنما باستيعاب تلك المؤثرات وخلق ظروف إيجابية تغذوية تستميل المراهق وهنا تكمن الحكمة.
فالغاية في النهاية ليست إذعان المراهق وإنما الأخذ بيده لتأسيس ميول تتواصل عبر مراحل الشباب اللاحقة.
وفيما يتعلق بنمط التوجيه الأسري، فليس مستغربًا أن تواجه الأبوين وأفراد الأسرة عمومًا إشكاليات واضحة في توجيه تغذية الأولاد والبنات خلال فترة المراهقة ومراحل الدراسة المتوسطة والثانوية. ربما بسبب حرص الكبار على صحة أولادهم وخوفهم عليهم من التعرض للمشكلات الصحية والأمراض قريبة وبعيدة المدى قد لا يجد آذانًا صاغية من المراهقين.
اتجاهات متعاكسة
وتزداد المشكلات حدة حين يجد الأبوان أن المراهق يأخذ في سلوكه التغذوي اتجاهًا معاكسًا لرغبتهم مما يولد لديهم إحساسا بأنه عناد. وهذه الدائرة من التوتر تجعل المراهق يستمر في السلوك التغذوي الخطأ، كما تخلق جوًا غير مشجع على التغذية السليمة للمراهق وبقية أفراد العائلة. وقد يصبح وقت الوجبة بمثابة إنذار داخلي ببدء الإشكالات، وتتعمق لدى المراهق فكرة تجنب تناول الوجبة وخلق الأعذار لذلك، وبالتالي إما الانصراف إلى تناول الوجبات خارج المنزل أو تناول مواد جانبية تشعره بالشبع دون فائدة صحية.
ضمنيًا لا خلاف على أن كل الآباء والأمهات حريصون على أبنائهم ودافعهم هو المصلحة، ولكن معرفة ذلك لا تكفي في شأن التغذية والسلوكيات الصحية عمومًا. تفقد طريقها وتتحول المسألة إلى سلوك لمجرد إثبات التقدير والاحترام والطاعة.
أيضًا، فإن غاية المراهق الأساس قد تكون ممارسة نوع من الاستقلالية الطبيعية ولكن تلك الغاية أيضًا قد تتحول لديه إلى نوع من التصلب والممانعة وإثبات الذات أيضًا وهذا يلاحظ في رفض كل توجيه يعتبرونه نيلا منهم أو مواجهة لهم.
هنا لا بد من تفهم كل طرف غايته الأساسية بدقة، فالأبوان عند تحديد أن الصحة هي الغاية سيدرك كل منهما أن المطلوب ليس انصياع المراهق لوجبة معينة لفترة معينة وإنما تشجيعه على اتباع سلوك تغذوي سليم ومستمر، وهذا لن يتحقق بتكرار الأبوين الإعلان عن دوافع الحرص، ولا بالتخويف من الأمراض، ولا بالتركيز على مظهر النحافة أو السمنة التي يتعرض لها المراهق أو المراهقة.
أيضًا فإن التغذية السليمة مطلوبة جدًا للصحة والوقاية من المرض، ولكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب الجو الأسري المريح والبيئة الغذائية الممتعة.
ومن الجوانب والمفاهيم التي تختلط أحيانًا تداخل البعد الشخصي، بمعنى أن ما يخلق التوتر ليس هو سلوك المراهق في التغذية وإنما عدم إذعانه، ولهذا ينبغي أن يكون واضحًا لدى الأب خاصة أيهما الأهم لديه وعدم إقحام الوجبة وتوقيتها في رسم العلاقات الأسرية وأصولها.
الأمر الآخر الذي قد يداخله الخلط هو أن المراهق يخضع لعوامل وضغوط خارجية وذاتية لا يتمكن من فهمها أو التعامل معها، وهنا ينبغي تفهم الأبوين أنهما إنما يؤديان مسؤولية قبل أي شيء آخر، وهذا يساعد في تقليل أثر رد الفعل لدى أي منهما نتيجة لسلوك المراهق.
يمكن القول في النهاية أن توجيه تغذية المراهقين قد لا تكون صعبة إذ تم التعامل معها بأسلوب هادئ الغاية منه ليس إقناع المراهق أو تحديه وإنما استمالته دون التوجيه إلى سلوكيات تغذوية أفضل، وذلك بتهيئة البيئة الأنسب لذلك وتفهم مجمل العوامل المؤثرة عليه في الجانب وموازنتها بالمقابل.
أ.د. أحمد بن عبد الرحمن الشوشان – قسم علوم الأغذية والزراعة