ربما تعرف أن كل نوع من النبات ينقسم إلى زوجين، ذكر وأنثى، وأن وجود الزوجين معًا أمر ضروري لتكاثر النبات وإثماره. ولكن هل فكرت في سر نمو نباتات مختلفة اللون والطعم والرائحة والشكل، رغم أنها تزرع متجاروة في تربة واحدة، وتسقى بماء واحد؟
لا تعجب، فهذه الحقائق تمثل جانبًا ضئيلًا من أسرار عظمة الخالق – عز وجل – في خلق النبات التي أخبرنا عنها جل شأنه عندما قال: «وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (سورة الرعد الآيات:3،4).
وقد أثبت العلم الحديث استحالة اتفاق نباتين من نوع واحد في صفاتهما كل الاتفاق، وإن الله جعل من كل الثمرات زوجين اثنين. ولولا الزوجان الاثنان ما كان هناك إخصاب ولا إثمار، فالأصل في الإثمار هو وجود الزوجين.
ومن النبات من يحمل أعضاء التذكير على نبات مذكر وأعضاء التأنيث على نبات مؤنث وتسمى «النباتات ثنائية المسكن»، ومن أمثلة هذه النباتات النخل.
ومن النبات من يحمل كلًا من أعضاء التذكير والتأثيث على نفس النبات وتسمى «النباتات أحادية المسكن»، ومن أمثلة هذه النباتات الصنوبر.
حيل للتلقيح الخلطي
ووجود الأعضاء المذكرة مع المؤنثة يجعل التكاثر هنا بين النبات ونفسه وهذا قد يتسبب في إضعاف النوع وعزل الصفات الوراثية السيئة وتجمعها في نبات واحد مع تعاقب الأجيال، وهنا تجد عجبًا وإعجازًا فنبات الصنوبر يحمل حبوب اللقاح في مخاريط مذكره، والبويضات توجد في مخاريط مؤنثة. وحتى يتيسر التلقيح الخلطي أي بين نباتين مختلفين ولا يحدث إخصاب ذاتي من نفس الشجرة، نجد أن المخاريط المؤنثة توجد في أعلى الشجرة، والمخاريط المذكرة أسفل منها حتى إذا خرجت حبوب اللقاح وحملها الهواء وجذبتها الجاذبية الأرضية فإنها لا تسقط على المخاريط المؤنثة لنفس الشجرة ويحملها الهواء إلى شجرة مجاورة وهكذا تكون هناك فرصة كبيرة للتلقيح الخلطي بالهواء بين شجرة وأخرى.
ولو كان الوضع معكوسًا بحيث تقع المخاريط المؤنثة في أسفل، والمذكرة في أعلى؛ لسقطت حبوب اللقاح من المخاريط المذكرة على البويضات لنفس الشجرة؛ وكانت نسبة التلقيح الخلطي قليلة، فتضعف الصفات الوراثية للنوع والجنس. وكأن هذه الشجرة تطبق القاعدة التي تقول تباعدوا تصحوا وتخيروا لنطفكم فإن العرق دساس.
وهناك بعض النباتات مثل الذرة تحمل أعضاء التذكير مع أعضاء التأنيث في نفس الزهرة وتعرف هذه النوعية من النباتات بأنها «نباتات خنثى» وحتى تكون هناك فرصة للتلقيح الخلطي نجد عجبًا أن أعضاء التذكير أقصر من أعضاء التأنيث لنفس السبب السابق أو نجد أن وقت إنضاج الأعضاء المؤنثة يختلف عن وقت نضوج الأعضاء المذكرة. هل رأيتم عظمة مثل هذه العظمة تباعد زمني يعطي فرصة للتلقيح الخلطي وحفظ النوع؟
طعوم مختلفة
تنتقل الآيات بنا إلى علم البيئة النباتية فتقرر أن في الأرض قطعًا متجاورات وجنات وزورعًا كلها تروى بماء واحد وهذه تُخرج زروعها طيبًا وأخرى لا تخرج إلا الخبث، فالتربة أحيانا تكون واحدة والنبات واحد والعناصر الغذائية واحدة والظروف الخارجية (ضوء ـ حرارة ـ أوكسجين ـ رياح ـ رطوبة) كلها واحدة ولكن هذا طعمه مقبول محبب للنفس وذاك ممقوت تعافه النفس.
وهنا تتجلى عظمة الخالق في جعل حبة النارنج إذا وضعت في جوف الأرض تطلب من المعادن ما ينمي مرارتها، وجعل حبة البطيخ تأخذ من بين عناصر الأرض ما ينمي حمضيتها، وكلتاهما من تربة واحدة وتسقيان بماء واحد.
والآن يمكن بعملية التطعيم أن تحمل شجرة واحدة بأصل واحد تحمل برتقالًا حلو الطعم ونارنج ممقوت الطعم، فالشجرة واحدة، والماء واحد وممرات الغذاء ومساراتها واحدة، وهذا برتقال، وذاك نارنج، وآخر ليمون.
أليست هذه من دلائل قدرة الله الذي قال لنا: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».
د. نظمي خليل أبو العطا – أستاذ الفلسفة في العلوم (نبات)