كان الله في عون أهل الأوزان الثقيلة، لما ينتابهم من الخوف من سطوة الأمراض غيلة، فلكم حملوا وزنًا زائدًا بالمجان، بينما هم دفعوا لاكتسابه شيئًا من (معاشهم ورزق أبنائهم) وتلك عين الخسارة مع العلم أنهم يشتكون من حمل الجوال والمفاتيح والمحفظة في جيوبهم. ينتابهم أحياناً حسرة الضخامة وأحيانًا ينسون فيرخون أيديهم بلا ملامة وفي النهاية نصف الملابس للجمعيّة.
خطوط الطيران تلزم الركاب بعدم حمل ما يزيد على 30 كيلو تقريبًا وتضع غرامة على الزيادة.
لست طبيبًا ولكن هذه الكرش وغيرها من (المطبات) واحتكاك الركبة والروماتيزم وآلام العمود الفقري الذي يرزح تحت وطأة الأحمال الزائدة وخراب المظهر العام للجسد وصعوبة الحصول على الملابس الأنيقة وأشباح الكولسترول وارتفاع الضغط وكابوس السكر وثقل الحركة.. كل تلك المشاقّ من الذي يدفع ثمنها؟!
يا معشر من زاد وزنه لا أنتم استثمرتم الحمولة ولا أنتم استرحتم!
لا تظنوا أن سراب الرجيم أو شفط الدهون سينفعكم إلا ما كان مؤقتاً ثم تعودون لما نهيتم عنه وتنسون حماسكم.. إنما هي العزيمة والإصرار وتحدي النفس وإثبات الذات وابتغاء الانتصار.. حذار من التسويف مثل (سأبدأ من يوم السبت) أو (سأبدأ بعد الإجازة) وغير ذلك.
ومن الطريف أن أحد الأطباء كان يحذر من التخطيط لتخفيف الوزن في رمضان؛ لأن الوزن سيزيد لا محالة مع المقليات و الشوربات والسمبوسات والعجائن والمشروبات السكرية والمائدة الثرية، فضلًا عن أن النفس والعادات السائدة من حولك لا تعينك على التخفيف من تناول الطعام.
كما أن بعض الناس يؤجل التخفيف لحين أداء مناسك الحج كما يحدثني شخص أمريكي حديث الإسلام يقول: نويت الحج وضمنت العودة إلى زوجتي نحيلًا بسبب المشقة التي توقعتها ووقع اختياري على حملة باهظة الثمن تعلن عن مرطبات في الحافلات أثناء التنقل بين المشاعر وبوفيه مفتوح 24 ساعة والغداء ذبائح من الغنم، لكن المفاجأة أنني لمّا وزنت نفسي بعد العودة ووجدتني قد ازددت ثلاث كيلوجرامات!
إذًا.. متى تخطط لتخفيف وزنك؟
أقول: لا تخطط.. ابدأ الآن ومن الوجبة القادمة.. لكن لا تبدأ بأنظمة الرجيم المملة التي قد تقود لآثار جانبية أنت في غنى عنها، فضلاً عن دعوات الولائم التي ستتخذها يومًا مفتوحًا.
للتخفيف بلا رجيم تحتاج إلى ثقافة غذائية عن الأطعمة التي تزيد الوزن، وهذه سهلة، يمكن شراء أحد الكتب المفيدة في هذا المجال وما أكثرها.
واحرص على تلك التي تحتوي على جداول للسعرات الحرارية لأطعمتنا المعتادة وتبين حاجتك التقديرية من السعرات حسب الجهد اليومي للشخص، وبناءً عليها تحدد ما تحتاجه أنت من السعرات ومع ممارسة نصف ساعة من المشي اليومي سوف تخسر على المدى البعيد الكثير من الكيلوات دون أن تشعر. وإن قصرت تناولك إلى نصف ما تأكله في كل وجبة كان أسرع في فقدان الوزن (مجرّب)، وتجنب الأكل بين الوجبات إلا ما كان منخفض السعرات.
تخفيف الوزن يحتاج إلى عزيمة لا تقل – في نظري – عن عزيمة الإقلاع عن التدخين مع فارق الطيب والخُبث. المدخن وإن كان للإدمان نصيب في ولعه إلا أن العادة الحركية والزمنية – إن تمكنت – فهي تلعب دورًا في إحكام السيطرة، وعلى ذلك فالبدين يجب أن يقلع عن بعض العادات ولا يقبل على الطعام كأنه لن يجده بعد اليوم، وروى مسلم في صحيحه: (نهى صلى الله عليه وسلم عن القِران بين التمرتين) أي الجمع بينهما لما في ذلك من سوء المؤاكلة والجشع ويقاس عليه أشياء كثيرة. و حسبنا حديث (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع).
ولا تكن كالأعرابي الذي كان يدعو: اللهم إني أسألك ميتةً كميتة أبي خارجة، فسُئل: وما ميتته؟ فقال: أكل حتى شبع وشرب حتى روي ثم قال في الشمس (نام القيلولة) فأتته المنية شبعان ريَّان دفآن!
فإن كان هذا همك فسوف تأتيك المنية منتفخًا ثقيلًا على الأكتاف، رحمني الله وإياك.
محمد بن عبد الله المحيميد