تحتوي البيئة العربية على حوالي 20 ألف نوع نباتي من الإجمالي العالمي للأنواع النباتية، الذي يقدر بنحو 17 مليون نوع تدخل ضمنها البكتيريا والفطريات والفيروسات والنباتات الراقية وغيرها. لكن هذا الكنز النباتي الضخم، ما زال خارج نطاق الخدمة؛ حيث يشهد الاستغلال الأمثل له، تجاهلاً من العلماء والباحثين في العالم العربي.
يحدث ذلك، رغم الاهتمام الذي تبديه الجهات العالمية، تجاه المخزون النباتي الموجود بالمنطقة العربية، لما له من سمات فريدة تتمثل في مقدرة هذه النباتات على التكيف مع التباين في درجات الحرارة حيث تكون أقل من الصفر في ليالي الشتاء القارس، وقد تتخطى حاجز الـ60ْ م في أيام الصيف الحارة.
وكذلك القدرة على تحمل التباين في نسبة الرطوبة؛ حيث تتحمل بعض النباتات غياب المطر لعامين متتاليين؛ وهو ما لفت نظر العلماء إلى إمكانية استغلال جينات هذه النباتات، في تحسين الصفات الوراثية للنباتات الاقتصادية مثل القمح والشعير والذرة.
ومما يزيد أيضًا من أهمية النباتات البرية الموجودة في المنطقة العربية، وجود الأصول البرية لأكثر من 16 محصولاً اقتصاديًا على مستوى العالم في هذه المنطقة. ومن هذه المحاصيل: القمح، الشعير، العدس، الفاصوليا، البرسيم، الحلبة، البصل، الثوم، الزيتون، اللوز، التين.
ونتيجة لكل ذلك، تنبهت الهيئات الدولية، وقامت بتمويل مشاريع بحثية في مجال الحفاظ على الأصول الوراثية للمحاصيل الزراعية في المنطقة العربية، ومن بين هذه المشاريع، مشروع التنوع الزراعي في المناطق الجافة Agro-biodiversity in dry land، الذي بُدئ العمل به عام 2000م، وتم تطبيقه في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين، وتموله الهيئات التالية: UNDP GEF، ACSAD، ICARDA، IPGRT.
بدائل غذائية
وتعود أهمية التنوع النباتي إلى توافر الأنواع البيئية التي يمكن استخدامها كبدائل غذائية.
فعلى الرغم من وجود 17 مليون نبات على مستوى العالم، إلا أن العالم كله يعتمد على حوالي 20 نباتًا فقط في غذائه بنسبة 95% من بينها القمح، الشعير، الأرز، الذرة، الموز، البطاطس، البطاطا، فول الصويا، دوار الشمس، البلح. ولأن العالم كله يعتمد في غذائه على هذا العدد القليل من النباتات، فإن ذلك يسبب مخاطر بيئية واقتصادية كثيرة، ويسمى هذا بنظرية التخصيص. وقد روجت الدول الكبرى لهذه النظرية؛ حتى تتمكن الدول المصدرة للقمح والذرة من السيطرة على مصير وقرارات الدول المستوردة.
ويضم العالم العربي ما لا يقل عن 200 نوع نباتي بري يمكن استغلالها في الغذاء. وتتميز هذه النباتات برخص ثمنها وتوافرها في البيئة العربية وسهولة إكثارها لأنها متأقلمة مع البيئة، ويعرفها المواطن جيدًا؛ لذا يسهل إقناعه بتناولها وتحضير أطعمة مرتفعة القيمة الغذائية منها.
نباتات تحت المجهر
ونتساءل ماذا كنا نأكل قبل أن نعرف الأرز مثلاً؟ ولماذا تراجع اهتمامنا بالأصناف المحلية من المحاصيل؟ ولماذا لجأنا للأصناف المستوردة؟
نبات السمح مثلاً واحد من النباتات البرية التي ينمو على المطر في بعض مناطق المملكة، ويكثر بمنطقة البسيطا بالجوف. وهو نبات ذو حبيبات تشبه حب القمح وفي نهاية الربيع تجمع هذه الحبيبات وتسمى الكعبر، لطحنها وإعداد أكلات شهية منها مثل البكيلة والخبز والكيك والعصيدة، وغيرها.
كما يعتبر السدر من أنواع النباتات الجيدة التي تتوافر في البيئة العربية، التي يمكن استغلالها كمصدر للغذاء البيئي. وتنمو هذه الشجرة في الوديان والسهول الصحراوية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، وثمرتها كحجم ثمرة الزيتون، ولكنها أكثر استدارة، ولقشرتها طعم سكري يشبه التفاح.
ولنا في التجربة الصينية خير مثال فقد استفادوا كثيرًا من نبات الهوهوبا وصنعوا منه الكثير من المستحضرات وفتحوا أسواقًا كثيرة لتصديره للخارج. مع العلم بأن نبات الهوهوبا ينتمي لنفس جنس نبات السدر المنتشر في المنطقة العربية الذي ما زال هناك الكثير من الفوائد الطبية والاقتصادية لم يكشف عنها النقاب بعد. فقد تحد زراعة هذا النبات المثمر من الضغط على المواد الغذائية التقليدية ويقلل من الاستيراد ويحافظ على الهوية العربية والتوافق بين الفرد العربي وبيئته.
د. وفاء محروس عامر – أستاذ التصنيف والفلورا