الصحة والغذاء

الفاكهة في عيون الشعراء: العنب والسفرجل والأترج

كلمة فاكهة هي مؤنث فاكه، وهي كل ما يتفكه به أي يتنعم بأكله رطبا كان أم يابسا, ويطلق لفظ فاكهة على ما يؤكل من أجل التلذذ لا من أجل الحاجة0 والحقيقة أن تناولنا للفاكهة غالبا ما  يكون في المقام الأول  من أجل التمتع والتلذذ لا من أجل الحاجة 0.
وأشجار الفاكهة من الأشجار المعمرة التي يزرعها الإنسان للاستفادة من ثمارها ومنظرها الجميل, ولا تنتج أشجار الفاكهة ثمارا إلا بعد فترة تطول أو تقصر حسب عوامل منها  نوع النبات والظروف المناخية ونوع التربة وغيرها  .
وتحتاج نباتات الفاكهة إلى رعاية خاصة، نظرا لطبيعة نموها وارتفاع نسبة الماء في ثمارها مما يجعلها قابلة للعطب, ولذا يلجأ المزارعون والمصدرون إلى حفظها بواسطة التجفيف أو التحلية بالعسل أو التعقيم بالتشعيع الجامي  أو التجميد.
ويمكن تقسيم أنواع الفاكهة حسب البيئة الجغرافية التي تنمو فيها إلى: فاكهة المناطق المعتدلة وفاكهة المناطق المعتدلة الدافئة وفاكهة المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية.
ففاكهة المناطق المعتدلة هي التي تنمو وتثمر في المناطق الباردة والمعتدلة وهي عادة تدخل في طور كمون (راحة ) خلال فصل الشتاء حيث تفقد فيه أوراقها ثم تنشط بعد ذلك في الربيع لتزهر وتورق، ومن أمثلة هذه الفواكه: التفاح والكمثرى والسفرجل, الخ.
أما فاكهة المناطق المعتدلة الدافئة فهي فاكهة حوض البحر المتوسط وما شابهها حيث يكون الجو حارا صيفا ومعتدلا شتاء ومن فاكهة تلك المناطق البرقوق والمشمش واللوز والعنب والتين والرمان. ومن ناحية أخرى فان   فاكهة المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية  هي تلك التي تنمو في المناطق عالية الحرارة، ومن أمثلتها  نخيل البلح والمانجو   والأناناس والموز.
و عن القيمة الغذائية للفاكهة  حدث ولا حرج، فهي تمد الجسم بما يحتاجه من فيتامينات وأملاح معدنية مثل الحديد والكالسيوم والفسفور، وكما أنها   غنية بالمواد السكرية فهي غذاء مثالي لسرعة هضمها وانتعاشها، ومقاومتها للسموم، وهي في نفس الوقت علاج لكثير من الأمراض والعلل، وعلى العموم يمكن القول أن الفاكهة غذاء ودواء.
وليسمح لي القارىء بأن يكون هذا مدخلي إلى الموضوع الذي أريد أن أتحدث عنه وهو الفاكهة في عيون الشعراء  , وسأختار أشهر أنواع الفاكهة وألقي الضوء على مكانتهم عند شعراء العرب.

الأترج

 ينتمي الأترج إلى فصيلة الحمضيات وهو شجرة شائكة  ذات رائحة  عطرية خاصة ،وتنتشر زراعته  في المملكة المغربية ، وهو أقل الموالح تحملا للبرودة 0 وثمر الأترج ذهبي اللون  يشبه ثمر الليمون الكبير  وهو ذكي الرائحة  حامض المذاق 0 و للأترج أسماء كثيرة فهو يسمى أترج وترنج وكباد ومتك كما يسمى تفاح العجم وتفاح ماهي وليمون اليهود.
وعُرف الأترج منذ القدم، وهو معروف في مصر منذ غزوات تحتمس الثالث،وكان من موائد الملوك والأمراء0 وورد ذكر الأترج في سفر اللاويين من التوراة0ولقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي  يقرأ القرآن  بالأترج ففي الحديث الصحيح  والذي رواه أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( مثل المؤمن الذي   يقرأ القرآن  مثل الأترجة  ريحها طيب وطعمها طيب )0    وعرف  العرب الأترج منذ القدم، وتغنوا به في شتى العصور ومنهم ابن الرومي الذي قال في معرض الحديث عن أحد ممدوحيه:

كل الخلال التي فيكم محاسنكم تشابهت منكم الأخلاق والخلق كأنكم شجر الأترج طاب معا حملا، ونورا، وطاب العود والورق

السفرجل

 شجر مثمر من الفصيلة الوردية,مازال ينمو بريا في شمال إيران ، كما ينمو بريا في جبل الجرمق  بالقرب من مدينة صفد بفلسطين 0والسفرجل أقرب الفواكه إلى الكمثرى  ، ولكن  صعوبة مضغه  تجعله أقل حظا في التداول من الكمثرى 0  والسفرجل  معروف منذ القدم وكان الرومان يقدرونه تقديرا كبيرا وكذلك الإغريق والفراعنة، وعرف العرب السفرجل منذ القدم وتحدثت عنه الكتابات القديمة، واستعملوه طبيا في علاج الإسهال  وإزالة قشر الشعر   وتبارى الشعراء في وصف السفرجل والإشادة به وبخصاله ومما قيل:

لك في السفرجل منظر تحظى به وتفوز منه بشمه ومذاقه هو كالحبيب سعدت منه بحسنه متأملا وبلثمه وعناقه يحكي لك الذهب المصفى لونه وتزيد بهجته على اشراقه فالشطر من أعلاه يحكي شكله ثدى الكعاب إلى مدار نطاقه والشطر أسفله يحاكى سرة من شادن يزهو على عشامه

العنب

 لا يوجد على الأرض من البشر من لا يعرف العنب، فهو أحد أشهر أنواع الفاكهة، وورد ذكر العنب في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة في جملة النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى على عباده في الدنيا والجنة.
وقال العرب الشيء الكثير عن العنب في اللغة والنثر والشعر، ومما قاله الخليفة العباسي ابن المعتز في حبة عنب:

وحبة من عنب من المنى متخذة كأنها لؤلؤة في بطنها زمردة

ووصف ابن الرومي العنب فقال

كأن الرازقي وقد تباهى وتاهت بالعناقيد الكروم قوارير بماء الورد ملأى تشف ولؤلؤ فيها يقوم وتحسبه من العسل المصفى إذا اختلفت عليك به الطعوم فكل مجمع منه ثريا وكل مفرق منه نجوم

وقال الشاعر الأندلسي ابن زيدون في العنب

جاء يزهو بمشتف رقيق خدع العين رقة وصفاء تنقذ العين منه في ظرف نور ملأته أيدي الشموس ضياء أكسبته الأنسام برد هواء فهو جسم قد صيغ نارا وماء منظر يبهج القلوب وطعم يسكر النفس شهده استمراء ملطف يبرد المزاج اذجا ش بحرِّ ويقمع الصفراء ومعين لواصل الصوم يسري برده في الحشى ويروي الظماء

الكمثرى

 الكمثرى هي أحد النباتات التي تنتمي إلى الفصيلة الوردية، وللكمثرى أصناف كثيرة يقارب عددها الستين مختلفة الطعم والحجم واللون, وعرف الكمثرى منذ عصور قديمة، فقد كانت معروفة جدا في أيام الرومان، وعرفتها أوروبا منذ عصور سحيقة.
وعرف العرب الكمثرى وتحدث عنها علماؤهم وأطباؤهم وشعراؤهم ،ومما قاله الشاعر ظافر الحداد الاسكندري في الكمثرى:

لله وافد كمثرى ذكرت به ما كنت أعهد في أيامي الأول لم أدنه من فمي إلا وأحسبه من النهود لذيذ العض والقبل فذقت من طعمه ما كاد يبلغ بي ماذقت من رشف محبوب على عجل أكرم بزورته لو أنها اتصلت أو أنه كان فيها غير منفصل لو كنت أملك حكم الأرض ما حملت نبتا سواه على سهل ولا جبل

المشمش

    المشمش نبات قديم، فقد كان معروفا في الصين قبل ميلاد  السيد المسيح بألفي سنة وكان ينبت بريا على جبال بكين، ودخلت زراعة المشمش أوروبا منذ ألف  سنة تقريبا، والغريب أن المشمش لم يستقبل فيها بالارتياح، إنما نظر إليه الأوروبيون نظرة خوف وحذر وأطلقوا عليه اسم الفاكهة الملعونة , وفي فرنسا استمرت هذه النظرة إلى المشمش حتى القرن السابع عشر الميلادي.
أما العرب فقد عرفوا المشمش وقدروه واحتفوا بشجره وزهره وثمره وتغنى به شعراؤهم، ومما قاله الشاعر ابن الرومي في وصفه:

قشر من الذهب المصفى حشوه شهد لذيذ، طعمه للجاني ظلنا لديه تدير في كاساتنا خمرا تشعشع كالعقيق القاني وكأنما الأفلاك من طرب بنا نثرت كواكبها على الأغصان وقال الخليفة الشاعر ابن المعتز ومشمش بأنه منه أعجب العجب يدعو النفوس إلى اللذات والطرب كأنه في غصون الدوح حين بدا بنادق خرطت من خالص الذهب

وقال الشاعر ابن رشيق

كأنما المشمش لما بدت أشجاره وهو بها يلتهب خضر قباب الملك حفت بها جلاجل مصقولة من ذهب

د, عبدالمنعم فهيم الهادي

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم