لقد لاحظت في مطالعاتي المختلفة أن هناك عاملا مهما كثيرا ما يغفل الناس عنه وهو عامل وحدة وتوحيد ألا وهو تشابه الأطعمة وطرائق تصنيعها، وتوحد وتشابه كثير من المأكولات فيما بين هذه الأقطار مما يدل على
وجود أواصر وروابط واحدة تربط بين أفراد وشعوب هذه الأمة.
ونضرب مثالا على ما نقول وهو أنك تدخل المطعم في السعودية أو لبنان أو مصر فتأكل وأنت منشرح النفس ولكنك حين تدخل مطعما في باريز ، أو في تايلاند ، أو هنغاريا تحس كأنك تمشي على مسحوق الزجاج خوفا مما يقدم إليك مما لا تعرف تكوينه ولا طريقة تصنيعه ولا استساغة نفسك له .
قد يقول قائل: أن هناك تشابها بين بعض الأطعمة في البلاد العربية والبلاد الغربية كالهامبورجر، والبيتزا والخشكنان (الكاتو)، فهل نقول أن هناك وحدة نفسية بين البلاد العربية والغربية ؟ والجواب بالطبع لا لأن هذا التشابه ليس قائما على عوامل أساسية في المجتمعين ، وانما هو قائم على خلاف عظيم ونعني أن هذه الحالة قائمة على الاستعمارين الفكري والنفسي الذي أصيب به العرب بعد زوال الاستعمار العسكري فما أن زال هذا الأخير حتى برزت في المجتمعات العربية نبتات خبيثة زرعها هذا الاستعمار أبان سلطته فنمت وقويت وتأصلت في المجتمعات العربية وطبعت هذا المجتمع بخصائصها ، حيث بات كثير من الشباب يقلدون الغرب في عاداته وسلوكه وطعامه ولباسه وشرابه وطريقة كلامه وسيره ووووو الخ دونما تفكير فإذا أنت أمام شعور منفوشة وملابس مخصورة مصبوغة بأشكال مقرفة أو مضحكة وقبعات على الرؤؤس معكوسة ، ومشيات معسولة وشفاه ممطوطة كشفاه السعادين ، وان استمعت سمعت مع كل كلمتين كلمة (اوكي) كأن اللغة العربية قد خلت من كلمة حسنا ،وأصبحت المطاعم الغربية مقصد هذه العائلات في يومي الخميس والجمعة ، ومحط اهتمام الشباب الذين لا يدرون ماذا يأكلون فإذا المطاعم الدخيلة تغص بالآكلين يأكلون الأطعمة الايطالية والأمريكية والصينية والتايلاندية والهندية وهي أطعمة ما أكلها آباؤهم ولا تذوقوها ولا عرفوها وقد اختلط فيها الحامض بالحلو والبارد بالحار وتضاربت فيها الأطعمة ولو سألت آكلا عما أكل لوقف أمامك مبهوتا فهو يكفيه أنه أكل في المطعم الصيني أو المكسيكي ولست أريد أن أقسم أن هذا الآكل ما درى ماذا أكل ولا لذة ما أكل فقد اجتمعت عليه المذاقات المختلفة من حلو وحامض وحار وبارد وأسود وأبيض ،،،الخ .
ان هذه الفوضى التي برزت في حياتنا أثرت تأثيرا سلبيا غلى عاداتنا الغذائية واتجهت نحو القضاء على الأصالة العربية ، وسببت نوعا من الإحراج لربة المنزل فهذا لا يحب الجريش وذاك لا يريد الكبسة وآخر لا يريد الخنفروش ، وأخوه لايأكل البامية ،والصغير يريد السكالوب ومن هو أكبر منه يحب الهامبورغر …الخ وتنظر الأم إلى ما طبخت فتجد جهدا ضائعا ومالا مهدورا ولا ترى راضيا أو سعيدا بما صنعت وطبخت وإنما سعادة الواجد من أبنائها بما تعوده من أطعمة مستوردة دخيلة لا تجسن الأم طبخها ، وما تعلمتها وما قبلتها ، فإذا قسم من الطعام لا يجد له آكلا وتكون نهايته إلى الزبالة .
قد يظن القارئ أن هذا الآمر بسيط ولكنه في الحقيقة خطير لأنه يشتت الذوق العام للآمة والتوجه النفسي القائم على الانسجام والاتحاد في التفكير ، والتشابه في السلوك . ولنتصور وليمة أقيمت لبعض أفراد الغائلة وقامت ربة البيت بتهيئة الطعام على ما اعتادته ، وجلس الضيوف إلى المائدة وفيهم من هو مغرم بالأطعمة الوافدة فامتنع عن الأكل لأنه لم يجد بغيته، ولنتصور أي إحراج سيصيب ربة البيت فكيف ستتدارك الأمر ، ومن أبن ستهيئ لضيوفها الطعام الأمثل لهم . وأكبر ظني أن المضيف لن يدعو أحدا بعد بسبب ما أصابه من الإحراج وبذلك تضعف العلاقات الاجتماعية والأسرية فإذا أضفنا إلى ذلك ما كنت أفضت فيه في مقالات من أن أكثر الذين يصنعون الأطعمة الوافدة ليسوا بمسلمين ولا يفقهون شيئا عن الطهارة والنجاسة وأن بعضهم يخرج من المرحاض دون أن يغسل يديه ليمد كعكة البيتزا وفي الرجوع إلى ما كتبت غنى عن التكرار ، والأمر الأشد خطورة مكونات هذه الأطعمة من لحوم مستوردة قد تكون موقوذة أو ميتة أو مضى على ذبحها زمن طويل أفقدها الصلاحية ، والأنكى من هذا أن بعض مزارع الدجاح تجمع الدجاج في الصباح وتذبحه بعد الظهر وتجعله في أكياس تنقع في الماء ليزداد وزنه ثم توزعه في اليوم الثاني على المطاعم وبائعي الشاورما وقد تفشى فيه جرثوم السالمونيلا ولا نزال نسمع بين يوم وآخر عن تسممات غذائية جراء تناول هذه الأطعمة ولا سيما الشاورما فان تعرض سيخ الشاورما من الخارج للنار قد يقتل الجراثيم ولكنه بدفئه يعطي فرصة كبيرة لجراثيم الداخل كي تنمو وتتكاثر ، وبذلك يحصل التسمم .