قال علماء من جامعة الشارقة إن نباتًا عطريًا شائعًا كان يستخدم كدواء تقليدي لعدة قرون قد يساهم في إيجاد علاجات مبتكرة لسرطان القولون والمستقيم.
الشيح العشبي الأبيض؛ المعروف أيضًا باسم الشيح الشائع، ينمو بشكل طبيعي في جميع أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط. لطالما استخدم السكان المحليون هذا النبات الصحراوي القوي لعلاج أمراض مختلفة، بما في ذلك التهاب الشعب الهوائية والإسهال وارتفاع ضغط الدم والسكري. اكتشف العلماء حديثًا أن الشيح يحتوي على مركبات قد تساعد في مكافحة أحد أخطر أنواع السرطان.
![](https://sehaweghethaa.com/wp-content/uploads/2025/02/Dried-wormwood-1024x683.jpg)
وفي بيان لها، أوضحت الدكتورة لارا بو ملحب، المؤلفة الرئيسية والباحثة المشاركة في معهد الشارقة للبحوث الطبية والصحية، أن سرطان القولون والمستقيم مرض شائع وخطير، مما يجعل من الضروري إيجاد علاجات جديدة وأفضل. وهذه الحاجة ملحة بشكل خاص نظرًا لأن سرطان القولون والمستقيم يحتل المرتبة الثالثة بين أكثر أنواع السرطان شيوعًا في جميع أنحاء العالم، حيث يمثل ما يقرب من 10٪ من جميع حالات السرطان.
ويحتل سرطان القولون والمستقيم المرتبة الثانية بين الأسباب الرئيسية للوفيات المرتبطة بالسرطان. ففي عام 2020 وحده، أودى المرض بحياة مليون شخص، بينما قام الأطباء بتشخيص مليوني حالة جديدة.
تكشف نتائج فريق البحث، المنشورة في مجلة Food Science & Nutrition، أن مستخلصات هذا النبات قد تستهدف خلايا سرطان القولون والمستقيم وتقتلها بفعالية من خلال آليات متعددة، مع الحفاظ على الخلايا السليمة نسبيًا. تثير هذه القدرة على الاستهداف الانتقائي اهتمام الباحثين بشكل خاص، حيث أن علاجات العلاج الكيميائي الحالية غالبًا ما تواجه تحديات مثل مقاومة الأدوية والآثار الجانبية الشديدة.
جمع الباحثون بعناية الأجزاء الهوائية لنبات الشيح الأبيض من جنوب الأردن في مايو 2021 لإجراء بحثهم. وأشرف الأستاذ الدكتور محمد هديب، الخبير في علم العقاقير والكيمياء النباتية في كلية الصيدلة بالجامعة الأردنية، على التعريف النباتي الدقيق لهذه العينات. ثم اتبع الفريق عملية تحضير دقيقة، تم خلالها تجفيف المادة النباتية بالهواء في درجة حرارة الغرفة مع حمايتها من أشعة الشمس المباشرة للحفاظ على مكوناتها الحساسة.
ويشير الباحثون في ورقتهم البحثية إلى أن هذه الخطوة التمهيدية اتُّخذت لتعزيز فعالية عملية الاستخلاص التالية، وضمان أكبر كمية ممكنة من المواد الكيميائية النباتية المستخرجة. وقاموا بطحن النبات المجفف إلى مسحوق ناعم للغاية لا يتجاوز حجم جزيئاته 0.5 مليمتر قبل تحضير مستخلص قائم على الميثانول للاختبار.
تمكن الفريق من خلال استخدام تقنيات تحليلية متطورة من تحديد العديد من المركبات النشطة بيولوجيًا داخل النبات المعروفة بخصائصها المضادة للسرطان، بما في ذلك الإيفيدرين، والهيدروكسي فلافون، وحمض الكينولينيك. ويبدو أن كل من هذه المركبات تهاجم الخلايا السرطانية من خلال آليات مختلفة، مما يخلق هجومًا متعدد الجوانب على المرض.
ويضيف الدكتور بو ملحب: “أدى ذلك إلى تعطيل دورة الخلية وتقليل نشاط البروتينات مثل Cyclin B1 وCDK1، الضرورية لانقسام الخلايا السرطانية. بالإضافة إلى ذلك، حجب مسار PI3K/AKT/mTOR، الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تطور السرطان.”
![](https://sehaweghethaa.com/wp-content/uploads/2025/02/img-1032908359-1200x900-1-1024x768.jpg)
اختبر الباحثون المستخلص على ثمانية أنواع مختلفة من خلايا سرطان القولون والمستقيم، تمثل أنماطًا جينية مختلفة، بما في ذلك بعض الخلايا التي تحتوي على جين p53 الكابت للورم وبعضها الآخر لا يحتوي عليه. سمح لهم هذا النهج الشامل بتقييم فعالية العلاج عبر أشكال مختلفة من المرض.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن مستخلص النبات أثبت قدرته على تحفيز موت الخلايا المبرمج في الخلايا السرطانية بغض النظر عن تركيبها الجيني. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في أنه يشير إلى إمكانية نجاح العلاج حتى ضد الأشكال الأكثر عدوانية من سرطان القولون والمستقيم، وتحديدًا تلك التي فقدت جينات مهمة لقمع الورم.
تقول الدكتورة بو ملحب: “تشير هذه النتائج إلى الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها عشبة الشيح الأبيض كأداة جديدة في مكافحة سرطان القولون والمستقيم. بناءً على النتائج التي توصلنا إليها، يمكن أن تكون عشبة الشيح الأبيض مكونًا طبيعيًا واعدًا لعلاجات السرطان الجديدة.”
وقد يكون هذا البحث ذا أهمية خاصة في تطوير الأدوية، حيث غالبًا ما تواجه علاجات العلاج الكيميائي الحالية تحديات مثل مقاومة الأدوية والآثار الجانبية الضارة. وفي ختام الدراسة، أكد الباحثون على الحاجة إلى مزيد من البحث “لتوضيح الآليات الجزيئية والفعالية السريرية لـArtemisia herba-alba (الشيح الأبيض) في علاج السرطان.