في عصر الهوس بـ”عد الخطوات”، الذي انتشر بفضل الساعات الذكية وأجهزة اللياقة البدنية، كشف الباحثون أن لهذه الخطوات فوائد تتجاوز اللياقة البدنية، إذ تساهم في الحفاظ على الصحة العقلية. أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاستيا لا مانشا أن الأفراد الذين يمشون عددًا أكبر من الخطوات يوميًا هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب، مما يشير إلى أن المشي اليومي يمكن أن يكون وسيلة فعالة للوقاية من مشاكل الصحة النفسية.
نُشرت الدراسة في مجلة JAMA Network Open، وهي من أبرز المجلات العلمية المتخصصة، وحللت بيانات لـ 96173 شخصًا بالغًا من 13 دولة مختلفة. وتشير هذه النتائج إلى أن زيادة عدد الخطوات اليومية بمقدار 1000 خطوة ترتبط بانخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 9%، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال الوقاية من الأمراض النفسية.
وبالمقارنة بالأشخاص الذين يمشون أقل من 5000 خطوة يوميًا (وهو ما يعتبر نمط حياة خامل)، فإن أولئك الذين وصلوا إلى عدد أكبر من الخطوات أظهروا نتائج أفضل تدريجيًا في الصحة العقلية. وكانت التأثيرات الوقائية ملحوظة بشكل خاص لدى الأشخاص الذين يمشون ما بين 7500 و9999 خطوة يوميًا، حيث أظهروا انخفاضًا ملحوظًا في أعراض الاكتئاب مثل الحزن وفقدان الاهتمام، مقارنة بنظرائهم الأقل نشاطًا.
اتخذ خطوة نحو صحة نفسية أقوى
قاد برونو بيزوزيرو بيروني وفريقه بحثًا تحليليًا لدراسات استخدمت قياسات موضوعية للنشاط البدني، مثل عدادات الخطوات وأجهزة قياس التسارع، بدلاً من الاعتماد على التقارير الذاتية للمشاركين. هذا النهج يضمن دقة أعلى للبيانات، حيث يتجنب الاعتماد على تقديرات المشاركين لمستويات نشاطهم.
شملت الدراسة مجموعة واسعة ومتنوعة من البالغين تتراوح أعمارهم بين الشباب بمتوسط عمر 18.6 عامًا وكبار السن بمتوسط عمر 91.2 عامًا. وتراوحت عدد الخطوات اليومية بين المشاركين من حوالي 2931 إلى 10378 خطوة يوميًا، مما يشير إلى تغطية البحث لطيف واسع من مستويات النشاط البدني.
أظهرت نتائج البحث علاقة عكسية بين عدد الخطوات وأعراض الاكتئاب، حيث لوحظ انخفاض في أعراض الاكتئاب مع زيادة عدد الخطوات اليومية. وتأكدت هذه العلاقة سواء في الدراسات التي أجريت في وقت واحد أو تلك التي تابعت المشاركين على مر الزمن.
ومن أبرز النتائج التي توصل إليها الباحثون أن المشاركين الذين حافظوا على 7000 خطوة أو أكثر يوميًا كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 31% مقارنة بمن يمشون خطوات أقل. يشير هذا إلى أنه قد يكون هناك تأثير لعدد معين من الخطوات اليومية التي توفر فوائد صحية عقلية مثالية.
لماذا تعد الخطوات اليومية مهمة جدًا؟
تستعرض هذه الورقة البحثية آليات محتملة لآلية عمل المشي في الوقاية من الاكتئاب، حيث يرتبط النشاط البدني بتغيرات في العديد من العمليات البيولوجية والنفسية. تشمل هذه الآليات التغيرات في الالتهاب، وتنشيط الدوائر العصبية، وزيادة مرونة الدماغ، وتنظيم استجابات التوتر. كما يوفر المشي، وخاصة في الهواء الطلق، فرصًا للتفاعل الاجتماعي وتقوية العلاقات.
تتمثل روعة المشي كوسيلة تدخل في الصحة العقلية في بساطته وسهولة دمجه في الحياة اليومية، حيث لا يتطلب معدات خاصة أو تدريبًا مكثفًا. ويمكن دمجه بسهولة في الروتين اليومي من خلال تغييرات بسيطة في العادات اليومية.
مع تزايد المخاوف المتعلقة بالصحة العقلية على مستوى العالم وزيادة تكلفة العلاجات التقليدية أو صعوبة الوصول إليها، فإن فكرة أن شيئًا بسيطًا مثل المشي يمكن أن يساعد في منع الاكتئاب جذابة بشكل خاص. وتؤكد هذه النتائج أهمية دور المشي في الوقاية من الاكتئاب، خاصة في ظل الزيادة المستمرة في معدلات الإصابة بهذا الاضطراب عالميًا.
مع دخولنا إلى مستقبل حيث يتم الاعتراف بالصحة العقلية بشكل متزايد كعنصر أساسي للرفاهية العامة، يشير هذا البحث إلى أن إحدى أقوى أدواتنا للوقاية من الاكتئاب قد تكون الفعل البسيط المتمثل في المشي أكثر كل يوم.