في دراسة علمية حديثة نشرت في مجلة “Economics & Human Biology“، أجرى باحثون أستراليون تحليلاً عميقاً للصلة بين انتشار الإنترنت فائق السرعة وزيادة معدلات السمنة، مع التركيز على دور السلوكيات المستقرة وقلة الحركة كأحد العوامل الوسيطة في هذه العلاقة.
تدرس هذه الدراسة العلاقة بين سرعة الإنترنت وزيادة الوزن، باستخدام مؤشر كتلة الجسم ومتغير وهمي للسمنة كمقاييس أساسية. تم التركيز على نسبة الأسر في كل منطقة بريدية التي تمتلك خدمة إنترنت فائق السرعة (NBN) كمتغير أساسي، مع التحكم في عوامل أخرى مثل العمر والجنس والدخل. استخدمت الدراسة بيانات مسح ديناميكيات الأسرة والدخل والعمالة في أستراليا (HILDA) خلال الفترة من 2006 إلى 2019. وتم تحليل البيانات باستخدام طريقة الانحدار الخطي البسيط.
لتفادي مشكلة الاختيار الانتقائي، حيث قد ينتقل الأشخاص البدينون إلى مناطق ذات إنترنت أسرع، تم استخدام طريقة المربعات الدنيا المكونة من مرحلتين. كما تم استخدام التصميم المتدرج للاختلافات (DID) لمقارنة التغيرات في مؤشر كتلة الجسم قبل وبعد توفر خدمة NBN في كل منطقة. هذا التصميم يسمح لنا بتقييم التأثير السببي لسرعة الإنترنت على السمنة.
أخيرًا، تم تحليل دور السلوك المستقر والنشاط البدني كوسائط محتملة لهذه العلاقة، أي هل يؤدي الإنترنت إلى زيادة الوزن عن طريق تقليل النشاط البدني أو زيادة السلوكيات المستقرة؟
أظهرت الدراسة أن زيادة سرعة الإنترنت مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالسمنة. ففي النتائج الأساسية، ارتبط ارتفاع نسبة المناطق التي تتمتع بخدمة إنترنت فائق السرعة (المحددة بالرمز البريدي) بارتفاع مؤشر كتلة الجسم بنسبة 0.635 وبزيادة احتمال الإصابة بالسمنة بنسبة 2.8%. تتفق هذه النتائج مع دراسات سابقة أجريت في الدول المتقدمة، ولكنها تختلف عن نتائج الدراسات التي أجريت في الدول النامية مثل الصين، حيث لا يزال انتشار الإنترنت في مراحله الأولى. يُرجح أن يكون السبب في هذا الاختلاف هو التفاوت في المستويات الاقتصادية ومراحل تطور تكنولوجيا المعلومات بين الدول.
يكشف التحليل أن خطر الإصابة بالسمنة يزداد مع التقدم في العمر حتى سن معينة، ثم يبدأ في الانخفاض. في حين أن عوامل مثل الترمل تقلل من هذا الخطر. ومن المثير للاهتمام أن ارتفاع مستويات الدخل والتوظيف والتعليم يرتبط بزيادة خطر السمنة، بينما يزيد المرض أو الإعاقة طويلة الأمد من هذا الخطر. تشير التقديرات المصححة، التي تم الحصول عليها باستخدام نهج 2SLS، إلى أن التقديرات الأولية قد قللت من التأثير الحقيقي لسرعة الإنترنت على السمنة. بعد التصحيح، وجد أن الزيادة بنسبة 1٪ في الوصول إلى شبكة الألياف الضوئية الوطنية (NBN) ترتبط بزيادة قدرها 1.574 في مؤشر كتلة الجسم وارتفاع بنسبة 6.6 نقاط مئوية في خطر الإصابة بالسمنة.
يكشف تحليل آخر أن قلة الحركة والخمول البدني هما السبب الرئيسي للعلاقة بين سرعة الإنترنت والسمنة. فكلما زاد استخدام الإنترنت، قل الوقت الذي يقضيه الشخص في الأنشطة البدنية التي تحرق السعرات الحرارية، وازدادت فترات الجلوس والاسترخاء. وعند إضافة هذه العوامل إلى التحليل، انخفض تأثير سرعة الإنترنت على السمنة، مما يؤكد أهمية قلة الحركة والخمول في هذه العلاقة.
تكشف تحليلات المجموعات الفرعية أن تأثير سرعة الإنترنت على السمنة يظهر بشكل أكبر بين الرجال والشباب مقارنة بالنساء وكبار السن. كما وجدت الدراسة أن الإنترنت عالي السرعة يرتبط ارتباطًا أقوى بالسمنة في المراحل المبكرة، والتي تصنف عادةً على أنها سمنة منخفضة المخاطر (الفئة 1)، مع ملاحظة اتجاهات مماثلة لفئات زيادة الوزن ونقص الوزن. تؤكد فحوصات المتانة، بما في ذلك التجميع على مستوى المناطق الجغرافية الصغيرة وعلى مستوى الأفراد، اتساق هذه النتائج. وأخيرًا، عزز تحليل الفروق (DID) العلاقة الإيجابية بين الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة والسمنة، مما يثبت صحة نتائج الدراسة عبر منهجيات متعددة.