«اليوغا» رياضة عريقة مارسها الإنسان منذ القدم، وفي السنوات الأخيرة تطورت وصارت تمارس على أسس علمية، وارتبطت بنفسية الإنسان وتقبله لذاته وللوسط المحيط، فضلًا عن فائدتها في التخسيس والوقاية من بعض الأمراض وعلاجها.
في هذا اللقاء مع «داليا حاتم» مدربة اليوغا، نتعرف على بعض فنون هذه الرياضة وأسرارها وفوائدها وطرق ممارستها بشكل سليم.
· عرفينا بداية عن معنى كلمة «يوغا»؟
الكلمة من أصل «سنسكريتي»، ومعناها توحيد صفائك الذهني والتركيز على فكرة معينة كنفسك وشخصك وتأملك، باختصار تعني التركيز على الذات والبحث عن نقطة التوازن داخل الجسم.
· يعتقد البعض أن اليوغا مرتبطة بعقائد وثنية كالبوذية مثلاً، ماذا تقولين في ذلك؟
هذه الادعاءات ليس لها أساس من الصحة. فالبوذيون مارسوا اليوغا ولكن لم يكن لذلك علاقة بمعتقداتهم، فهي علم دُرس على مدى العصور.
وأذكر بهذه المناسبة، أن الكثير من الرياضات البدنية ترتبط بقصص وأساطير غريبة، ولكن ما يهمنا هو ما وصلنا إليه اليوم وما تحققه لنا رياضة اليوغا من توازن نفسي وروحي وجسدي وقوة وتمديد للعضلات واسترخاء وهذا ما نقوم بتعليمه بعد سنين من الدراسة والممارسة.
· هل نفهم من ذلك أنها تعتمد على التأمل والاسترخاء أكثر منها رياضة بدنية؟
هي رياضة فيها الكثير من التأمل والاسترخاء، لكنها لا تعتمد عليه فقط حيث تتضمن مجهودًا عاليًا وتركيزًا على الجسم بصورة أكبر. وذلك من خلال مراحل أساسية أولها التأمل كي يستطيع الشخص التركيز على نفسه والتخلص من الضغوط النفسية والحياتية المختلفة التي يتعرض لها وذلك برسم دائرة حول نفسه يبتعد فيها عن المؤثرات الخارجية والداخلية التي ينبئه بها الجسم عندما يشعر بالتعب. بعد ذلك يأتي التركيز على النفس بشكل أكبر والدخول في تفاصيلها، ومن ثم تأتي وضعيات أو حركات «اليوغا» وهي تمارين رياضية مدروسة بدقة من كل النواحي، وهي تشمل كل ماله علاقة بالجسم من التشريح إلى علاقة الأطراف بالعمود الفقري، وكذلك علاقة الجسم بالدورة الدموية والصفاء الذهني. وهذه هي التي تحرق الدهون وتشد الجسم، وهي تختلف عن الذهنية المتعلقة بالتأمل. وهي حركات تعتمد بشكل أساسي على التوازن ومن أهم ما يقوم عليه علم اليوغا أن يتعلم الجسم كيفية التوازن. ومن ثم تمديد العضلات والاسترخاء.
· هل الدخول في أعماق اليوغا يبعد أي جهد ذهني؟
الصفاء الذهني يأتي من قبول النفس، وما نحاول تعليمه في اليوغا أن يتقبل الشخص نفسه. فبمجرد أن نطلب من الممارس تصفية الذهن فتلك إشارة للتفكير بالأشياء المحيطة بنا سواء إيجابية أم سلبية، والدعوة إلى قبولها والتعايش معها. وهنا يأتي قبول النفس ويتحقق الصفاء الذهني الناتج عن الرضا عن الذات، وربما صار الشخص أكثر مقدرة على حل الأمور السلبية لأنه بدأ بالتفكير بصفاء ذهن وأكثر إيجابية.
· وماذا عن التركيز؟
تساعد على التركيز إلى حد كبير، ولكن يعتمد ذلك على ممارستها ومدة الممارسة، فممارستها بشكل متقطع أو لهدف التخسيس وتمديد العضلات والاسترخاء ومن ثم تركها يختلف عن ممارستها لبناء الجسم بشكل كامل والاستمرار بهدف المحافظة على الصحة إلى ما بعد الخمسين، فالاستمرار يساعد كثيرًا على التركيز. فالهدف من الممارسة والاستمرارية يؤدي إلى المساعدة على التركيز بشكل أكبر. بينما البعد عن اليوغا يسبب مجددًا الضعف في التركيز الذي اكتسب في فترة الممارسة. إلا في حالة اعتياد الشخص على الخلو والتركيز على نفسه والتأمل يوميًا ولو لمدة خمس دقائق. وهذا شيء يصعب المحافظة عليه.
· نلاحظ أنك تركزين كثيرًا على التوازن، لماذا؟
-جسم متوازن يعني حياة متوازنة. فحين يكون لديك القدرة على الوقوف بتوازن بجسم صحي وعمود فقري سليم ومشدود وعضلات مرتاحة ورأس مرفوع، عندها سوف تعطي أكثر لحياتك. ونفسيًا بمجرد الشعور بالراحة سوف يكون شكلك أكثر إشراقًا وصحة. وكذلك توازن الجسم مع داخل الإنسان بحيث يصبح لديه تقبل للسلبيات قبل الإيجابيات وتقبل للذات والوسط المحيط. كل هذا تعنيه هذه الجملة بشكل مبسط..
ويمكنني تشبيه اليوغا بالإجازة من حيث الشعور بالإجازة والبعد عن الضغوط والأشياء المزعجة. فاختيار الإجازة دائمًا يكون في مكان يبعد عن كل ما يزعجنا. اجعلي لليوغا لديك نفس المفهوم، كأن تذهبي لهذه الإجازة لتعودي أكثر صفاء وحيوية. ليكون لديك قدرة لإكمال عملك وحياتك بكل ما فيها من ضغوطات. اليوغا باختصار إجازة لكن على مدار السنة.
· وإلى أي مدى تساعد على التأمل وطرد التفكير السلبي والاستمتاع بالهدوء؟
يتم ذلك عن طريق اختبار التحكم بالنفس، وكمثال بسيط لتحقيق ذلك فلنفترض بأنك في «سوبرماركت» مزدحم، واضطررت للانتظار نصف ساعة كي يأتي عليك الدور وتحاسبي على مشترياتك. وفي هذه اللحظة جاءت امرأة لتأخذ مكانك دون حتى الالتفات أو الاعتذار. ترى كيف ستعالجين الوضع في هذه الحالة؟ من المؤكد بأنك ستغضبين خصوصًا أن الانتظار الطويل زاد في شحنك لزيادة الغضب. هنا تأتي السيطرة على النفس في مثل المواقف البسيطة.
فاليوغا تعلمك أخذ نفس عميق قبل أي رد فعل. فمجرد أخذ نفس مدته 10 ثوان يعني أن الأوكسجين دخل للجسم وارتاحت الأعصاب واستطعت خلال هذه الثواني التفكير والتساؤل: ترى هل يستحق هذا الموقف مني هذا الغضب، أو هل تستحق هذه المرأة أن أرد عليها رغم أني محقة وبالتالي أضطرب وأتوتر؟
إن ممارسة اليوغا بشكل دائم تدرب على السيطرة على النفس في وقت الراحة، كي تشحن الطاقة عند الغضب وتطبق ما تعلمتِه خلال نفس واحد، فهي رياضة تحقق التوازن الروحي والنفسي للإنسان.
· ما أهم أوضاع اليوغا في كل مرحلة، وفائدة كل منها؟
أول مرحلة هي التأمل، وأهم أوضاعها «اللوتس» وهو الجلوس مع تمديد الرجلين وإرخاء الركبتين واستقامة الظهر لتمديد العمود الفقري، وهذا أهم وضع يكون فيه الجسم قريب من جاذبية الأرض، فالقرب من الجاذبية مهم لمرحلة التأمل والتركيز على النفس بصورة كبيرة.
ثاني مرحلة عبارة عن عدة وضعيات تتراوح ما بين العشر إلى الثلاث عشرة…ولكل نوع حركات وأوضاع مختلفة.
وبعد التأمل يأتي الإحماء، وهي حركات متتالية من ثلاث إلى ست حركات من ضمنها الكوبرا ووضعية الكرسي والمثلث لتجهيز الجسم للتمارين.
وتمرين تمثيل شكل المثلث بالجسم على الأرض هي وضعية مهمة تعمل على تمديد عضلات الرجلين الخلفية وتمديد وتقوية للعمود الفقري.
وهناك وضعيات عدة، ولها ثلاث مستويات كالكوبرا وكلما كانت أبطأ صارت أصعب. وهناك «بلانك» و «بريدج» وتعتمد على عضلات المعدة والظهر والفخذ وتساعد في تقويتها بشكل كبير. وهناك وضع الطيران وهي حركة صعبة وقوية تحتاج لتمرس جيد للقيام بها .
أما وضع الجثة فمن الأوضاع النهائية التي يرتاح فيها الجسم كليًا ويكون ممددًا على الأرض ومع جاذبيتها ويساعد على التخلص من الشحنات الكهربائية في الجسم.
· هل تسمية هذه الحركات ترجع إلى شكل كل حركة؟
التسميات ليست مجرد أسماء مشابهة للشكل كوضع الورقة مثلاً فهي لا تمثل شكل الورقة فقط ولكن أيضًا تحركاتها مع الريح، وأيضًا الشجرة حين لا تتحرك مع الرياح سوف تنكسر وهذا ما لا نريده للجسم. فكذلك وضع الشجرة في اليوغا لا يمثل الاسم فقط وإنما ميلانها ومرونتها مع الرياح.
· ما أفضل وقت لممارسة اليوغا؟
في أي وقت، لكن أفضل وقت هو الصباح، فبداية النهار بتنفس صحيح ودورة دم منتظمة وحركات رياضية تساعد على تمديد العمود الفقري مما يهيئ الجسم لاستقبال أي مؤثرات خارجية بصدر رحب وجسم سليم يساعد على التخلص من أي وعكات صحية أو نفسية قد يتعرض لها الشخص خلال اليوم.
· يقال إن لممارستها تأثير نفسي، كيف ذلك؟
التأثير النفسي مهم في اليوغا لأنها تحل مشاكل كثيرة كالتوحد وتساعد على تقبل الذات، كذلك تساعد في علاج أمراض نفسية مثل مرض الهوس بالنحافة لدرجة انعدام الشهية. فاليوغا تفتح بابًا واسعًا لتقبل الذات وهذا يخطو بالمريض لمراحل كبيرة ومهمة في الشفاء. لكنها لا تغني عن العلاج النفسي مع الطبيب، وقد ينصح بها بعض الأطباء. كما أن للمدرب دورًا في مساعدة المريض عن طريق التمارين وإدخال الأوكسجين للجسم وتمديد العضلات مما يسبب تلقائيًا راحة للمريض وجعله يفكر بطريقة أفضل.