مستقبل البحث العلمي حافل بالمفاجآت المثيرة والاحتمالات المخيفة، والعلماء المنكبون على أبحاثهم يطلون علينا بمستجدات غير مسبوقة، ليس فقط باكتشافاتهم في العلوم المتعارف عليها، لكن يضيفون إليها علومًا جديدة لا نكاد نسمع عنها من قبل.
من ذلك، مثلاً، اعتقاد العلماء بأنه سيأتي عصر يتخلص فيه الإنسان من أمعائه وأسنانه بعدما تبطل وظائفهما، مثلما تخلص قبل ذلك من ذيله الذي ما زال يحمل بعض آثاره.. ويعزون ذلك إلى أن الظروف ستضطر الإنسان إلى توفير الوقت والجهد الذين يستغرقهما في الأكل والمضغ والهضم لينفقهما في شيء أكثر جدوى لرقيه الروحي والمادي ورفاهيته النفسية. وسيلجأ إلى خلاصات غذائية ومستحضرات مركزة للحصول على ما يلزمه من طاقة للبقاء، وهي عناصر لا تحتاج إلى جهاز هضمي معقد يرهق الإنسان ويصيبه بمختلف الأمراض.
ويبدو أننا لسنا بعيدين عن هذا العصر، فرجال الفضاء في رحلاتهم خارج كوكب الأرض لا يكون لديهم متسع من الزمان والمكان لإعداد الموائد وطهي الطعام، فيستعيضون عن الأغذية التقليدية بخليط شبيه بمعجون الأسنان المعبأ داخل الأنابيب.
وفي كتاب ممتع بعنوان «أحلام اليوم حقائق الغد»، يفاجئنا كاتب الخيال العلمي راجي عنايت بمجموعة من الاكتشافات التي ستغير مجرى التاريخ وشكل الحياة على الأرض.. ومن ذلك ما يعرف بـ «علم أحياء الجزيئات» الذي يتعامل مع الخصائص الوراثية للخلية الحية داخل جسم الإنسان بالتغيير والتحوير والتهجين، وهو ما سيجعل من الممكن إنتاج بشر وفقًا لمواصفات سبق تحديدها لتلبية احتياجات الدول والمنظمات!
ومن بينها جهود العلماء للتأثير على العقل بالعقاقير أو الجراحة لاستئصال الألم من حياتنا، ومحو الدوافع الإجرامية لدى المنحرفين، والوصول بالذكاء البشري إلى حدود لا يعرف مداها إلا الله عز وجل.
وفي عالم العقول الإلكترونية، هناك تطورات متلاحقة جعلتنا على مشارف عصر تقوم فيه الحواسيب بمهام خرافية.. وقد استفاد كتاب قصص الخيال العلمي من هذا وشطحوا بخيالهم فتصوروا عقلا إلكترونيًا ضخمًا مركبًا يستقل بإرادته عن البشر الذي صنعوه ويملي إرادته عليهم.
وحدث ولا حرج عن الاكتشافات الفلكية التي قاد بعضها إلى التعرف على الحالة الرابعة للمادة، وهو ما سيقلب كل معارفنا الطبيعية رأسًا على عقب. خاصة بعد توصل العلماء منذ سنين إلى أن للمادة حالة رابعة غير حالات الصلابة والسيولة والغازية.. حالة البلازما. وأن 90% من مادة الكون عبارة عن بلازما، ومصدر عظمة هذا الاكتشاف هو ما سيوفره من مصدر لا نهائي للطاقة، بحيث ينهي جميع المشاكل التي تؤرق العالم اليوم.
لقد سعى الإنسان منذ فجر التاريخ إلى ابتكار أدوات وأجهزة لزيادة قدراته العضلية والحسية الطبيعية، فاخترع الروافع والأوناش التي تضاعف قدرة عضلاته مئات وآلاف المرات.. واخترع التلسكوب الذي يمد به بصره إلى أبعد الآفاق. وأصبح قادرًا على مشاركة الأسماك حياتها في قاع المحيط معتمدًا على الرئة الخاصة بالغطس.. وابتكر رداء يسمح له بالسباحة في الفضاء مثل الأجرام السماوية..
لكن، مع كل اكتشاف وابتكار وتقدم وتطور، يشعر الإنسان يومًا بعد يوم أنه ما زال في مستهل الطريق.. وصدق الله العظيم عندما قال في محكم التنزيل: }وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا{.
أسامة ابراهيم