الصحة والغذاء

تجنيد البكتيريا والميكروبات في مزارع الألوان الطبيعية

«مزرعة ألوان طبيعية».. لا تستغرب عزيزي القارئ إن شاهدت هذه العبارة، مدونة على لافتة إحدى المنشآت بعد سنوات قليلة. فقد نجح العلماء والباحثون في تجنيد البكتيريا والفطريات في مزارع خاصة، لإنتاج ألوان طبيعية، تتمتع بفوائد غذائية وعلاجية مختلفة.

وقد تصبح هذه الألوان الطبيعية في المستقبل القريب، واحدة من مميزات الأغذية المصنعة، وربما نجد إقبالاً على تناول الأغذية التي تحتوي عليها بدلاً من العزوف الذي تلاقيه المنتجات التي تحتوي على ألوان صناعية في الوقت الحاضر.

في هذه الصدد، أجرت الباحثة مي عبد الخالق، المدرس المساعد في قسم التغذية بكلية الاقتصاد المنزلي جامعة المنوفية، دراسة ماجستير على استخلاص ألوان طبيعية من فطر الموناسكس بهدف التعرف على الخواص السمية والمضادة للأكسدة والوظائف المناعية لألوان الموناسكس، ودراسة تأثيرها على مؤشرات الدم وأعضاء الجسم الداخلية.

مزايا وفوائد

في مقدمة الدراسة، أوضحت الباحثة أن إنتاج المواد الملونة من المزارع الميكروبية، يتميز بعدة مزايا منها: انخفاض مدة الإنتاج لتصل إلى عدة أيام فقط، ومرونة التحكم في الإنتاج بالمقارنة بالمصادر النباتية والحيوانية الأخرى، وإنتاج العديد من الألوان المماثلة للكلوروفيل والكاروتينات من مصادر ميكروبية. وقد يتمكن العلماء من إنتاج العديد من الألوان الأخرى عن طريق التخليق الجيني لبعض الكائنات الحية الدقيقة.

ويتميز فطر الموناسكس بالعديد من الخواص، تشمل إنتاج ألوان ذات ألوان متعددة تتدرج من اللون الأصفر إلى الأحمر؛ حيث ينتج على الأقل ستة ألوان متفرقة، إضافة إلى الألوان المتداخلة التركيب التي تضاف إلى منتجات اللحوم والألبان والصلصات (الكاتشب). كما تستخدم هذه الألوان كبادئات في تصنيع التوفي والجبن لتحسين خواص التسوية لتلك المنتجات، فضلاً عن إنتاج العديد من المواد ذات الخواص العلاجية.

أجريت الدراسة على 70  فأر، تم تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين: مجموعة ضابطة تم تغذيتها على الوجبة المثالية طوال فترة التجربة، ومجموعة تجريبية تم تغذيتها على الوجبة المثالية مع الحقن الفمي بألوان الموناسكس بتركيزات مختلفة كل 48 ساعة لمدة 30 و 60 يومًا متتالية.

قيمة علاجية وغذائية

وفضلاً عن القيمة التغذوية للألوان التي ينتجها فطر الموناسكس، أكدت نتائج الدراسة أهمية هذه الألوان في علاج العديد من الأمراض منها السمنة وفرط الوزن. فقد أوضحت النتائج البيولوجية أن مأخوذ الفئران من الغذاء انخفض بزيادة الجرعة المتناولة من هذه الألوان الطبيعية؛ ما أدى لانخفاض وزن الجسم تدريجيًا طوال فترة التجربة. ويرجع ذلك إلى بعض المركبات التي توجد في هذه الألوان وتؤثر في ميتابوليزم الدهون، وتثبط  تراكم الدهون بالجسم.

وأظهرت النتائج أيضًا انخفاض نسبة الدهون الثلاثية والكولسترول الضار، والدهون الكلية، وفي نفس الوقت زيادة نسبة الكولسترول المفيد بزيادة تركيز ألوان الموناسكس؛ ويرجع ذلك إلى مركب الكومباكتين الذي يعرف باسم الموناكولينك وهو العامل المثبط لتخليق الكولسترول.

أكدت الدراسة الخواص المضادة للأكسدة لمركب الدايمريوميك أسيد والداي فينيل بكريل هيدرازيل الموجودين بألوان الموناسكس، وتمثل تأثيرهما في خفض معنوي في تركيز الشقوق الحرة المسببة للأمراض، وزيادة تركيز إنزيمات السوبر أوكسيد ديسميوتيز والكتاليز اللذين يخفضان من معدل أكسدة الدهون.

كما تحسن ألوان الموناسكس من إنتاج الجلوبيونات المناعية والسيتوكينات؛ حيث ارتفعت تلك المؤشرات المناعية بارتفاع تركيز الألوان وسجل أعلى تركيز أعلى زيادة معنوية في كريات الدم البيضاء والخلايا الليمفاوية وأيضًا المتعادلة.

وكما أشار  العديد من الأبحاث إلى مقدرة تلك  الألوان على تجديد الدم، أكدت هذه الدراسة أيضًا الدور العلاجي لألوان الموناسكس في بعض حالات الأنيميا. ويرجع ذلك لمحتوى الألوان من الأحماض العضوية والمركبات الثانوية الأخرى مثل الموناكولينك والدايمريوميك أسيد؛ حيث لوحظ ارتفاع تدريجي بمستوى الهيموجلوبين وكريات الدم الحمراء ومؤشرات الدم الأخرى بزيادة الجرعة المحقونة من ألوان الموناسكس.

كما لوحظ ارتفاع في معدل ترسيب الكالسيوم والفسفور بالعظام بنسبة (10 ــ  15.8%)؛ حيث وجد ارتفاع معنوي بمعدل الكالسيوم والفوسفور بالسيرم بزيادة تركيز الصبغة مما يزيد من مستوى تلك العناصر بالعظم لذا تفيد كثيرًا في علاج حالات هشاشة العظام.

ويجب هنا أن نلفت النظر إلى أن الباحثة، أضافت جزءًا مهمًا نادرًا ما يهتم به الباحثون وهو استخدامها للصبغة في إنتاج بعض الأغذية مثل الآيس كريم والبيف برجر، ووجدت أن استخدام أقل تركيز من الصبغة 40 ملج/كجم من الوزن يماثل بدرجة كبيرة المنتجات الطبيعية مع ثبات اللون عند التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة، فضلاً عن ارتفاع قيمتها الغذائية كما أشرنا سابقًا.

ولا يمكننا بعد التعرف على نتائج هذه الدراسة إلا أن نقول إن كل شي طبيعي صحي، وإن الرجوع إلى الطبيعة هو العلاج الأمثل والوقاية العظمى.

وليس شرطًا أن يكون شراب الورد بلون الورد أو الزبدة باللون الأصفر الشديد، لضمان اللذة والمذاق والجودة في الصنع كما يعتقد البعض. وبما أن الإسلام قد أوجب على أتباعه حفظ أجسامهم وتجنيبها كل ما يؤذيها ويلحق الضرر بها }ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيمًا|، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار»، فقد أصبح لزامًا على المسلم أن يعتني بغذائه وأن يحرص على تلبية احتياجات جسمه من جميع العناصر الغذائية التي يضمن توفرها الإبقاء على الجسم صحيحًا سليمًا بعيدًا عن الأمراض، وكذلك الحرص على تجنب الأغذية الضارة التي تسبب المشاكل الصحية والأمراض للجسم.

إعداد: د.محمد صالح محمد

رئيس قسم التغذية، كلية العلوم الصحية للبنين بالدمام سابقا

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم