الصحة والغذاء

قتل وصعق الحيوانات ..تجارب شخصية !!

ما سأكتبه في السطور التالية ربما يثير بعض التساؤلات والنقاشات، وهو أمر أهدف إليه بالفعل، لعلنا نصل إلى رأي سديد يمكن أن نستفيد منه بعد أن كثر اللغط حينًا، والسؤال حينا آخر.

ولكني قبل أن أطرح الموضوع الأساسي أحب أن أعرض  بعض المشاهدات التي رأيتها بأم عيني ولم يحدثني أحد بها، الأمر الذي دفعني إلى اتخاذ موقف خاص مما سأتحدث عنه.

كثرة الأسفار

 كنت في مرحلة الشباب كثير الأسفار، مولعًا بالرحلات ومشاهدة بديع صنع الله في أرضه، ولقد زرت مناطق رأيت من جمالها وروعتها ما لا يمكن أن أنساه على الإطلاق.

 لم لا وأنا ابن دمشق التي حباها الله غوطة من أروع وأجمل مناطق الأرض قبل أن تغزوها الكتل الإسمنتية فتقضي على الروعة التي تغنى بها الشعراء قديمًا.

هذه الغوطة التي كانت تشدني دائمًا للتمتع بجمالها، سواء أكان الفصل ربيعًا أو شتاء أو صيفًا أو خريفًا، وأنه ليحضرني الآن كيف كنت أذهب إلى الغوطة في الشتاء والثلج يتناثر فوق رأسي وما أروعها من ذكرى.

وكان من عادتي ألا يعرض علي صديق فكرة للسفر إلا استجبت له سريعًا، كما كان من عادتي في الصيف أن أصطحب أخي وأحد أصدقائي، ثم نأخذ الطائرة إلى فرنسا أو سويسرا أو ألمانيا، وهناك نشتري سيارة أو أكثر ثم نمضي في أرجاء أوربا متنقلين من بقعة إلى بقعة ومن مدينة إلى أخرى، نتعرف الطبيعة وجمالها والمكان والناس وأخلاقهم وطرق حياتهم..

 وهل يمكن أن أنسى روعة وجمال مناظر منطقتي (كوفشتاين الألمانية والنمساوية) ومنظر بحيرة جنيف في سويسرا، ومنظر إستانبول من حديقة الجنة ومنظر المنطقة الشرقية في السعودية في منتصف الشهر. ولقد أكسبتني هذه الأسفار معارف وخبرات كثيرة أعتز بها.

قتل البقر

وكان مما رأيت في فرنسا بأم عيني كيف يقتل البقر، إذ يجعل البقر بعضه خلف بعض على سير كهربائي، ويدخل البقر بين حاجزين حديديين حتى إذا وصلت البقرة إلى آخر الحاجز كان في انتظارها رجل يمسك مطرقة كالمحفار الذي تحفر به الأرض، ورأسه رفيعة جدًا أشبه ما تكون بسيخ معدني، وبكل قوته يهوي الرجل بالمحفار على جبين البقرة فيفتح فيه ثغرة كبيرة، وتقع البقرة على الأرض وهي تتخبط وتتألم ويسيل دمها ويسحبها السير ليحل بدلًا عنها بقرة أخرى تنتظرها تلك المطرقة..

 ولا أخفي عليكم أن الناظر لهذه المجزرة يحس بالشفقة على هذه الحيوانات، ويقول في نفسه: أين هذه الوحشية من وصية الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يحد الذابح شفرته ويريح ذبيحته، ولا يذبح ذبيحة أمام أخواتها.

 وشتان ما بين الراحة وانعدام الشعور بالذبح بسبب انقطاع الاتصال العصبي بين الرأس والأعضاء، الذي يقدمه الإسلام للحيوان وما تقدمه هذه الحضارة.

ولو سألت هؤلاء المتحضرين عن سبب عملهم هذا لسمعت أجوبة عجبًا منها أن الذبح يؤلم الحيوان، وهي حجة غير صحيحة فإن استعمال الوقذ هذا يزيد في عذاب الحيوان، أما ذبح الحيوان فيقطع العلاقة بين الجسم ومناطق الإحساس فلا يحس الحيوان بالألم.

ويحتجون أن هذه الطريقة في الوقذ تحفظ الدم في جسم الحيوان فيكون ذلك أطيب في المأكل.

حتى حين تحتج عليهم بأن البحوث الطبية أثبتت أن وجود الدم في جسم الحيوان إنما هو المحافظة على الجراثيم وعوامل المرض التي تنتقل إلى جسم الآكل وتكون سببًا في أمراض كثيرة.

السلامي والهامبورجر

 أضف إلى ذلك أن الدراسات المخبرية أثبتت بما لا يقبل الشك أن بقاء الدم في جسم الحيوان مدعاة لسرعة فساده، وقد أجريت تجارب عديدة على اللحوم المعلبة فوجد أن لحم الحيوان المذبوح يبقى سليمًا مدة أطول من اللحم الموقوذ.

وقد خرجت هذه الدراسات بتوصيات مشددة على أصحاب معامل تعليب اللحوم بضرورة  ذبح الحيوانات.

 ومع أن بعض المعامل قد استجابت لهذه التوصيات، فإن معامل أخرى لا تزال تصر على الوقذ  بحجة أنه أربح لها، لأنه يزيد في وزن الذبيحة، إذ إن وزن الدم يبقى خلال اللحم.

 ومن المؤسف أن بعض معامل السلامي والهامبورجر تعمد عن تصميم سابق إلى إضافة الدم إلى منتوجاتها كي تكسبها لونًا أحمر.

 ومما يحير العاقل ما يراه من طريقة الغربيين في أكل اللحوم، فهم لا ينضجونها جيدًا بل يكتفون في لحم البقر بتعريض اللحم للنار من خارجه، فإذا قطعت قطعة من اللحم تبدى اللحم أحمر في داخله، وهذا يعني  أن الجراثيم في الداخل لا تزال حية وأن الآكل لم يستفد من الطبخ أو الشي شيئًا في القضاء على الجراثيم.

 وترى الغربيين يفخرون بما أكلوا ويتلذذون به وما أشبههم بالهررة!

صعق الدجاج

أما الدجاج فيصعق بالكهرباء ويبقى يختلج زمنًا حتى يموت. وإني لا أزال أذكر منظر الدجاج منتوف الريش سالم الجسد إلا من زرقة أصابته لاختناقه وبقاء الدم فيه وهو معلق في أسواق أثينا.

 وقد احتج بعض المستوردين للدجاج  على من لا يزال فيهم بقية خوف من الله واشترطوا أن يتم الذبح حسب الشريعة الإسلامية، فعمد أصحاب المعامل إلى صعق الدجاج  كهربائًيا بما لا يؤدي إلى الوفاة وتنقل على سير كهربائي معلقة من أرجلها حتى تصل إلى شخص واقف إلى جانب السير وبيده شفرة حادة يمر بها على رقبة الدجاجة، ولكن المشكلة أن من أمسك بيده الشفرة قد لا يدرك الدجاجة ويسبقه  السير بها فتبقى الدجاجة حية لتموت عند نتف ريشها.

وقد طلب من مصدري الدجاج  ضرورة ذكر اسم الله على الذبيحة، فأهملها بعضهم ولم يقوموا بها، وبعضهم الآخر وضع  تسجيلًا فيه كلمة الله أكبر، لكن العجيب أنه ليس هناك دائمًا توافق بين اللفظ والذبح. 

وقد ابتكرت بعض المذابح طريقة للذبح بحيث تمر الدجاجة على سير حتى تصل إلى شفرة أوتوماتيكية  فتضرب رقبتها، ولست أدري إن كانت الشفرة دائما تصيب الرقبة لأن أجسام الدجاج مختلفة الطول

آلام الأرانب والخنازير

وأما الأرانب  فقد رأيتها في مدينة أثينا في اليونان ميتة معلقة سالمة إلا من جرح بسيط قرب الخصيتين قطعت من خلاله عروق أدت إلى الوفاة البطيئة.

وصدقوني لقد تأثرت تأثرًا كبيرا حين رأيت كيف يقتل الخنزير. ونحن المسلمين لا نحب لحم الخنزير ولا نأكله وهو حرام كله وأن جميع الحيوانات إذا دبغ جلدها يطهر إلا الخنزير فان جلده يظل نجسًا.

 لكن ما رأيته من طريقة قتله أثار الشفقة في  قلبي، فقد علق من رجليه  بمشجب حديدي ورأسه إلى الأسفل والسير المعلق به يصل إلى رجل ينتظره وبيده مخرز طويل  حاد حتى إذا وصل إليه انهال عليه طعنا  بالمخرز، والخنزير يزقزق  بأصوات تشبه الجرذان من الألم.

 وهكذا تتوالى الطعنات وتتعالى الصيحات ثم تخفت، ولكن جسم الخنزير لا يزال يختلج وتصدر عنه بين فترة وأخرى صيحة الألم، وأسأل نفسي  أين الرأفة بالحيوان وجماعتها, هذه الجماعات التي لا تزال تنعق متهمة المسلمين بالقسوة حين يذبحون الحيوان.

يعاقبون على الذبح

والآن تعالوا معي إلى جنيف بسويسرا التي يطلق عليها بلد الحضارة والمدنية والصحة. فلقد نصت القوانين فيها  على معاقبة من يذبح الحيوان، ونصت على سحب الجنسية ممن نالها إذا ذبح حيوانًا، وتركت الحيوان للصعق الكهربائي وووو….إلخ.

ولما كان لليهود طقوس خاصة في الذبح ولا يأكلون حيوانًا غير مذبوح، كما أنهم لا يأكلون الدهن والشحم، وما لم يذبح بيد يهودية، فإنهم كانوا يركبون القطار من جنيف إلى مدينة إيفيان في الأراضي الفرنسية قرب الحدود ويقدمون سكاكينهم للحاخام حتى يباركها ثم يذبحون ذبائحهم مساء الجمعة، ثم يحملون  هذه الذبائح إلى سويسرا.

وإني لأذكر أني حين زرت سويسرا نزلت ضيفًا على المركز الإسلامي، فقدم لي دجاجًا على الطعام ولم أكن أعلم الأنظمة السويسرية، فضلًا عن أنه لا يخطر للضيف أن يسأل مضيفه هل اللحم مذبوح، وإني أستغفر الله على ما أكلت. وما أظن أن الإخوة القائمين على المركز جاهلون بالأنظمة، ولعله كان لهم اجتهاد خاص أو سبيل أخرى.

مقصلة الخراف

ولعل سائلًا يسأل: وماذا عن لحم الخروف؟

في الحقيقة لم تسنح لي الفرصة بالاطلاع على طرق ذبح الخروف، لذا لا أستطيع أن أنطلق من جهالة، وإن كان يجول في خاطري أن الأمر لن يخرج عن الدائرة المحيطة في معاملة بقية الحيوانات.

ومع ذلك استقصيت من أهل الخبرة علامات ذبح الخروف، فقد كانت هناك ضرورات لمعرفة ما ذبح من الخراف وما لم يذبح، فالسفر تقتضي ضروراته معرفة ذلك، فضلًا عن أن بعض البلاد الإسلامية تستورد الخراف من بلاد أخرى وأكثرها غير مسلم كنيوزيلاندة والأرغواي والأرجنتين وأستراليا. كما أن بعض البلاد غير الإسلامية يوجد فيها جزارون يقولون إن لحمهم حلال وأنه مذبوح على الطريقة الإسلامية،

صحيح إنني أعرف اللحم من منظره، ولكن المشكلة أن كثيرًا من مصدري لحم الخروف، كما ذكر لي يستعملون ما يشبه المقصلة وأن الخروف يقطع رأسه من قفاه نحو الحلق، وبالطبع فإن هذا الذبح لا يجوز أكله لأن الذبح في الإسلام يخالف ما يصنعون.

 فالإسلام يشترط- كما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام- قطع الأوداج وإراقة الدم الذي يؤدي إلى وفاة الذبيحة، بينما قطع الرقبة من الخلف تحصل فيه الوفاة بتخريب الأعصاب والنخاع الشوكي وتتم فيه الوفاة قبل حصول الوفاة بالذبح.

ومن المؤسف أن بعض المسلمين وبفعل الجهالة يفعل ذلك، وقد رأيت ذلك بأم عيني.

 فبعد أن يمر الذابح بسكينه على رقبة الخروف يعمد إلى الإمساك برأس الخروف وكسر رقبته بحجة الإسراع في موت الخروف.

وقد أفادني أهل الخبرة أن رقبة الخروف إذا كانت مقطوعة بشكل مستقيم فمعنى هذا أن الخروف قد قتل بواسطة المقصلة. أما إذا كانت الفقرة الأخيرة من الرقبة سليمة ومقعرة، فهذا معناه أن الخروف قد ذبح ذبحًا وأن الرقبة قد فصلت بواسطة السكين وبطريقة الذبح اليدوي العادية.

 لذلك كنت أحرص في فرنسا عندما أريد شراء اللحم الموسوم بأنه حلال أن أتفحص الرقبة حتى أطمئن أن الخروف مذبوح على الشرع الإسلامي.

لحوم المطاعم الأوروبية

لقد سألت نفسي مرارًا: ما حكم اللحم الذي تقدمه المطاعم في أوروبا، ولا سيما في البلدان التي رأيتها تقذ الحيوان؟

 بالطبع لم يغب عني قوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وهذا النص عام، لكن في السورة نفسها ورد نص مخصص وهو: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم).

 فقد نصت الآية على أن الموقوذة حرام وهي التي تضرب بالفأس على رأسها، ومثلها المتردية التي تسقط من مكان عال فتندق رقبتها.

ولقد فكرت وسألت دون أن أجد طمأنينة في نفسي في أكل لحم هذه الحيوانات كما هي في أوروبا دون أن أسأل، لأني شاهدت بعيني كثيرًا مما ذكرت أو حدثني به أهل الخبرة والاختصاص ووجدت أن من ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه، ولا سيما أن بعض المطاعم تقدم لحم الخنزير على أنه لحم خروف، وهذا الأمر نجده عند بعض شركات الطيران.

 فقد كنت مرة إبان الحكم الشيوعي عائدًا مع زوجتي من برلين وقدم لنا الطعام في الطائرة فشككت في كونه لحم خنزير فاستدعيت المضيفة وسألتها هل هذا لحم خنزير؟ ولم تنكر وسألتني (كوشير) وقلت: لا، فأنا مسلم ولا آكل لحم الخنزير، وأسقط في يدها وراحت تعتذر بأنها لا تملك طعامًا غيره سوى الجبن والخبز وعصير الكرز فرضيت به.

ولقد عملت مشاهداتي ومسموعاتي على أن قررت ألا آكل لحمًا مطلقًا في البلاد التي لا تذبح، إلى أن وجدت محلات تعنى بالذبح وتكتب أن لحمها حلال ورأيت في السمك مندوحة، وأن في البيض والخضار غنى، ولكني سائح قد أقيم أسبوعًا أو شهرًا ثم أرحل.

إذن ما حكم المقيم؟

قد نقول إن الشراء من الجزارين المسلمين الذين يعلنون أن لحمهم مذبوح وحلال أو الجزارين اليهود فرج ومعين.

 ولكن ماذا لو لم يكن هناك جزار مسلم أو يهودي؟

ومع أني أستبعد ذلك فلعل بعض أهل العلم يفتينا  ولا سيما في هذه الأطعمة المعلبة التي تأتي من تلك البلاد، فإن بعض  تلك البلاد قد تعمد إلى الغش والتدليس، كما حدثني أحد الأصدقاء أنه صدر سمك إلى بعض البلاد الإسلامية قد كتب على علبه (مذبوح على الطريقة  الإسلامية). علمًا أن أكثر هذه المعلبات تكون خالية من الإشارة إلى أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية.

موت الضمائر

  ومما يزيد الشك في قلوبنا ويجعله يثور في أنفسنا حين نرى بعض أصحاب الضمائر الميتة في بلادنا يبيعون دجاجًا مات عند النقل من الحظيرة إلى المذبح،أو ضمن الحظيرة، فبعض هؤلاء لا يتورعون أن يجعلوا الدجاج الميت بعد أن يقطعوا رؤوسه  وينتفوا ريشه  ضمن أكياس الدجاج المذبوح.

ولقد سبب هذا الأمر فضيحة في بلدي عالجتها الدولة بحزم وصلابة، وحمدت الله أني لا أشتري دجاجًا مذبوحًا وإنما أشتريه حيًا ثم أطلب من البائع أن يذبحه أمامي.

ومشكلة موت الضمائر والغش في نوع اللحم وأهليته للأكل قديمة، فقد كان في حي الدقي بالقاهرة إبان دراستي في مصر في الستينيات من القرن الماضي لحام عليه سيماء الورع، وإذا حانوته يغلق من قبل الدولة لأنها اكتشفت أنه يبيع لحم الحمير بدلًا من لحم البقر!

 ومنذ بضعة أشهر حصلت ضجة في دمشق وأغلقت الدولة عددًا من محلات بيع اللحم في منطقة باب السريجة لأنها اكتشفت أن أصحابها يبيعون لحم الحمير بدلاً من لحم البقر.

وأسأل، وأرجو بعد هذا، أيها العلماء أفتونا جزاكم الله خيرًا.

محمد سعيد المولوي

*المقال منشور في النسخة الورقية من مجلة عالم الغذاء عام 2006م

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم