صحيح أن سرطان الثدي واحد من ألد أعداء المرأة ويعد المسبب الأول للوفيات بين نساء العالم، لكن الرجل ليس بمنأى عن الإصابة بهذا المرض الخبيث، وإن كان ذلك يحدث بنسبة قليلة جدًا مقارنةً بالنساء.
وحتى يكون الشخص في مأمن من سرطان الثدي، تبقى القاعدة الذهبية في التشخيص المبكر، فهي ضمان لعلاج أفضل وشفاء تام بإذن الله.
علامات الإصابة
من أبرز علامات الإصابة بسرطان الثدي، ظهور نتوء أو كتلة غليظة وسميكة أو انتفاخ غير طبيعي أو حدوث تغير أو ضعف شديد في أنسجة قنوات الغدد اللبنية وليس في النسيج الدهني. ويبدأ انتشار الخلايا السرطانية من الورم إلى مجرى الدم أو الجهاز اللمفي ومنه إلى أعضاء الجسم كافة مثل: العظام والكبد والرئتين حتى الدماغ.
وفيما يخص الرجال، فإن حالات الإصابة بسرطان الثدي حالات نادرة ولا تزيد في العادة عن 1% من الإصابات. على سبيل المثال نجد أنه في كل عام يتم تسجيل 180 ألف حالة إصابة جديدة بسرطان الثدي في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يكون فيها فقط حوالي 1400 حالة من نصيب الرجال.
غير أن مشكلة الرجال تكمن في أن معظمهم يتأخرون في طلب المساعدة الطبية ربما خجلاً أو ترددًا، بل إن بعضهم يرفض الاعتراف بأنه مصاب بسرطان الثدي، حتى بعد تشخيصه طبيًا بذلك.
وفي هذا الصدد يقول د.«إيان بانكس» رئيس جمعية صحة الرجال في بريطانيا، إنه رغم النسبة المتدنية للإصابة بسرطان الثدي بين الرجال مقارنةً بمثيلتها بين النساء، فإن هذا المرض يقتل فعليًا نصف الرجال الذين يعانون منه، مقارنةً بثلث النساء, ويعزو ذلك إلى اعتقاد الرجال الخاطئ بأنهم لا يصابون، مما يجعلهم يتأخرون في مراجعة الأطباء بعد أن يكون المرض قد تطور وتغلغل في أجزاء أخرى من أجسامهم.
ويرتبط سرطان الثدي عند الرجال بهرمون «الأستروجين»، بسبب البدانة المفرطة أو الاضطرابات الجينية أو وجود خلل مزمن في الكبد.
وهناك أيضًا حالة وراثية نادرة تعرف باسم «عارضة أو متلازمة كلاينفلتر» الناتجة عن وجود كروموسوم جنسي أنثوي X (زائد في خلايا الذكر)، وهنا يظهر التركيب الكروموسومي للرجل على هيئة (47 xxy) بدلاً من التركيب الطبيعي (46 xy).
ويعتقد أن «الكروموسوم الزائد» يعمل على زيادة خطر الإصابة بعشرين مرة، وكما هو الحال بالنسبة لسرطان الثدي الخاص بالنساء، فإن التعرض لجرعات متكررة من الإشعاع وتحديدًا في سن مبكرة يؤدي إلى مواجهة خطر أكبر للإصابة بالمرض.
وعلاوة على ذلك يعد الرجال الحاملون لمتلازمة «كلاينفلتر» أكثر ميلاً من غيرهم إلى الإصابة بحالة مرضية نادرة تعرف باسم «جاينيكوماستيا Gynecomastia» التي تسبب كبر حجم الثدي أو كليهما.
عوارض ومؤشرات
وتتشابه العوارض والمؤشرات لوجود سرطان الثدي لدى الرجال من حيث حدوث تغير في شكل الثدي أو حجمه، أو ظهور قرحة أو حكة على الجلد، أو تغير شكل الحلمة.
وتمامًا كالنساء فإن العديد من الأورام في ثدي الرجال قد تكون حميدة، لكن عادةً ما تكون كتل الورم أكثر وضوحًا وبروزًا نظرًا لعدم وجود نسيج دهني للثدي كما هو الحال عند المرأة.
ورغم أنه لا يوجد سبب واضح ودقيق لسرطان الثدي إلا أن هناك عوارض وعوامل قد تضع الشخص في دائرة خطر الإصابة. غير أن هذا لا يعني حتمية الإصابة إذا وجد عامل أو أكثر من عوامل الخطورة، كما أن غياب هذه العوامل لا يعني عدم القابلية للإصابة بسرطان الثدي، لكن واحدًا من العوامل الآتية يسترعي الانتباه وضرورة المراقبة بشكل مكثف:
التاريخ الطبي
يعتقد أن وجود واحدة من قريبات الدرجة الأولى مثل: الجدة والوالدة والأخت والبنت مصابة بسرطان الثدي أو المبيض يزيد من فرص الإصابة بالمرض. ويزداد هذا الخطر إذا تم تشخيص سرطان الثدي لدى القريبة تحت سن الأربعين، أو إذا أصيبت به أكثر من واحدة من هذه القريبات، كما أن استئصال ورم في أحد الثديين مع عدم مراقبة الثدي الآخر يعتبر خطأ فادحًا.
وقد وجد العلماء أن حوالي واحدة من كل عشر حالات مرتبطة بالعوامل الوراثية. ويرتبط سرطان الثدي بتغيرات في جينات موجودة في خلايا الثدي للرجل والمرأة على حد سواء، ويمكن أن تورث من الأب أو من الأم، لكن العواقب تكون محدودة في حالة الرجال.
العمر
تزداد خطورة الإصابة بسرطان الثدي بتقدم السن، حيث ترتفع حالات المرض بين من هن فوق سن الخامسة والأربعين، وقد أوردت بعض التقارير الطبية النسب الآتية: 5% و4% وحوالي 7% و12.5% للفئات العمرية تحت سن الأربعين، 40 إلى 59، 60 إلى 79 وفوق سن الثمانين على التوالي.
أسلوب الحياة
يؤكد بعض الباحثين وجود علاقة مباشرة بين استهلاك الكحول والإدمان عليه وإمكانية الإصابة بسرطان الثدي، كما أن العيش في مناطق يكثر فيها التلوث الإشعاعي والكيماوي قد يكون له دور في الإصابة، ووجد أيضًا أن اتباع نظام غذائي قاس للباحثين عن تخفيف الوزن دون إشراف طبي يزيد احتمالات تكوّن سرطان الثدي بنسبة ضئيلة.
ويحذر بعض الخبراء من أن المبالغة في استخدم مواد التجميل ومضادات التعرق وعدم اتباع حمية غذائية متوازنة تشمل الفيتامينات والفواكه والخضار الطازجة في الوجبات الغذائية، كل ذلك يزيد احتمالات ظهور سرطان الثدي.
وننصح الجميع بالقيام بالتمارين الرياضية بشكل منتظم لأن الأشخاص ذوي الوزن الزائد لديهم معدلات أعلى من الأقل وزنًا للإصابة بسرطان الثدي، ولهذا فإن لتناول كميات كبيرة من الدهون والمقليات وشطائر اللحم ومنتجات الألبان ضررًا كبيرًا في صحة الثدي، ومن الحكمة أيضًا تجنب تناول الدهون الحيوانية.
الحالة النفسية
هناك ارتباط كبير بين الصحة الجسدية والصحة النفسية، ففي بعض الدراسات التي دامت 13 عامًا، وشملت عددًا كبيرًا من النساء تبين أن خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء اللواتي مررن بحالات من القلق والاكتئاب يزيد أربعة أضعاف مقارنة بنظيراتهن. وقد أجرى هذه الدراسة باحث من كلية الصحة العامة التابعة لجامعة «جون هوبكنز» في بالتيمور. وقد أشار البروفيسور «أيتون» أستاذ الصحة الذهنية الذي أشرف على الدراسة إلى أن مستويات الهرمون تؤدي دورًا مهمًا في الإصابة بسرطان الثدي.
الفحص الذاتي
ولغرض الكشف المبكر ننصح بتعلم الفحص المنزلي الذاتي الدوري، وهو ضروري جدًا للتأكد من خلو الثدي من العوارض الأولية. وذلك في الأسبوع الأول بعد انتهاء الدورة الشهرية، ويشمل الفحص الذاتي كامل الثدي يمينًا وشمالاً، ومن أعلى إلى أسفل برفع اليدين فوق الرأس وتحسسه باليد وليس بأطراف الأصابع. وتكون نقطة البداية من الحلمة والدوران باتجاه عقارب الساعة بلمس الثدي بلطف ثم دفعه باتجاه جدار الصدر للإحساس بأية كتل جديدة. وتستخدم اليد اليمنى للثدي الأيسر واليد اليسرى للطرف الأيمن.
وينبغي التذكر أن غدد الثدي تمتد حتى الكتف، لذا يتم الانتهاء من الفحص الذاتي بالوقوف والإتكاء على مقعد حتى ترتخي عضلات الكتف، بشكل يمكن الإنسان تفحص الغدد الليمفاوية الموجودة تحت الإبط وإذا تمت ملاحظة وجود كتل جديدة صلبة جدًا عند اللمس غير متحركة وغير مؤلمة في الثدي، وعندما يكون مصاحبًا لتغير لون الجلد، وتغير شكل الحلمة ووجود عقد ليمفاوية في الطرف المرافق لكتلة الثدي، فإن الأمر يستلزم الاستشارة الطبية. وهنا يجب التنبيه على عدم الفزع لأن أغلب كتل الثدي يندر أن تكون سرطانية وهي في الغالب حميدة.
وينصح المعهد الأمريكي للسرطان، النساء تحت سن الأربعين بإجراء فحص سريري مرة كل عام، أو إجراء هذا الفحص لأكثر من مرة كل عام بشكل دوري، إذا كانت المرأة تجاوزت الأربعين. ويقوم بالفحص السريري طبيب الاختصاص بإجراء تخطيط بالأمواج فوق الصوتية يبين ما إذا كان الورم (غير سرطاني) أم أنه ورم خبيث. وإضافةً إلى هذا يعمد الطبيب إلى أخذ التصاوير بالأشعة (ماموغراف – Mamograph). ويأخذ صورتين للثدي، أحدهما جانبية والأخرى من الأعلى وذلك بهدف الكشف عن أورام سرطانية بحجم حبة الأرز لا تكون وصلت درجة الانتشار إلى أماكن أخرى، ويمكن الشفاء التام منها. أما إذا وصل حجمها حجم حبة البازلاء فتكون بدأت الانتشار ويصعب علاجها، ويتم علاج بعض الحالات باستئصال الكتلة أو جزء منها (خزعة) وفحصها مخبريًا تحت المجهر. وتعتمد كمية الأنسجة المستأصلة على حجم الورم، وطريقة انتشاره، وقد يقتصر الاستئصال على الحلمة، أو النتوء البارز وقد يشمل كل الثدي إذا كان الورم متفشيًا أو كبيرًا.
التشخيص
وما إن يتم تشخيص سرطان الثدي حتى يبدأ العلاج، ويمكن أن يكون ذلك بالعلاجات الكيماوية التي تؤدي إلى قتل الخلايا الخبيثة التي تتصف بسرعة نموها وتكاثرها، ويعطى العلاج الكيماوي على فترات تتراوح بين ثلاثة وأربعة أسابيع، تجرى خلالها فحوصات للدم للتعرف على مدى تقبل المريض للعلاج. وقد ينتج عن العلاج الكيماوي تساقط الشعر إلا أنه يعود للنمو مرة ثانية في أكثر الأحيان بعد توقف العلاج.
وقد يستدعي الأمر أحيانًا استكمال العلاج الكيماوي بجرعات من الأشعة السينية أو أشعة الليزر في منطقة الصدر، وهذا مفيد جدًا وغير مؤلم، ورغم حدوث حروق سطحية واحمرار في الجلد إلا أن هذه الآثار لا تلبث أن تزول بانتهاء العلاج الشعاعي. وقد تستخدم أيضًا الطاقة الناتجة عن الموجات فوق الصوتية لتسخين الخلايا السرطانية وتدميرها دون المساس بالخلايا العادية المحيطة بها.
أ.د.أحمد محمد خليل – أستاذ العلوم الحياتية