المتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يتأكد أن ما جاء فيهما من إرشادات وتعاليم ربانية يعد سبيلًا كافيًا للنجاة من كل مكروه قد يصيبنا صغيرًا كان أو كبيرًا. ولا تعجب عزيزي القارئ إذا قلنا لك إن علاج البوليميا وهو أحد أنواع اضطرابات تناول الطعام موجود في القرآن والسنة النبوية منذ أكثر من 1400 عام وهذا ما سنبرهن عليه في السطور التالية. لكن دعنا أولاً نلق نظرة على هذا المرض وأسباب حدوثه وكيفية تشخيص أعراضه.
بين الشره والقيء
تم تشخيص مرض البوليميا عام1980، وتحدث الإصابة به عادة خلال مرحلة المراهقة خاصة بين المراهقات. وتشير الدراسات الحديثة إلى زيادة معدل الإصابة بهذا المرض في ظل ثقافة العصر الراهنة؛ حيث أصبح الشباب يفضلون المرأة ذات الجسم النحيل على تلك ذات الجسم البدين أوالممتلئ.
وفي هذا المرض يتعرض المصاب لنوبات متكررة من الأكل بشراهة؛ حيث يلتهم كميات طعام كبيرة تزيد عن احتياجات جسمه الطبيعية وتفوق الكميات التي يتناولها أقرانه من الأسوياء. ويلاحظ أن المصاب يتناول طعامه بسرعة غير طبيعية وقد يميل إلى تناول كميات كبيرة من الطعام في الخفاء بعيدًا عن أعين الناس. إضافة إلى ذلك، فإن المريض يفقد القدرة على التحكم في مقدار ما يتناوله؛ فهو يأكل بصورة قهرية أو قسرية.
بعد ذلك يتوهم المريض أن وزن جسمه زاد عن اللازم ويظن أنه قد يفقد تقدير الناس أو إعجابهم به إذا استمر به الحال على هذا النحو؛ لذا يعمد إلى القيء للتخلص مما تناوله من طعام أو الإفراط في استخدام مدرات البول والمسهلات أو غير ذلك من العقاقير أو الأدوية التي تخفض من وزن الجسم. ويقود هذا السلوك إلى عدم استفادة المريض من الغذاء الذي يتناوله إلا بقدر ضئيل ويفقد الكثير من وزنه بسرعة غير عادية.
ولصحة التشخيص، يشترط تكرار حدوث هذه الأعراض لفترة من الزمن لا تقل عن 3 شهور؛ ومن ثم فإن الحالات الفجائية أوالعارضة لا تدخل ضمن هذا المرض.
الوقاية في السنة والقرآن
وقد اتجه العلماء والباحثون إلى العلاجات الدوائية والنفسية لعلاج هذا المرض وأغفلوا الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الهدي الإسلامي في الوقاية من هذا المرض حال الالتزام بتعاليمه وإرشاداته.
ومن الآداب العظيمة، التي حث عليها الهدي الإسلامي القرآني والنبوي والتي قد تكون كفيلة بالوقاية من هذا المرض، أدب التوسط والاعتدال في تناول الطعام والابتعاد عن الإفراط في تناول الطعام أو عدم الأكل نهائيًا. وحول ذلك قال تعالى:}وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ| (الأعراف: 31). وقال جل جلاله: }وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا| (الإسراء: 29). الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، دعا أيضًا إلى عدم الإسراف في تناول الطعام حيث قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا غير مخيلة ولا سرف». (مسند أحمد).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». (سنن الترمذي).
وفي مجال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم بالتوسط والاعتدال في الطعام قال: «طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية». (سنن الترمذي).
وقد حذر الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، من المضار الصحية للإسراف في تناول الطعام؛ فقد روى أبوسعيد رضي الله عنه حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه: «.. إن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطًا أو يلم..» (رواه الإمام البخاري ومسلم).
وفي هذا الحديث ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مضار كثرة الأكل على الصحة فقال إن كل ما أنبت الماء الذي يجري به الربيع وهو الجدول أو النهر الصغير، يقتل حبطًا، أي انتفاخًا من كثرة الأكل، أو يلم أي يقرب من الهلاك.
ومن شأن اتباع هذا الهدي الإسلامي القرآني والنبوي وقاية للإنسان من شبح التخمة والسمنة وما يتبعها من أمراض خطيرة كالأمراض القلبية والسكر وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية… إلخ.
كما أن الهدي الإسلامي يرشد سلوك المسلم ويكفل له التمتع بالصحة النفسية والعقلية والإيمانية الجيدة وكل ذلك يمثل حائط صد قوي ضد إصابته بالأمراض النفسية ومنها البوليميا.
وإذا اتبع المسلم آداب الإسلام في الأكل والشرب واللباس وسائر أنماط السلوك، كفل لنفسه أولًا رضا الله تعالى ثم التمتع بالصحة النفسية والعقلية والجسمية. ومن هذه الآداب التسمية قبل بدء تناول الطعام؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك». (صحيح البخاري).
ولهذا الهدي آثار نفسية عظيمة؛ حيث يشعر المسلم بالشكر لله تعالى على نعمة الطعام وكذلك يشعر بحلول البركة في الطعام ويتوخى آداب المائدة فيأكل مما يليه.
كما يحبب الإسلام في الاجتماع على مائدة واحدة عند تناول الطعام وفي ذلك أثر نفسي طيب على المسلم فضلًا عن أهمية ذلك في ضبط سلوك أبنائنا من المراهقين والمراهقات أثناء تناولهم للطعام.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني وحشي بن حرب عن أبيه عن جده
أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع. قال: «فلعلكم تفترقون» قالوا: نعم قال: «فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه». (رواه أبو داود).
ويحرم الهدى الإسلامي المبارك تعاطي الخمور ولعب الميسر، وقد أثبت العلم الحديث أن لتعاطي الخمر أضرارًا جسيمة تلحق بصحة الفرد الجسمية والعقلية والنفسية وتهدم حياته الأسرية وتفقده وظيفته ومكانته الاجتماعية.
يقول الله تعالى: }يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ| (البقرة: 219). د.عبدالرحمن العيسوي، أستاذ علم النفس