كاد الرجل لا يصدق ما نقول ولكنه كان الواقع، فقد كانت بعض أمعاء ذلك الوليد في صدره تحتل حيزًا كان يجب أن تشغله الرئة، تلك الرئة التي انزاحت تحت ضغط ضيفها نحو الجهة الأخرى، وكانت النتيجة أن رقد الرضيع في العناية المركزة وأجريت له الجراحة الإسعافية وخرج بعدها سليمًا معافى يملأ البيت زهوًا وفرحًا.
سر الحكاية
لقد كان بطل القصة مصابًا بمرض يسمى بالفتق الحجابي، وهو فتق يأخذ بنا نحو جوف البطن والصدر، حيث تنفتق محتويات البطن نحو جوف الصدر كنتيجة لعيب خلقي أو رض في الحجاب الحاجز.
وتعتمد الأعراض وتطور الحالة على موضع العيب وما يرافقه من تشوهات، فقد يكون العيب بالفتحة التي يدخلها المريء، أو قربها، أو خلف عظم القص، أو بالخلف ونحو الجانب. وعادة ما يرافق هذه الآفات صعوبة تنفسية واضحة عند الوليد، كما قد يكون هناك تشوهات بأماكن أخرى من الجسم، وتحدث الوفيات بنسبة (40% إلى50%) من الحالات.
يحدث هذا الفتق بمعدل (1) من كل (5000) ولادة حية، ويكثر بالجهة اليسرى (70% إلى80%)، ويكون ثنائي الجانب في (5%) من الحالات، وفي كل الحالات هناك سوء بدوران الأمعاء ودرجة من نقص تصنع الرئة، وترافقه تشوهات أخرى بنسبة (20% إلى30%) من الحالات تشمل آفات الجملة العصبية المركزية وانسداد المريء والقيلة السرية والآفات القلبية الوعائية أو قد يكون الفتق جزءًا من متلازمة معممة، فهناك متلازمة داون وتثلث الصبغي (13) وتثلث الصبغي (18) ومتلازمة دي لانج وغير ذلك كثير، وكلها قد يحدث بها الفتق، لا بل قد يضطرب الحجاب نفسه بوراثة قاهرة.
يحدث الإغلاق ما بين جوف الصدر والبطن في الأسبوع الثامن من الحمل وفشل ذلك أو اضطراب نمو الحجاب أو الرئة يؤدي إلى حدوث الفتق.
وبالنسبة لمظاهر هذا الفتق، فإنه رغم أن كثيرًا من حالاته قد عرفت قبل الولادة من خلال تصوير بطن الحامل بالصدى (الإيكو) إلا أن الغالبية تعاني بالواقع مصاعب تنفسية شديدة خلال الساعات الأولى من العمر، وقلة فقط لا تتظاهر أعراضها إلا ما بعد مرحلة الوليد، وهؤلاء قد يكون لديهم تقيؤ كنتيجة لانسداد الأمعاء أو أعراض تنفسية بسيطة. وقد يحدث انحشار للأمعاء ومن ثم اختناقها وحدوث نخر بها وتجرثم بالدم واضطراب قلبي تنفسي شديد، وذكرت حالات لم تشخص وكانت سببًا بالموت المفاجئ لبعض الرضع أو الأطفال الصغار.
أما تشخيص الفتق- فكما ذكرنا- قد يشخص ما قبل الولادة وبعد الولادة، فإن صعوبة التنفس وسماع أصوات القلب في غير مكانها المعتاد وحدوث الريح الصدرية واتخاذ البطن شكلاً زورقيًا توجه الطبيب نحو التشخيص، وبالتالي يتم إجراء الصور المناسبة.
وبخصوص المعالجة فإنها الجراحة العاجلة مع دعم الوليد بالتنفس الاصطناعي بالشكل المناسب بالإضافة إلى المعالجات الداعمة الأخرى من سوائل مغذية أو أدوية مساعدة، وكذلك بعد العملية تلزم المتابعة الدقيقة والتخصصية، مع مراعاة النواحي الغذائية والنمو وحالة التنفس ومدى الحاجة للأكسجين. وبكل الأحوال فإن ما قدمه الطب في علاج هذه الحالات يعتبر من انتصاراته الكبرى.
وما دمنا نتحدث عن أمر له علاقة بالحجاب الحاجز فإن هناك حالة تكون فيها عضلات الحجاب رقيقة للغاية وبالتالي يرتفع نصف الحجاب المصاب للأعلى، ولا توجد أعراض لذلك غالبًا، ولا يتطلب الأمر الإصلاح الجراحي. أما إذا حدثت أعراض أو كانت الإصابة كبيرة فإن العلاج مطلوب.
وكلمة بخصوص التشخيص قبل الولادة وهذا كما أشرنا ممكن تمامًا، طبعًا بخبرة طبيبة التوليد، ولكن الأمر المهم أمام ذلك أن تتم الولادة بالمركز المناسب الذي يستطيع تدبير الحالة سواء لجهة الكادر البشري أو لجهة الوسائل التقنية، لأن الوقت بعد الولادة ثمين للغاية في هذه الحالات، والسرعة مطلوبة، وبسمة الإنسان غالية، والله من وراء القصد.
د.عبدالمطلب بن أحمد السح
استشاري في طب الأطفال وحديثي الولادة