الهندسة الوراثية هي التدخل في التركيب الوراثي لكائن حي. وذلك بإدخال جين أو عدة جينات لها صفات مرغوب فيها في الحامض النووي لكائن ما. ويسمى الجين بعد إدخاله بالجين المنقول ويسمى الكائن بالكائن المعدل وراثياً. ويدخل الجين بطريقتان إما بواسطة مسدس الجين “Gene gun” أو بالبكتريا الزراعية “Agrobacterium”.
- متى بدأ العالم في هذه التقنية:
بدإت التجارب من هذا النوع في عام 1980 وأول نبات مهندس وراثياً ظهر في 1983. وفي عام 1985 صدر أول تصريح من وزارة الزراعة الأمريكية لخروج هذه النباتات خارج المعامل لتجريبها في الحقل. غير أن المحاصيل المهندسة وراثياً لم تظهر بصورة تجارية إلا في منتصف التسعينات من القرن الماضي (في أوائل عام 1995). وكانت مساحة الأراضي المزروعة بهذه النباتات عام 1997 حوالى 12 مليون هكتار وزادت إلى أن بلغت 59 مليون هكتار في عام 2002.
- لماذا لجأ العالم لإستخدام هذه التقنية:
لجأ العالم في أواخر القرن الماضي للتفكير في هذه التقنية لأن نظام التربية والتهجين والانتخاب الطبيعي التي كانت سائدة من قبل و لم تعد الآن قادرة على سد متطلبات حوالي 6 مليار نسمة هم سكان العالم بالإضافة إلى أنها بطيئة وتتطلب الكثير من الوقت. وفي أول الأمر اقتصر التفكير على إنتاج نباتات ذات إنتاجية عالية وقليلة التكلفة ليتحقق منها الربح وتوفر الغذاء بأسعار قليلة.
والآن يوجد العديد من النباتات المقاومة للحشائش مثل الذرة والطماطم والكانولا ونباتات مقاومة للحشرات مثل الطماطم والبطاطس وقرع مقاوم للفيروسات وصويا بها نسبة من حمض الأوليك (Oleic acid).
- ما هي النباتات المهندسة وراثياً:
طبقاً لإحصائية 1997 فإن عدد المحاصيل المهندسة وراثياً قد بلغ 26 محصولاً ويحتل فول الصويا المركز الأول حيث تصل المساحة المزروعة بالأصناف المهندسة وراثياً منه إلى 62% من إجمالي المساحة المزروعة صويا على مستوى العالم. ويحتل الذرة 19% والقطن 13% والكتان 5%. وهناك العديد من المحاصيل الأخرى بنسبة أقل مثل الطماطم والبطاطس والقرع والباباز وعباد الشمس وكذلك بعض أزهار الزينة مثل الجلاديولس( Gladiolus) أو البتونيا (Petunia) والكريزانثمم (Chrysanthemun).
- ما هي الدول المنتجة لهذه النباتات:
تنتج أربعة دول هي الولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين وكندا و الصين 99% من الإنتاج العالمي للنباتات المهندسة وراثياً. وتنتج الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ثلثي هذا الإنتاج. كما تزرع المحاصيل المهندسة وراثياً الآن بصورة تجارية في استراليا وبلغاريا وكولمبيا وألمانيا وهندرواس والهند واندونيسيا والمكسيك ورومانيا وأسبانيا والأورجواى. كما يعمل بهذه الحرفة 6 مليون مزارع 75% منهم جاءوا من الدول المتقدمة.
- هل يلبي الغذاء المهندس وراثياً حاجة الدول الفقيرة من الغذاء:
بالرغم من أن فكرة النباتات المهندسة وراثياً جاءت لسد حاجة سكان العالم من الغذاء؛ فإن الغذاء المهندس وراثياً أصبح الآن سلعة في يد الدول الغنية ويطرح العلماء هذه التساؤلات للتفكير:
- مشكلة نقص الغذاء على المستوى العالمي هي في الحقيقة مشاكل سياسية وتمركز للإنتاج في يد بعض الدول دون غيرها.
- التكنولوجيا المستخدمة في إنتاج هذه النباتات باهظة التكاليف ومزارعي الدول النامية سوف لا يستطيعون شرائها.
- الشركات المنتجة للأصناف المهندسة وراثياً تعمل من خلال نظام براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية وهذا لا يسمح للدول الفقيرة باستخدام هذه الأصناف بسهولة.
- تؤهل التقنيات الحديثة الدول الغنية باستخدام التنوع البيولوجي الموجود بالدول النامية والفقيرة لإنتاج أصناف من المحاصيل مهندسة وراثياً تباع بعد ذلك لهذه الدول.
- المحاصيل المهندسة وراثياً تعرض العالم لفقد التنوع الغذائي حيث تزرع من هذه النباتات مساحات شاسعة على حساب أنواع أخرى.
- أكثر من 800 مليون من تعداد العالم جوعى بينما يتوافر الغذاء على المستوى العالمي ولا يتمكن هؤلاء من الحصول علي الغذاء بسبب عدم مقدرة هؤلاء على الوصول للأسواق ودفع ثمن هذا الغذاء. وبذلك فالمشكلة مشكلة فقر ومواصلات وتكنولوجيا وليست فقط نقص الغذاء على المستوى العالمي.
- تعتمد الدول الفقيرة على الدول الغنية لإمتلاك هذا النوع من البذور ففي الهند مثلاً يدفع المزارعون الذين يستخدمون بذوراً من شركة مونسانتو 50- 65 دولاراً لكل فدان زيادة عن ثمن البذور وينصون أيضاً في العقد على عدم تعامل الفلاحين مع شركات غيرهم في شراء المبيدات.
ومما تقدم نجد أن ممارسات الدول الغنية يجعلها تزداد غنى وتتسع الهوة بينها وبين الدول الفقيرة التي لا تجد حتى لقمة العيش وزادت المسافة بين فكرة النباتات المهندسة وراثيا والتطبيقً الفعلي لهذه الفكرة.
- الأخطار المتوقعة من النباتات المهندسة وراثياً:
في عام 1994 بدأ النقاش الحاد في أوروبا حول النباتات المهندسة وراثياً وكانت أوروبا إلى وقت قريب تعارض دخول مثل هذه الأنواع إلى أسواقها أو زراعتها ولكن خف ذلك الآن إلى حد كبير حيث هناك دول مثل ألمانيا تزرع هذه المحاصيل والمنتجات المهندسة وراثياً موجودة في كل الأسواق الأوروبية.
وبالرغم من أن المفوضية الأوروبية عام 2001 أقرت بأن الأبحاث التي أجريت على النباتات المهندسة وراثياً لم تظهر أي مخاطر على الصحة العامة. كما أن نفس المفوضية في عام 2002 أقرت أيضاً أن الأبحاث التي أجريت على الحامض النووي (DNA) المهندس وراثياً ليس لها تأثير ضار على الصحة. وبالرغم من ذلك هناك العديد من الشواهد والشكوك التي تحيط بهذه النباتات منها:
- احتمال تأثير النباتات المهندسة وراثياً على البيئة المحيطة بالسلب كما حدث في عام 1999 حيث أن حبوب لقاح نبات الذرة المهندس وراثياً لمقاومة الحشرات كان لها تأثيراً سلبياً على حشرات أبو دقيق. مما زاد المخاوف من إمكانية التأثير على كائنات أخرى غير مستهدفة.
- إمكانية أن تتطور الحشرات حتى تستطيع التعامل مع النباتات المهندسة وراثياً ضدها وهنا ينتج أنواع جديدة من الحشرات لا يمكن مقاومتها.
- إنتاج محاصيل مهندسة وراثياً لتتحمل المبيدات المقاومة للحشائش يؤدي إلى الاستخدام المفرط لهذه الكيماويات مما يلوث البيئة ويؤدي إلى تدهور الكائنات الأخرى الغير مستهدفة.
- إمكانية تكون نباتات حشائش حقلية مقاومة لمبيدات الحشائش المستخدمة الآن وهذا يصعب القضاء عليها. مثلما وجد الباحثون أن نبات من نباتات الكانولا الغير مهندس وراثياً قد اكتسب مقاومة لثلاثة أنواع من المبيدات المضادة للحشائش بطريقة التلقيح العادية بين النباتات المهندسة وراثياً ونباتات أخري تنمو في الظروف العادية. وفي أمريكا اثبتت الأبحاث أن حبوب لقاح النباتات المهندسة وراثيا يمكن أن تؤثر في نطاق 4 كم حول النبات المزروع. مما يؤثر على إنتاجية وجودة زراعة النباتات الغير مهندسة وراثياً.
- إنتاج محاصيل مقاومة لمبيدات الحشائش قد يؤدي إلى جعل هذه النباتات تنمو بصورة وبائية إذا انتقل منها أفراد لأماكن غير مرغوب نموها فيها كالحدائق أو الاختلاط بمحاصيل أخرى ويصبح القضاء عليها بالغ الصعوبة وأمثلة على ذلك ما حدث في أمريكا عند ظهور نباتي الكدزو والجونسون (Kudzu, & Johnson) اللذان نميا بطريقة وبائية.
- المحاصيل المهندسة وراثياً ضد الحشرات يمكن أن تؤثر على النظام البيئي عن طريق قتل الأعداء الطبيعية التي تتغذى على الحشرات الضارة بهذه النباتات.
- بعض المحاصيل المهندسة وراثياً غير قادرة على التكاثر مثل جين اللون الأحمر في أزهار البتونيا الذي يجعل النبات قليل الخصوبة بالإضافة إلى الاختلافات في نمو الأوراق والجذور.
- احتمال أن ينتج أو يتحول الكائن المهندس وراثياً إلى نواتج غير مرغوب فيها مثل:
ما حدث في أسماك السالمون المضاف إليه جين هرمون النمو الذي يؤدي إلى كبر حجم السمك بسرعة وأيضاً يكسب السمك اللون الأخضر وهذه نتيجة جانبية غير مرغوب فيها أيضاً.
- إمكانية تداخل النباتات المهندسة وراثياً في النباتات الغير مهندسة وراثياً عن طريق التلقيح الخلط أو أن بعض من بذور أو جذور النباتات المهندسة وراثياً تظل في التربة وتؤثر بطرق عديدة عند تداخلها مع المحاصيل التي زراعتها في هذه الحقول فيما بعد وينتج عن ذلك نواتج غير متوقعة.
- إمكانية تهجين واختلاط النباتات المهندسة وراثياً على النباتات البرية الغير مستهدفة والنباتات المتوطنة والأصناف المحلية ذات المميزات الفريدة وفي غالبية الأحوال يكون هذا التأثير سلبياً كما حدث أن تأثرت النباتات البرية القريبة للأرز في أسيا.
- النباتات المهندسة وراثياً أكثر تعرضاً للتلف بتغيرات الجو وتقلبات المناخ عن النباتات الطبيعية مما يهدد استمراريتها.
- النباتات المهندسة وراثياً تسبب حساسية وخاصة عند الأطفال وهذا بسبب إدخال نوع من البروتين في الكائن المهندس وراثياً من كائن لم يستخدم من قبل في غذاء الانسان ومن هنا تظهر أعراض الحساسية عن الإنسان وبخاصة الأطفال ؛ مع العلم إن تناول الغذاء المهندس وراثياً قد يأخذ خمسة أو ستة سنوات قبل ظهور الحساسية. وقد ثبت ذلك ظهور زيادة ملحوظة في تركيز مثبط التربسين (مسبب الحساسية) في الحيوانات التي تغذت على الفول الصويا المهندس وراثياً.
- النباتات المهندسة وراثياً يستخدم فيها جين مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية كدلالة على إدخال الجين المستهدف إلى النبات المهندس وراثياً. وهذا الجين المقاوم للمضادات الحيوية يمكن أن ينتقل إلى أنواع بكتيرية أخرى مما يساعد على ظهور أمراض وبائية من أنواع بكتيرية ممرضة ومقاومة للمضادات الحيوية. وقد حظرت الجمعية الطبية الإنجليزية من هذا الخطر (British Medical Association).
- عدم القدرة على التنبؤ بما سوف يحد من تجارب الهندسة الوراثية بسبب النقص الشديد عن ميكانيكية وكيفية تداخل تركيب وترتيب الجينات في الوظائف المختلفة للكائن الحي. فالمعروف الآن من وظائف الحامض النووي هو 5% من إجمالي الوظائف والباقي لم يكشف عنها بعد. ولذا فمن الممكن أن يتداخل الجين المنقول مع كم من الوظائف هو 95% من وظائف الحامض النووي وهذا بالطبع سوف يؤدي إلى كم هائل من الاختلافات والنتائج الغير متوقعة في الكائن الواحد. فما هو كم التداخل المتوقع من هذا النبات مثلاً مع البيئة المحيطة بها بما تحتويه من كائنات مختلفة.
- زيادة معدلات الأمراض السرطانية. ففي عام 1994 عند إدخال جين في البقر ليزيد من إنتاجها للألبان حذر العلماء أن ألبان هذه الأبقار ومشتقاتها تحتوي على نوع من الهرمونات (Insulin-like Growth Factor) وهذا الهرمون يؤدي إلى ظهور أمراض سرطان الثدي والبروساتا والقولون.
- تؤثر النباتات المهندسة وراثياً على جهاز المناعة؛ حيث أثبت عالم إنجليزي أجرى أبحاث على البطاطس المهندسة وراثياً أن الفئران التي تغذت على هذه البطاطس تدهور جهازها المناعى.
- كيف يمكن للدول الفقيرة استبعاد النباتات المهندسة وراثياً:
كما سبق فإن قبول الدول النامية والفقيرة لإدخال هذه النباتات يؤثر على التنوع البيولوجي وصحة الانسان ويزيد هوة الفقر بين الدول المنتجة والدول الفقيرة ويساعد هذه الدول على إهمال مصادرها المحلية والإعتماد على ماهو مستورد ناهيك عن الأزمات المالية والديون. فكيف يمكن للدول النامية أن تكتشف هذه النباتات؟
يكمن الحل في الخطوات الآتية:
- أن تكون الدول المصدرة على القدر الكامل من المسئولية الأدبية التي تسمح لها بوضع علامات واضحة توضح نوعية هذه النباتات والأخطار المتوقعة منها.
- أن تتبنى الدول النامية نظام الأمان الحيوي الذي يسمح لها بفحص العينات التي يتم استيرادها على مستوى الحامض النووي وتقرير ما إذا كان مهندساً أم لا. وإن كان هذا الاختبار يحتاج الى تقنيات عالية بالإضافة الى احتياج هذه الجهة الى عمل عينات قياسية من العديد من المحاصيل الغير مهندسة وراثياً لكى يتم مقارنة العينات بها مما يتطلب التكاليف العالية. وأيضاً قد يستغرق هذا بعض الوقت.
- يجب على الدول الفقيرة تفعيل بروتوكول كرتاجن الذي تم توقيعه في إطار اتفاقية ” التنوع الحيوي” وينظم هذا البروتوكول انتقال الكائنات المهندسة وراثياً ومنتجاتها عبر حدود البلاد وقد وقع على هذا البروتوكول معظم الدول منها مصر.
تم تكوين العديد من الجمعيات الأهلية والهيئات العلمية المعارضة لاستخدام الغذاء المهندس وراثياً في جميع القارات: ففي أفريقيا تكونت جبهات معارضة في مصر والجزائر وكذلك في أسيا: مثل سريلانكا وتايلاند والصين واليابان والفلبين. أما في أروربا : فتكونت العديد من الجهات المعارضة في النرويج والنمسا وألمانيا وإيطاليا وقبرص وفرنسا ولكسمبرج والبرتغال وفي أمريكا اللاتينية : البرازيل والبراجواى.. وفي أمريكا الشمالية: الولايات المتحدة الامريكية. وفي دول المحيط الهادي: استراليا ونيوزيلاندا.
وأخيرا نتسائل متى تتوافر التقنيات التي تحمي غذاء الشعوب الفقيرة والنامية. وان كلفت هذه الحماية الأموال الطائلة. هل البديل أن تصرف أضعاف هذه الأموال علي علاج أمراض لا أمل في الشفاء منها!!!!. فإن لم يرحمن الله فلا راحم لنا.
أ. د. وفاء محروس عامر