الصحة والغذاء

هل الأطعمة المالحة تسبب الاكتئاب؟

كثيرًا ما اعتُبر الإفراط في تناول الملح مسؤولًا عن مشاكل القلب، لكن دراسة جديدة تشير إلى أنه قد يضرّ بعقولنا أيضاً. اكتشف علماء من جامعة نانجينغ الطبية علاقةً مفاجئةً بين الأنظمة الغذائية الغنية بالملح وسلوكيات تُشبه الاكتئاب لدى الفئران، مما قد يُفسّر استمرار ارتفاع معدلات الاكتئاب بالتزامن مع استهلاكنا للأطعمة المصنّعة.

وجد فريق البحث أن الإفراط في تناول الملح يُحفّز استجابات مناعية محددة في الدماغ، قد تؤدي إلى سلوكيات تُشبه الاكتئاب. وتُقدّم نتائجهم، التي نُشرت في مجلة علم المناعة، تفسيرًا بيولوجيًا للصلات التي لوحظت سابقًا بين استهلاك الأطعمة المُصنّعة واضطرابات المزاج.

يؤثر الاكتئاب على ملايين الأشخاص حول العالم، ويصل معدل انتشاره مدى الحياة إلى 15-18% لدى العديد من السكان. تحتوي الأنظمة الغذائية الغربية الحديثة، وخاصةً الوجبات السريعة، على كمية صوديوم أعلى بكثير من الوجبات المنزلية، بل تتجاوز أحيانًا كمية الصوديوم في الوجبات المنزلية بمئة ضعف.

العلاقة بين الملح والاكتئاب

في الدراسة، أظهرت الفئران التي تناولت وجبات غنية بالملح سلوكياتٍ مشابهةً بشكلٍ ملحوظٍ لتلك التي تعاني من توترٍ مزمن. فقد استكشفت بشكلٍ أقل، وأظهرت قلقًا متزايدًا، وقضت وقتًا أطول بلا حراك خلال اختبارات قياس “اليأس السلوكي” – وهي أنماطٌ تُشابه أعراض الاكتئاب لدى البشر.

قام الباحثون بدراسة الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذه التغيرات السلوكية. وقد أظهرت الأنظمة الغذائية الغنية بالملح زيادة ملحوظة في إنتاج الإنترلوكين-17A (IL-17A)، وهو جزيء إشارات مناعية، وخاصةً في الخلايا المناعية المتخصصة المعروفة باسم خلايا غاما دلتا التائية. وكانت الأبحاث السابقة قد ربطت ارتفاع مستوى IL-17A بالاكتئاب، لكن هذه الدراسة تكشف عن مسار مباشر من الملح الغذائي إلى زيادة إنتاج IL-17A إلى أعراض تُشبه أعراض الاكتئاب.

لتأكيد هذه الصلة، اختبر الفريق فئرانًا معدلة وراثيًا لفقدان القدرة على إنتاج IL-17A. لم تُظهر هذه الفئران أي علامات اكتئاب على الرغم من تناولها وجبات غنية بالملح. والأكثر إقناعًا، أنه عندما أزال الباحثون الخلايا المناعية المحددة التي تنتج IL-17A، لم تعد الحيوانات تُظهر سلوكيات تُشبه الاكتئاب عند تناولها وجبات غنية بالملح.

ماذا يعني هذا بالنسبة للبشر؟

على الرغم من أن البحث أُجري على الفئران، فإن له آثارًا بالغة الأهمية على صحة الإنسان. وقد أظهرت الدراسات السكانية بالفعل وجود روابط بين الأنظمة الغذائية عالية الملح وارتفاع معدلات الاكتئاب. وتقدم هذه الدراسة تفسيرًا محتملًا لهذه الملاحظات.

يحتوي النظام الغذائي الأمريكي المتوسط على حوالي 3400 ملغ من الصوديوم يوميًا، وهو ما يتجاوز بكثير الحد الأقصى الموصى به من جمعية القلب الأمريكية والبالغ 2300 ملغ. غالبًا ما تحتوي وجبات الوجبات السريعة على كمية الصوديوم الموصى بها ليوم كامل في جلسة واحدة.

هذه ليست أول دراسة تربط بين النظام الغذائي والصحة النفسية. فالأنظمة الغذائية المتوسطية الغنية بالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة وزيت الزيتون والبروتينات قليلة الدهون ترتبط بانخفاض معدلات الاكتئاب. في المقابل، تميل الأنظمة الغذائية الغنية بالأطعمة المصنعة والسكريات والدهون غير الصحية إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.

ما يميز هذه الدراسة هو تحديد مسار بيولوجي محدد يربط النظام الغذائي مباشرةً بالسلوكيات الشبيهة بالاكتئاب. يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا لأساليب علاجية جديدة محتملة تستهدف الجهاز المناعي بدلًا من كيمياء الدماغ فقط.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم