طالعتنا وسائل الإعلام قبل عدة سنوات بتقارير صحفية تتحدث عن مشاريع يفكر فيها بعض العابثين لتحويل الليل إلى نهار في بعض أجزاء الأرض التي تمكث في ظلام الليل لعدة شهور في العام؛ وذلك باستخدام مرايا ضخمة تعكس ضوء الشمس.
وهذا عبث وخطأ بشري كبير، قد يؤدي إلى اختلال نواميس الكون خاصة العمليات الحيوية للنبات الذي يعد مصدرًا لا غنى عنه لغذاء الإنسان والحيوان.
ولو تدبر هؤلاء القرآن لعلموا أن الله تعالى لم يخلق الليل والنهار عبثًا وغنمًا خلقه لحكم لم يثبتها العلم الحديث إلا مؤخرًا.
قال تعالى: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْـمـُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون)) (سورة البقرة).
ليس عبثًا
في هذه الآية العظيمة يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالتفكر في آيات كثيرة من آياته ومن ضمنها }واختلاف الليل والنهار|، ومن المعروف علميًا أن النهار وضوء الشمس وما تمدنا به من حرارة وإشعاعات من أهم العوامل التي سخرها الله سبحانه وتعالى لقيام الحياة واستمرارها على كرتنا الأرضية فعندما يسقط ضوء الشمس على النباتات الخضراء فإنها، بما أودع الله سبحانه وتعالى فيها من خصائص حيوية، تحول تلك الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية على هيئة روابط في المواد السكرية، بعملية البناء الضوئي؛ حيث يثبت النبات ثاني أكسيد الكربون في وجود الماء ولولا عملية البناء الضوئي لما كانت على الأرض أي حياة، فجميع صور الطاقة على الأرض تقريبًا وجميع المواد الغذائية عليها مصدرها عملية البناء الضوئي ولولا الضوء لما تمت تلك العملية ولفنيت البشرية وجميع الكائنات الحية كما حدثناكم سابقًا.
وكما أن أهم العمليات الحيوية تتم في الضوء، فإنه توجد الملايين من العمليات الحيوية المهمة لا تتم إلا في الليل فالعلماء يقسمون تفاعلات البناء الضوئي إلى تفاعلات الضوء وهي التي لا تتم إلا في الضوء (النهار) وتفاعلات الظلام وهي تتم في الليل أولاً تحتاج إلى الضوء حتى تتم.
ويعد اختلاف الليل والنهار طولًا وقصرًا نورًا وإظلامًا برودة ودفئًا من أهم عوامل استمرار الحياة على الأرض، ففي النباتات الزهرية إذا لم تتكون الأزهار لا تتكون الثمار ولا الحبوب وهذه الأزهار لا تتكون في أي نبات إلا إذا تكونت فيه أولًا مادة كيميائية حيوية تؤدي إلى عملية الإزهار هذه المادة تسمى هرمون الإزهار (Flowaring Hormone) وهذه المادة تتكون فقط عندما يختلف الليل والنهار في حياة النبات، فتكوين هذا الهرمون متوقف على تتابع فترة الإضاءة وفترة الإظلام ومدة كل منهما واستمرارها وشدة الضوء والظلام.
وقد خلق الله سبحانه وتعالى في المملكة النباتية نباتات تحتاج إلى فترة إظلام يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت هذه النباتات بنباتات الليل الطويل.
وتوجد أيضًا نباتات تحتاج إلى فترة إضاءة يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت بنباتات النهار الطويل.
إذا نقلنا نباتًا من نباتات الليل الطويل إلى بيئة فيها النهار أطول فإن هذه النباتات تفشل في تكوين الأزهار والثمار والحبوب.
إذا قطعنا ليل النباتات المحتاجة إلى ليل طويل بالضوء الصناعي فإن عملية تكوين هرمون الإزهار تفشل وتقف، ويقف الإزهار وتكوين الثمار. كما توجد في الكائنات الحية الأخرى غير النبات كائنات حية لا تنشط إلا في الليل وأخرى لا تنشط إلا في النهار.
وتوجد جراثيم لا تخرج من مكامنها إلا ليلًا وأخرى لا تخرج إلا نهارًا.
الهائمات البحرية تصعد إلى الطبقات السطحية للمياه في الصباح وتهبط إلى الطبقات السفلية في وسط النهار.
وجد بالتجربة أن طبقة الأوزون تحمي كائنات الأرض من شدة الإضاءة ونوعيتها وزيادة الضوء عن الحد المقدر تؤدي إلى هلاك الكائنات الحية، فعندما زادت كمية الضوء وتغيرت نوعيتها بالنسبة إلى بعض النباتات انخفضت نسبة البروتين فيها 20% عن المعدل ووجد أن الليل ضروري لحماية تلك النباتات والحفاظ عليها من الهلاك.
تحد للدارونيين
مما سبق ومن غيره من الحقائق العلمية نرى أن خلق الليل ضروري لاستمرار الحياة على الأرض وعندما بحثت في آيات القرآن الكريم التي تتكلم عن الليل والنهار وجدت أن كلمة الليل في كثير منها تسبق كلمة النهار، وهذا يدل على أن الليل ضروري ومفضل في القرآن الكريم مثله مثل النهار تمامًا.
وأيضًا فإن النهار حيوي وضروري واختلاف الليل والنهار قصرًا وطولًا ضروري من الناحية العلمية وعلى من ينكر آيات الله أن يثبت لنا عكس ذلك.
فهل بعد ذلك نقول: إن الكون خلق مصادفة وبعشوائية كما يقول الدارونيون والعلمانيون الماديون، أم أن كل شيء خلقه الله تعالى بقدر؟!
د. نظمي أبوالعطا
أستاذ علوم النبات