أنماط ضارة
يؤكد خبراء التغذية أن النمط الغذائي هو الذي يتحكم في الصحة العامة للصغار والكبار، وأن اعتماد الطبقات الثرية أو الموسرة على الوجبات الجاهزة القائمة على الدهون والنشويات مع كميات اللحوم عالية الكوليسترول بشكل كبير التي يطلبونها في المطاعم العالمية وانتشرت بكثافة في المنطقة العربية من شأنه أن يقدم لنا أجيالاً هزيلة مترهلة تعاني أمراض السمنة، في الوقت الذي تعاني فيه أيضًا نقصًا حادًا وخطيرًا في بقية العناصر الغذائية اللازمة للجسم، في حين يحصل أبناء الطبقات الأخرى على وجبات متوازنة متنوعة في محتواها الغذائي، ما يمنح الجسم التنوع المطلوب واللازم لصحته، بالإضافة إلى المجهود الذي يبذله أبناء هذه الطبقات التي لا تعيش حياة فيها قدر من الراحة والترف وتتحرك لقضاء أعمالها، فضلاً عن أن كثيرين منهم يكونون من أصحاب الأعمال والحرف اليدوية، ما يفسر، وفق خبراء التغذية، البنية القوية لهؤلاء الأطفال والشبان، قياسًا إلى نظرائهم الخاملين الذي يمضون معظم أوقاتهم أمام شاشات الكمبيوتر أو التلفاز يتناولون كميات هائلة من الدهون والنشويات والمشروبات الغازية.
قيمة التنوع
ويمد الغذاء المتنوع الجسم بجميع احتياجاته من مكونات الغذاء الأساسية المعروفة مثل البروتينات والكربوهيدرات، والنشويات، والدهون ويمد الجسم بالطاقة، كما أنه يحتوي أيضًا على الفيتامينات والأملاح المعدنية التي تمد الجسم بالنشاط والحيوية وتساعد على حماية الجسم من الأمراض لكن لا يمده بالطاقة. لذا، كان يجب للحصول على الغذاء الصحي بالاعتماد على ثلاثة عوامل، هي: التنويع والتوازن وعدم الإفراط؛ ليتمكن الجسم القيام بنشاطه دون عناء أو تعب. فالتركيز على تنويع الأطعمة يتيح الفرصة للأغذية لإمداد الجسم بجميع العناصر المغذية دون الاعتماد على نوع أو صنف واحد من الغذاء كما يعطي الفرصة لبعض العناصر المهمة على التفاعل عند وجود مواد أخرى مثل الحديد يعتمد على وجود بعض المعادن والفيتامينات للتفاعل داخل الجسم.
أما الإفراط في تناول عنصر غذائي دون غيره، فمن شأنه أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من مشاكل صحية لنقص المكونات الأخرى، وربما المرض مع ظهور أعراض أو علامات الإفراط في تناول العنصر الغذائي، وأبلغ مثال على ما نقول السمنة نتيجة الإفراط في تناول الدهون المختلفة أو فقر الدم نتيجة نقص بعض المكونات الأساسية في الغذاء التي تساعد على تكون الدم وصبغته، وجميع هذا يدخل تحت ما يطلق عليه عالميًا سوء التغذية.
مفاهيم خطأ
ويكشف خبراء التغذية عن خطورة هذا النمط من التغذية القائمة على الوجبات الجاهزة والمياه الغازية على الصحة العامة، بما تفضي إليه من السمنة التي يصفونها بأنها “مشكلةٌ أُسريَّةٌ بالأساس، ولا تقلُّ ضررًا عن غيرها مِن المُشكلات التي لا تحمل الصبغةَ الصِّحِّيَّة، بل يزيد ضرُرها على المدى البعيد، فتفوق غيرها من المشكلات الأخرى، وليس هناك فرد من الأسرة بمنأى عن الوقوع ضحيَّة لها”.
ويوضحون أن “مشكلة السِّمنة مشكلةٌ عالميَّةٌ؛ إذ يوجد على الصعيد العالميِّ، أكثر مِن مليار شخصٍ يعانون الزِّيادة في الوزن، منهم 300 مليونٍ يعانون مِن السِّمنة المفرِطَة”، مشيرين إلى أنَّ زيادة الوزن تُشكِّل مصدرًا كبيرًا للأمراض المُزمِنة، بما في ذلك مرض السُّكري من المستوى الثَّاني، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدَّم وبعض أمراض القلب والأوعية الدَّمويَّة، مع تعريض البُّدَناء إلى مخاطر الإصابة بالسَّكتة الدِّماغيَّة وبعض أشكال الأورام السَّرطانيَّة.
وترجع الأسباب الرَّئيسيَّة للسمنة إلى زيادة استهلاك الطَّعام من النَّوعيَّات ذات الطَّاقة المرتفعة والدُّهون المشبعة والسُّكَّريَّات، في مُقابل انخفاض النَّشاط البدنيِّ.
ويشير الخبراء بأصابع الاتهام أيضًا إلى ما وصفوه بـ”أنماط الحياة” غير الصحية التي تقف وراء هذه المشكلة بالقول: “مثلاً يخرج الفرد إلى عمله دون إفطار، ويظلُّ يتناول القهوة إلى أنْ يعودَ إلى منزله في الخامسة أو السَّادسة مساءً، فيتناول الطَّعام بإفراطٍ، اعتقادًا منه بأنَّه بذلك يقوم بتعويض ما فاته مِن طعامٍ طوال اليوم، إضافة إلى عادة تناول الطَّعام أمام شاشة التلفزيون؛ حيث يزداد الإحساس بالجوع عند مشاهدة الطَّعام، حتى ولو لم يكُن الإنسان في حاجةٍ فعليَّةٍ إليه.”
ويؤكد خبراء التغذية أن امتلاء هذه الأجسام وتهدل البطون على هذا النحو ليس علامة صحة بدنية على الإطلاق كما تعتقد بعض الأمهات، بل هو دليل مرض ونذير أمراض غاية في الخطورة، وأن هذا النحو من الامتلاء التي تبدو عليها أجسام أبناء بعض الأسر الغنية لا يعني على الإطلاق أنهم في منأى عن سوء التغذية، بل إن هؤلاء من المرجح أن يكونوا حالات سوء تغذية صريحة، فسوء التغذية في جوهره يعني نقص كثير من العناصر الغذائية اللازمة لصحة الجسم، واعتماد هؤلاء على وجبات بعينها تسبب لهم الامتلاء الذي يبحثون عنه، ولكن الطعام الذي تمدهم به الدهون المشبعة فيه نقص كبير مما يشكل خللاً في أداء وظائف أجهزة الجسم المختلفة.
توازن وتنوع
وتأكيدًا لما ذكر آنفًا يدعو الخبراء الأسر إلى تقديم غذاء متوازن لأطفالها، من أجل تعويد الأبناء منذ الصغر على نمط الغذاء المتوازن، لأن هذا الذي يقدم في محال الوجبات السريعة من الخبز الأبيض (الصامولي) يضر كثيرًا بالصحة العامة للصغار، ويحتوي على نسب عالية من الدهون المشبعة والمياه الغازية، في غياب صارخ وجائر على الصحة العامة للخضراوات. ويحذرون من ذهاب الأطفال الى المدرسة دون تناولهم وجبة الإفطار لأن ذلك يجعلهم يفتقدون الطاقة اللازمة للاستيعاب، وعدم تناول المخبوزات الآلية وبخاصة (الصامولي) لاحتوائها على حمض (البروبيونيك) المتمثل فى أملاح الكالسيوم أو الصوديوم الحافظة الضارة على الصحة.
ويرون أن خبز (البر) أو الشعير يحتوي على الدقيق الأسمر الخام وهو غني بالمعادن وفيتامينات “بي” و”إي” والمواد الكيميائية النباتية، كما أنه غني بالألياف، إذ إن قطعة من الخبز البر تحتوي على ألياف أكثر ثلاث مرات ونصف مرة من الخبز (الصامولي).
ثم إن هذه الألياف تزيد من قدرة المعدة على امتصاص المواد الغذائية، ومن ثم تعزيز القدرة على الهضم وتقليل الإصابة بخطر سرطان الأمعاء والتخلص من الدهون الزائدة بالجسم.
كما أن تناول الخبز البلدي يساهم في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وأنواع معينة من السرطانات والسكر.
ويشدد خبراء التغذية على ضرورة إجبار الأطفال على تناول إفطار متوازن يمدهم بالطاقة اللازمة لليوم الدراسي قبل ذهابهم للمدرسة على أن يحتوي على العناصر الأساسية من الفيتامينات والبروتينات والنشويات .
وأن وجبة الغداء لا بد أن تكون متكاملة وتحتوي على طبق سلطة مكون من خمسة ألوان (أبيض وأخضر وأحمر وبرتقالي وبنفسجي)، وينبغي الإكثار من البصل والثوم لفوائدهما في تقوية المناعة والوقاية من الأمراض التي يمكن أن تصيب الأطفال.
وأخيرًا ينصح خبراء التغذية بإعطاء الأطفال الذين ليس لديهم شهية للإفطار كريم كراميل أو بيض بالطماطم (شكشوكة)، وبضرورة تناول كوب من اللبن أو قطعة من الجبن الأبيض لأنها تخضع لعملية البسترة وأكثر أمانًا على الأطفال أو كوب من الزبادي قبل الخروج من المنزل، مشيرين إلى أن اللبن إذا أضيف إلى الشاي فقد قيمته الغذائية نتيجة حمض (التنيك) الموجود بالأخير.