ربما لا ينسى زائر المدينة المنورة أن يجلب معه عند المغادرة حزم من فصائل النعناع التي تشتهر بها المدينة. بينما يفضل بعضهم شراء مستخلصات هذه (النعانيع) من زيوت عطرية وماء مركز للاستمتاع بنكهاتها المحببة مع الأطعمة والحلويات والمشروبات، حتى أن أهل المدينة يعتبرون إضافتها للماء والشاي، نوعا من كرم الضيافة.
التقينا الحرفي محمد سيجاني، الذي يدير معملا خاصا لتقطير النباتات العطرية في المدينة المنورة، وتحدثنا معه حول زراعة النعناع وخبايا صناعة تقطيره وغيره من النباتات العطرية التي تشتهر بها المدينة.
في بداية حديثه، أشار سيجاني إلى أن المدينة المنورة تشتهر منذ القدم بخمسة أنواع من النعنانيع هي: الحساوي، والمغربي، والدوش، والعطرة، واللمام، وهي فصائل مختلفة من النعناع، يتميز كل واحد منها بنكهة مميزة عن الأخر.
وتعتبر منطقة الحسا من أشهر مناطق زراعة فصائل النعناع في المدينة إضافة إلى آبار علي، وقباء، والعوالي، وكذلك المنطقة الجنوبية المعروفة باسم قريظة.
كما يزرع النعناع في الرياض والخرج وبعض مدن المنطقة الشرقية كالهفوف والأحساء، وأيضا المزارع المنتشرة شمال وجنوب مكة المكرمة مثل الجموم والحسينية وفي وادي وج في الطائف.
وان كان التشاديون يفضلون العطرة، فإن الموريتانيين يحرصون عند صنع الشاي الأخضر الذي يتناولونه بكثرة في طقوس فلكورية مميزة تعتبر من أصول الكرم والضيافة عندهم، على تلقيم براريدهم بالنعناع المغربي.
ودرج أهالي المدينة المنورة وأصحاب المقاهي على خلط كل أنواع النعناع في مزيج واحد يسمى بـ (البراد المديني) ـ نسبة للمدينة المنورة ـ وتقديمه.
وللنعناع مصطلحات خاصة بتجارته مثل الربطة وهي جزء من أربعة أجزاء تعرف بالشكة التي تتكون من 16 جزءا يسمى حزمة.
استخلاص النعناع
وأشار سيجاني إلى أن معمل التقطير الذي يديره يقوم بتقطير النعناع بجميع أنواعه، وكذلك زهر الكادي والورد الطائفي، موضحا أن عملية تقطير كل هذه النباتات تمر بخطوات واحدة؛ حيث يتم طبخ أوراق النعناع وسيقانه، أو زهور الكادي والورد الطائفي في جهاز تقطير خاص، ثم يتم تبريد البخار، حتى يتكثف في قوارير لها رقبة طويلة ورفيعة من الأعلى؛ بحيث يتركز الماء في الأسفل، ويطفو الزيت في الأعلى. ويتم سحب الزيت باستخدام السحاحات، ويحفظ في زجاجات خاصة. أما الماء المتبقي فهو ماء المنتج سواء النعناع بأنواعه أو الورد، أو زهر الكادي، ويتم تعبئته أيضا في زجاجات ذات أحجام مختلفة.
وتحدث سيجاني عن استخدامات فصائل النعناع التي تشتهر بها المدينة سواء الطازج منها أو مستخلصاتها من زيت أو ماء مركز. وقال إن مغلي النعناع المغربي يشرب في الصيف بصفة خاصة؛ حيث يعرف بخاصيته المبردة للجسم، كما يستخدم كعلاج شعبي للمغص، وتُقطع أوراق على السلاطة. ويرش قليل من ماءه المركز على الأطباق المختلفة حسب الرغبة، أو يضاف للشاهي وماء الشرب.
ويدخل زيته في صناعة الحلويات والعلك، ويدهن به الجسم كعلاج شعبي للروماتيزم.
ويطلق أهل المدينة على الحبق اسم نعناع مديني أو نعناع حساوي، نسبة إلى منطقة في المدينة اسمها الحسا، تتركز فيها زراعته.
ويستخدم ماء الحبق وزيته، لتعطير الماء، والحلويات. ويستخدم زيته أيضا في صناعة العلك، ويدهن به الجسم كعلاج شعبي للروماتيزم.
أما الدوش فيعرف باسم البردقوش، ويعتقد الناس بفائدته في التخسيس؛ ويشرب مثل الشاي. كما يستخدم لتعطير الشاي، ويستخدم الزيت الناتج منه أيضا في تعطير الحلويات والماء.
وتقطع العطرة مع الطعام، وتؤكل لدي لبعض الشعوب، لكنها لا تؤكل في المملكة، وإنما تستخدم كمعطر للماء والشاي، والحلويات فقط.
ويعد من اللمام مشروب مثل الشاي، يطلق عليه أهل المدينة اسم “شاي المدينة الأخضر”، كما يضاف إلى الشاي العادي فيعطيه نكهة عطرية مميزة. كما يضاف زيتة للحلويات والأطعمة لإضفاء نكهة خاصة عليها.
وذكر سيجاني أن الورد الطائفي وزهر الكادي، يستخرج منهما ماء فقط، وذلك لانخفاض نسبة الزيت فيهما.
ماء الورد والكادي
ويستخدم ماء الورد لتعطير الماء والشاي والحلويات، كما يستخدم في المشاغل النسائية لغسل البشرة؛ اعتقادا بفائدته في تجديد خلايا البشرة. ويعد احد المكونات التي تدخل في غسيل الكعبة إلى جانب ماء زمزم ودهن العود، ويضاف على ماء زمزم لتعطيره.
وذكر أن ماء الورد يفك الضيق عندما يشرب مع الماء.
أما زهرة الكادي فهى زهرة لونها أخضر، وتشبه إلى حد كبير كافور النخل ويؤخذ من نبات شجري معمر يشبه انواعاً من النخيل وعندما ينفتح الشمراخ الزهري الذي يشبه كافور النخل تنبعث منه رائحة جميلة وتستخدم النساء في منطقة جازان الكادي على نطاق واسع ويباع بالحبة المفردة ويزدهر بيعه وتجارته في مواسم الزواجات.
واستخدامات ماء الكادي تشبه استخدامات ماء الورد، حيث يضاف للأرز الكابلي لإكسابه نكهة خاصة. كما يستخدم منذ القدم في المدينة بإضافته لمياه الشرب لتعطيرها، وكذلك يضفى نكهة للحلويات. ويعرف اهل المدينة من أجدادهم فائدة إعطاء ماء الكادي للأطفال سواء الرضع أو الكبار، كمعطر مع ماء الشرب أو مع الحليب.
وأعرب سيجاني عن اعتقاده بأنه لا توجد أي أعراض جانبية من استهلاك هذه النباتات؛ لأنها من وجهة نظره مستخلصة من أعشاب طبيعية، ولا يستخدم فيها أي مواد كيماوية.
———-