هذه سيدة لا تنام كل أسبوع إلا سبع ساعات فقط.. ثلاث ليال منها تكتفي بعدة غفوات مدتها نصف ساعة، وهي لا تستطيع مواصلة يومها ولا القيام بأي مهمة في عملها وبيتها بدون تناول كميات كبيرة من القهوة، ناهيك عن التدخين المتواصل بلا انقطاع.
تلك الحالة المرضية أجرت عليها خبيرة التغذية ليزلي كينتون أبحاثها عن مرض الأرق واضطرابات النوم المزمنة، من خلال دراسة أحوال هذه السيدة التي يبلغ عمرها 35 عامًا، متزوجة، ولديها طفلتان، وتعمل مهندسة وتعاني ارتفاع ضغط الدم والسمنة، بجانب تقلبات حادة في حالتها المزاجية، وأن كل المحيطين بها يرونها عصبية.
وقد اكتشفت الباحثة كينتون أن تلك السيدة اعتادت منذ أن كانت في سن 15 عامًا وحتى الآن ألا تنام أكثر من ثلاث ساعات يوميًا، وأن حالة الاضطرابات الحادة في أحوال نومها ازدادت بعد الإنجاب، ووجدت أنها قد قلصت تدريجيًا ساعات نومها حتى تخصص مساحة من الوقت لرعاية طفلتيها طوال ساعات النهار، واستغلال ساعات الليل في إنجاز أعمال المنزل، بجانب أنها تستخدم جهاز الكمبيوتر حوالي أربع ساعات متفرقة يوميًا، معظمها أثناء الليل.
الباحثة كينتون استبعدت وجود اضطرابات نفسية لدى تلك السيدة تمنعها من النوم، وحددت المشكلة بأنها سوء استغلال لطاقة العقل الذي اعتاد العمل لمدة 24 ساعة، ولم يتعلم كيفية التوقف عن العمل واستئنافه مرة أخرى في الوقت المناسب بشكل طبيعي.
وقد كان لذلك تأثير كبير على عملية إفراز الهرمونات التي تعمل على تحفيز الجسم وإعداده للقيام بوظائفه الحيوية بانتظام، فحدث ما يسمى بخلل مزمن في إفراز هرمونات الأدرينالين والكولسترول والأنسولين، فكان من الطبيعي أن تلجأ للمنبهات والتدخين لتستطيع مواصلة اليوم مما أدى إلى ارتفاع ضغط الدم، كما أدى الاضطراب الهرموني إلى حدوث اضطراب في وظائف الغدة الدرقية التي لها دور في التحكم في الوزن والرغبة في تناول الطعام فكان من الطبيعي أن تلجأ إلى تناول الوجبات الدسمة أثناء الليل.
وقد استبعدت كينتون في العلاج استخدام الحبوب المنومة، وحذفت أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم، بجانب الامتناع التدريجي عن التدخين والقهوة، مع اتباع نظام غذائي يعتمد على وجبة الإفطار المكونة من عصير فاكهة طازجة ومنتجات الألبان، ووجبة العشاء الغنية بالكربوهيدرات الموجودة في الخبز الأسمر والبقوليات.
وبعد مرور ثلاثة أشهر من اتباع العلاج الغذائي كما أطلقت عليه كينتون وممارسة أحد أنواع الرياضة لمدة نصف ساعة يوميًا استطاعت المريضة أن تفقد عددًا من الكليو جرامات، وارتفع معدل ساعات النوم إلى خمس ساعات يوميًا.
وفي سلوفاكيا لم يتمكن الأطباء من إيجاد حل للوضع الصعب الذي كانت تعانيه سيدة مريضة منذ 22 عامًا.. والمتمثل في عدم قدرتها على النوم لأكثر من نصف ساعة يوميًا.
وكانت صحيفة «نوفي تشاس» السلوفاكية قد نشرت حوارًا مع المريضة (فييرا فاتتشوفا) ذكرت فيه: «أنها أصيبت قبل 22 عامًا بمرض السحايا، وتوقع الأطباء في ذلك الوقت عدم نجاتها من المرض.. لكنها صمدت وتعلمت خلال ثلاثة أشهر القراءة والكتابة والنطق في المستشفى».
وقالت فاتتشوفا: «إنها كانت في البداية تنام ما يقارب ثلاث ساعات إلى أن تراجع ذلك إلى نصف ساعة، ولا تزال على هذه الحالة منذ ذلك الحين». وأشارت فاتتشوفا إلى أنها تقوم بدلاً من النوم ليلاً بأعمال المنزل.. من تنظيف وكي وإعداد الحلوى.
لكن الصحيفة لم تحدد أنواع العلاجات التي جربها الأطباء لمعالجة هذه الحالة، لكنها أشارت إلى أنهم جربوا مختلف الطرق دون أن يفلحوا في جعل المريضة تنام فترة أطول.
عواقب عدم النوم
الجدير بالذكر أن دراسة أجرتها جامعة كولومبيا الأميركية كشفت أن السهر إلى وقت متأخر بعد منتصف الليل من شأنه تعريضهم للإصابة بالإحباط بنسبة 24% وأنهم قد يميلون للانتحار بنسبة 20% بالمقارنة مع الذين يحددون وقت نومهم عند العاشرة مساء أو قبلها. وأكدت أن النوم لفترة كافية لا يعد وسيلة وقائية ضد الإصابة بالإحباط فحسب وإنما يعد طريقة للعلاج من الإحباط ذاته».
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» التي نشرت الدراسة أن قرابة 4400 أميركي ضمن الفئة العمرية ما بين عشرة و24 عاما ينتحرون سنويًا، مما يجعل ظاهرة الانتحار في الولايات المتحددة السبب الثالث في وفيات تلك الفئة العمرية، حسب بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أتلانتا.
وأظهرت الدراسة أن من ينامون لخمس ساعات أو أقل كانوا عرضة للإحباط بنسبة 71% وإلى الميل للانتحار بنسبة 48% بالمقارنة مع من ينامون ثماني ساعات وفق الدراسة التي دعمتها الجامعة على المستوى المالي أيضًا. وأشارت إلى أن قلة النوم من شأنها التأثير في استجابة الدماغ للحوافز السلبية وإعاقة قدرة الفرد على مواجهة حالات التوتر والإجهاد، كما تؤثر سلبًا على علاقة المراهقين بالأقران وبالكبار، بالإضافة إلى كونها تؤثر في دقة إصدار الأحكام وفي دقة التركيز والاستجابة بشكل عام.