كان للكرفس مكانة كبيرة في الحضارة اليونانية القديمة، حتى أسماه اليونانيون القدماء «النبات القمري»، وكانوا يكرمون به أبطالهم الرياضيين، لدرجة جعلتهم يعتقدون أن «من لا يحب الكرفس لا يستمتع بحياته». وقال عنه الفرنسيون: (لو عرف الرجل فوائد الكرفس لملأ به بستانه).
وقد أيد العلم الحديث تلك المكانة التي خص بها القدماء الكرفس؛ بعد أن تبين أنه ذو قيمة غذائية كبيرة؛ ويفيد في تقوية المناعة، وخفض الكولسترول وضغط الدم، وإدرار البول، وتثبيط نمو الأورام.
من آسيا إلى أوروبا
المنطقة المعتدلة من آسيا كانت الموطن الأصلي للكرفس، ومنها انتقل إلى أوروبا ثم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط. وتشير مصادر تاريخية إلى أن قدماء المصريين زرعوا الكرفس منذ حوالي 3 آلاف عامًا، وعرفه الصينيون في القرن الخامس قبل الميلاد، وكذلك اليونانيون القدماء ونسبوا إليه أهميته في تهدئة الأعصاب.
وقد استخدم قديمًا في وصفات علاجية عديدة للحروق، وحالات الربو، وضعف اللثة. وقد عرف العرب الكرفس منذ القدم؛ حيث تحدث الأطباء والعلماء القدماء من عرب وغيرهم عن فوائده ومنهم ابن سينا وابن البيطار. وقال عنه ابن قيم الجوزية: «ورقه رطبًا ينفع المعدة والكبد البارد، ويدر البول والطمث، ويفتت الحصى، وحبه أقوى في ذلك».
الفصيلة الخيمية
ينتمي الكرفس إلى الفصيلة الخيمية Apiaceae or Umbelliferae، ويعرف باللغة الإنجليزية باسم (Celery)، والاسم العلمي له هو Apium graveolens .
ويتراوح ارتفاع هذه النبات بين 40 سم إلى متر واحد، وهو ثنائي الحول؛ أي لا يعمر أكثر من سنتين. وساقه منتصبة وأسطوانية الشكل وجوفاء. ولون أوراقه خضراء داكنة ولامعة، أما أزهاره فهي بيضاء اللون صغيرة على شكل نورات خيمية الشكل. وثمار الكرفس صغيرة، وشكلها بيضاوي مستدير، ولونها بني فاتح. وتستخدم جميع الأجزاء النباتية للكرفس بما في ذلك الجذور، وزيت البذور؛ فتضاف الأوراق والسيقان للسلطات وإلى الوجبات المطبوخة، وتستخدم الأجزاء النباتية وكذلك الزيت المستخرج من النبات في المجال الطبي وفي صناعة العطور والصابون.
وهناك نوعان من الكرفس هما:
الكرفس البري: يكثر نمو هذا النوع في المستنقعات، وفي الأراضي الرطبة، وبخاصة قرب المنازل، وعلى السواحل، وفي الجبال.
الكرفس البستاني: تنبت بذوره في أحواض مُسمدة، ويتم ذلك في شهر مارس، ثم تُزرع شتلاته في بداية الربيع بحيث يبعد بين كل شتلة وأخرى مسافة تبلغ نحو 35 سنتيمترًا، وفي خطوط يبعد كل خط عن الآخر مسافة 40 سنتيمترًا لإعطاء مجال للجذر كي ينمو ويتضخم.
ويتميز نبات الكرفس بطعم ورائحة قوية ومميزة؛ حيث يحتوي على زيت طيار من أهم مكوناته الليمونين (Lemonene)، وبيتاسيلين (Beta selinene)، وبثالايدز (Phthalides). كما تحتوي الثمار على فلافونيدات من أهمها جرافيوبيوزايد أ، ب (Giaveobisides A.B)، وابيين (Apiin)، وايزوكويرسترين (isoquencitrin)، كما تحتوي على فوروكومارنيتر (Furocoumanins).
أما أوراق وسيقان الكرفس، فتحتوي على زيت طيار وأهم مركباته مايرسين (myrcene)، وبيتاسيليين (Beta-selinene)، والفاتربينول (alph-terpineol)، وكرافيول (craveol)، ودايهدروكارفون (Dihyadicanvone)، وبثالايدز (pthalides)، وليمونين (Lemonene). كما يحتوي النبات على الفولات (folate)، وفلافويندات وفوروكومارينز وفيتامين أ، ب، ونسبة عالية من فيتامين ج. وكذلك يحتوي على الكثير من المعادن مثل الحديد واليود والنحاس والماغنيسيوم والمنجنيز والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور.
مقو للمناعة وخافض للضغط
وللكرفس فوائد علاجية عديدة. فقد بينت الأبحاث العلمية أهميته في تقوية مناعة الجسم ضد الأمراض؛ وذلك بسبب محتواه المرتفع من فيتامين ج. ولهذا السبب نفسه يدخل الكرفس ضمن الأغذية التي تساعد على مقاومة نزلات البرد.
وعلاوة على ذلك يعد الكرفس من الأغذية التي تساعد على خفض معدل ضغط الدم المرتفع؛ وذلك لاحتواء الزيت الطيار الموجود في الأوراق والسيقان وكذلك الثمار على مادة تسمى بثالايدز (pthalides) وهي تعمل على إرخاء الأنسجة العضلية المبطنة لجدر الشرايين من الداخل، وبالتالي يتسع الشريان ويتدفق الدم تحت تأثير ضغط منخفض من الشرايين.
كما أوصى فريق طبي أمريكي بتناول الكرفس طازجًا للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع نسبة الكلسترول في الدم؛ وذلك بعدما لاحظوا أنه عند إعطاء الفئران داخل المعمل جرعات من عصير أوراق وسيقان الكرفس لمدة 8 أسابيع، حدث انخفاض ملحوظ في معدل الكولسترول؛ وذلك لزيادة معدل إفراز الصفراء.
وقد استخدمت بذور الكرفس منذ فترة طويلة في زيادة إدرار البول، والتخلص من الماء الزائد في الجسم؛ وذلك لارتفاع محتوى البذور من عنصر الصوديوم والبوتاسيوم وكذلك ارتفاع محتوى الأوراق والسيقان بهذه العناصر، والتي تعمل على تنظيم عملية الإخراج وإدرار البول. وفضلاً عن كل ما سبق، يحتوى الكرفس على مواد تسمى (coumarins) و(acetylenics)، وهي مركبات طبيعية تعمل على تثبيط نمو الأورام السرطانية إضافة إلى زيادة كفاءة بعض خلايا الدم البيضاء والتي بدورها تدافع عن الجسم ضد دخول أي جسم غريب، وكذلك إزالة ومهاجمة الخلايا السرطانية الضارة.
وأمام كل الفوائد الغذائية والعلاجية السابقة، يصبح من غير الحكمة أن تتجاهل ربة المنزل نبات الكرفس في مطبخها. ويمكن إضافة الأوراق الطازجة للكرفس إلى أطباق السلطة أو حساء الخضراوات.
ويراعى اختيار الكرفس ذي الأوراق الخضراء اللامعة، وتجنب الأوراق الصفراء أو المصابة بالحشرات أو بالأمراض النباتية. ثم يتم تقطيعها وفتح الماء الجاري عليها لتنظيفها من الأتربة العالقة بها.
وينصح باستخدام الأوراق الطازجة للكرفس مباشرة، وتجنب تركها فترة خارج الثلاجة بعد غسلها؛ لأنها تذبل بسرعة لاحتوائها على نسبة عالية من الماء. وعند الرغبة في تخزين الكرفس، يتم اختيار النباتات الطازجة، وتجفيفها جيدا؛ حيث إن وجود ماء على الأجزاء النباتية يتتسبب في فساد الكرفس بسرعة.
وتوضع نباتات الكرفس في كيس بلاستيك شفاف داخل الثلاجة. ويحظر تخزين الكرفس داخل المجمدة؛ حيث إن درجة التجمد تعمل على إتلاف الأجزاء النباتية وذلك لارتفاع محتواها من الصوديوم والبوتاسيوم. ويمكن تجفيف أوراق وسيقان الكرفس هوائيًا؛ واستخدامها بعد ذلك في عمل حساء الكرفس أو غليها وتناولها لإنقاص الوزن.
احذر ثم احذر
في الختام نشير إلى أن هناك محاذير من استخدام الكرفس وهي:
– ينصح الحوامل بعدم استعمال الزيت وجرعات كبيرة من الجذور؛ لأنها تعمل كمنشط رحمي.
– قد يزيد البرجابتن الموجود في البذور من الحساسية الضوئية، لذا يجب عدم استعمال الزيت العطري عند التعرض لأشعة الشمس الساطعة.
– ينصح الأشخاص الذين يعانون من التهابات في الكلى أو انخفاض الضغط، بتجنب استخدام الكرفس.
– يوصى بعدم استخدام بذور الكرفس المخصصة للزراعة؛ لأنها غالبًا ما تكون معالجة بمبيدات الفطر.
عناصره الغذائية
يوضح الجدول التالي العناصر الغذائية اللازمة التي يحتويها 100 جرام من الكرفس الطازج، وفقا لأرقام وزارة الزراعة الأمريكية.
المحتوى لكل 100 جرام | وحدة القياس | العنصر الغذائي |
95.43 | جرام | الماء |
16 | كيلو كالوري | الطاقة |
0.69 | جرام | البروتين |
2.97 | جرام | الكربوهيدات |
1.6 | جرام | الألياف |
1.83 | جرام | السكريات |
المعادن | ||
40 | ملليجرام | الكالسيوم |
0.20 | ملليجرام | الحديد |
11 | ملليجرام | المنجنيز |
24 | ملليجرام | الفسفور |
260 | ملليجرام | البوتاسيوم |
80 | ملليجرام | الصوديوم |
0.13 | ملليجرام | الزنك |
0.035 | ملليجرام | النحاس |
0.103 | ملليجرام | المنجنيز |
4.0 | ميكروجرام | الفلورايد |
0.4 | ميكروجرام | السلنيوم |
الفيتامينات | ||
3.1 | ملليجرام | فيتامين ج |
0.021 | ملليجرام | الثيامين |
0.057 | ملليجرام | الريبوفلافين |
0.320 | ملليجرام | النياسين |
0.246 | ملليجرام | حمض البانتوثونيك |
0.074 | ملليجرام | فيتامين ب6 |
36 | ميكروجرام | الفولات |
449 | وحدة دولية | فيتامين أ |
0.27 | ملليجرام | فيتامين هـ |
29.3 | ميكروجرام | فيتامين ك |
عناصر أخرى | ||
270 | ميكروجرام | بيتا كاروتين |
283 | ميكروجرام | Lutein + zeaxanthin |
إعداد: د. مروة عزمي جنينة – أستاذ العلوم الزراعية