هل فكرت يوما في العمليات التصنيعية التي تمر بها علبة صغيرة من العصير حتى تصل إليك وتصبح جاهزة لإرواء عطشك؟
الأمر ليس سهلًا كما يتصور البعض؛ حيث تمر صناعة العصير بمراحل عديدة وطويلة تبدأ بانتخاب الثمار الصالحة للعصر مرورا بالعصر وعمليات ما بعد العصر حتى التعبئة والحفظ.
مراحل عديدة
تعال معنا – عزيزي القارئ – في هذه الجولة السريعة مع رحلة تصنيع كوب عصير، وهيا نكتشف سويًا جانبًا من خبايا وأسرار هذه الصناعة.
نوضح في البداية، أن العصائر مادة غذائية عالية الطاقة وغنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية، وقد زاد استهلاكها في السنوات الأخيرة بشكل كبير؛ بسبب طعمها المرغوب إضافة إلى دخولها كمكونات أساسية في بعض الصناعات.
وللحصول على كوب من العصير يتطلب الأمر المرور بمراحل عديدة نوجزها فيما يلي:
انتخاب الثمار
يفضل استخدام الأصناف البلدية عند تجهيز عصائر البرتقال والمانجو والفراولة؛ نظرًا لوفرة الطعم والنكهة والرائحة. ويجب أن تُنتخب الثمار تامة النضج والسليمة والخالية من الإصابات الفطرية والحشرية؛ حيث يكون اللون مكتملا.
التجهيز للعصر
تشمل هذه المرحلة عدة مراحل فرعية هي:
– فرز الثمار: لاستبعاد المصاب منها أو التالف أو الثمار المهشمة أو غير مكتملة النضج. وتجرى عملية الفرز يدويًا أثناء مرورها على السيور عبر الاستعانة بعمال مهرة مدربين.
– عملية الغسيل: تساعد هذه العملية على التخلص من الغبار العالق بأسطح الثمار وتقليل الحمل الميكروبي على هذه الثمار إضافة إلى التخلص من نسبة كبيرة من المبيدات الحشرية التي تستعمل في رش المزروعات. وتجرى عملية الغسيل بإحدى الطرق الآتية:
– النقع: يتم النقع في أحواض كبيرة مملوءة بالماء وعادة ما يضاف اليه محلول مطهر.
– الغسيل بالرشاشات: تمر الثمار على سير مثقب ويسلط عليها تيار الماء على صورة رذاذ من صنابير موجودة بأعلى السير. ويتم التحكم فى قوة ضخ هذه المياه وبعد مصدرها عن السير على حسب سمك جدار الثمرة وصلابته.
– الغسيل بالآلات الحلزونية: يتم استخدام اسطوانات أفقية بها فراغات تمر فيها الثمار حيث تدخل من أحد طرفيها وتخرج من الطرف الآخر وتحتوى الأسطوانات بداخلها على رشاشات من الماء الذي يتساقط على الثمار أثناء مرورها، ويحتوى هذا الماء على مادة مطهرة للمساعدة على التخلص من آثار المواد السامة التي قد توجد على أسطح الثمار، وقد تُزود الأسطوانات بفرش لدعك الثمار.
العصر
تختلف الطريقة المستخدمة في استخراج العصير من الثمار وفقا لمدى اقتصاديتها وتبعًا لاختلاف طبيعة توزيع العصير في الثمار ففي بعض الثمار يوجد العصير في جيوب عصيرية مثل الموالح وقد يوجد محيطًا بالبذرة مثل الرمان أو موزعا في كل الثمرة مثل التوت والفراولة. إضافة إلى الطبيعة التي توجد بها مركبات الطعم والنكهة واللون والرائحة وطبيعة وجود بعض المواد المؤثرة على الطعم واللون والنكهة.
ومن أهم الطرق المستخدمة في استخلاص العصير ما يلي:
– الكبس في آلات الكبس ذات الأقفاص.
– الكبس في آلات الكبس ذات الألواح المصنوعة من القماش.
وتستخدم الطريقتان السابقتان في عصر ثمار العنب والفراولة ومهروس ثمار التفاح.
– آلات العصر ذات الأقماع المخروطية وتستخدم هذه الطريقة مع الموالح.
– آلات العصر ذات السلندرات وتستخدم في عصر العنب.
– بعض العصارات المنزلية وعصارات الطماطم ذات المضارب الداخلية.
فصل المواد العالقة
تبقى في العصير بعض المواد العالقة غير المرغوبة، حيث تكسبه مظهرًا سيئًا وتسرع من تلفه، وللتخلص من هذه المواد العالقة يتم إجراء العمليات التالية:
– التصفية: تجرى هذه العملية لفصل الجزيئات العالقة كبيرة الحجم كالقشور والألياف الخشنة والبذور ويستخدم قماش المرمر في حالة الكميات الصغيرة أو تستخدم مصافي معدنية مثقبة حسب الغرض المستخدم فيه وحسب نوع العصير.
– الترشيح: تُجرى هذه العملية للتخلص من الجزيئات العالقة صغيرة الحجم ويستخدم لذلك نوع معين من القماش ضيق الثقوب.
– الترويق: تستخدم عدة طرق لإجراء الترويق منها ما يلي:
– الطرق الطبيعية: يُخزن العصير في مخازن باردة لفترة تتراوح بين شهر و5 شهور؛ حيث يحدث ترسيب تلقائي للمواد العالقة بفعل الجاذبية الأرضية.
– استخدام الحرارة: عبر استخدام الحرارة المرتفعة يحدث تجمع للمواد الغروية والتي ترسب بعد ذلك بترك العصير ساكنًا لفترة ثم يجرى عملية ترشيح لفصل هذه الرواسب. وقد تستخدم طريقة التجميد لترويق العصير وهذه الطريقة أكثر شيوعًا مع عصير العنب وكذلك التفاح نظرًا لتأثير الحرارة المرتفعة على هذه الأنواع من العصائر.
– استخدام إنزيمات محللة للبكتين: هى إفرازات بعض البكتريا والفطريات تلعب دورًا كبيرا في تحلل جزيء البكتين علاوة على خفض لزوجة العصير والمساعدة على تجميع الغرويات الموجودة بالعصير.
– استخدام بعض المستحضرات التجارية.
– الترويق بالطرد المركزي.
خلخلة الهواء من العصير
فى هذه العملية يتم التخلص من الأكسجين الذائب في العصير والموجود بين المسافات البينية في أنسجة الثمار وبالتالي تقل مخاطر إتلاف فيتامين ج بالأكسدة. ويضمن ذلك أيضًا عدم تغير لون وطعم العصير أو إحداث رغوة أثناء التعبئة وكذلك عدم تكوين الانتفاخ الغازي أو تفاعل الأكسجين مع معدن الصلب وتكوين الصدأ.
ويمكن إجراء عملية تفريغ العصير من الهواء إما عبر إحلال غاز النيتروجين الخامل محل الأكسجين بالعصير أو باستخدام الطريقة الإنزيمية.
حفظ العصير
تستخدم في حفظ عصائر الخضر والفاكهة طريقة أو أكثر من الطرق الآتية:
– الحفظ بدرجات الحرارة المرتفعة وتشمل أكثر من طريقة منها:
– البسترة: فى هذه الطريقة تستخدم درجات الحرارة التي لا تؤثر على خواص العصير الطبيعية وتستهدف هذه العملية القضاء على الميكروبات المرضية وتثبيط الإنزيمات الميكروبية أو الطبيعية. وتستخدم البسترة البطيئة أو البسترة السريعة ويلي عملية البسترة تعبئة العصير وهو ساخن ويحكم قفل العبوات وتقلب لتعقيم أغطيتها. ثم تبرد بسرعة حتى لا تؤثر درجة الحرارة على طعم العصير بتكوين الطعم المطبوخ.
– التعقيم: فى هذه الطريقة يعبأ العصير في العبوات الخاصة به ويحكم قفلها باللحام ثم يرفع درجة حرارتها للدرجة التي تتناسب مع طبيعة العصير.
– الحفظ بدرجات الحرارة المنخفضة:
العصائر التي يتم تجميدها بالطريقة الصحيحة تحتفظ بالكثير من خواصها الطبيعية من اللون والطعم الطازج وكذلك بقيمتها الغذائية.
– استخدام المواد الحافظة:
هناك بعض المواد الكيماوية المصرح باستخدامها قانونيًا وتتحدد نسبة إضافتها للعصائر بمعرفة الهيئات القائمة على التشريعات الغذائية ومراقبة الجودة. ويشترط فى هذه المواد ألا يكون لها تأثير على الصفات الحسية للعصير.
– الحفظ بالتجفيف:
في هذا النوع من الحفظ يتم تجميد العصير أولًا ثم ينقل الى جهاز تجميد تحت التفريغ والذي يستخدم فيه الحرارة لتحويل الرطوبة من الصورة الصلبة (الثلج) إلى بخار ماء مباشرة ثم يحفظ في عبوات مفرغة من الهواء أو يحل محل الهواء بها غاز النتروجين. وتصل نسبة الرطوبة في هذا المنتج إلى 2- 3% ويمتاز العصير المحفوظ بهذه الطريقة باحتفاظه بخواصه الطبيعية مقارنة بالطرق الأخرى من الحفظ.
تركيز العصائر
تعتبر عملية تركيز العصائر إحدى طرق الحفظ وإطالة فترة الحفظ وذلك برفع نسبة الجوامد الصلبة به لأكثر من 50% عن طريق خفض محتواه من الرطوبة.
ومن أهم مميزات العصير المركز: زيادة فترة حفظه وسهولة عملية الحفظ؛ حيث لا يخشى عليه من التداول تحت الظروف العادية ولا يحتاج لدرجة حرارة منخفضة لحفظه بل يمكن حفظه في درجة الحرارة العادية. كما يتميز بانخفاض تكاليف النقل والتخزين؛ نظرًا لأنه يشغل حيزا أقل بكثير من نظيره غير المركز ويمكن الاستفادة بالعصير المركز في تدعيم الصناعات الغذائية الأخرى كمنتجات المخابز والجيلى.. إلخ، فضلاً عن إمكانية تصنيعه بكميات كبيرة في فترة توفر الفواكه والخضراوات بسعر أقل وحفظه للفترات التي يشح فيها إنتاج الخضر والفاكهة وبسعر منخفض وطوال العام.
ولهذا السبب نجد أن مركزات العصائر هي المواد الخام الأساسية في صناعة العصائر.
وتعد صناعة مركزات الفواكه صناعة مستقلة في حد ذاتها، وتتركز في الدول ذات الإنتاجية المرتفعة من الفواكه مثل: إسبانيا وألمانيا وأمريكا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا ومصر.
وهناك طرق عديدة مستخدمة في تركيز العصير أهما ما يلي:
– التركيز بالتبخير:
يتم تبخير جزء من ماء العصير بالتسخين وذلك إما عبر التسخين في الجو العادي أو التسخين في جو مفرغ من الهواء.
– التركيز بالتجميد:
يتم تجميد ماء العصير وتحويله إلى بلورات ثلجية يتم فصلها بالطرد المركزي وتكرر عملية التجميد والطرد المركزي حتى يتم الحصول على النسبة المطلوبة من الجوامد الصلبة بالعصير (أكثر من 50%). ويعاب على هذه الطريقة: تكوين العكارة بالعصير وارتفاع لزوجة العصير وارتفاع تكاليف عملية التركيز فضلا عن احتياجها إلى خبرة ومهارة خاصة.
وتحفظ العصائر المركزة بعدة طرق تتراوح بين البسترة والتجميد واستخدام الكيماويات.
د.رمضان مصري هلال