كان من المتوقع بعد الإنجازات العلمية الرائعة التي تحققت خلال القرن العشرين في مجال الطب أن يعمر الإنسان لمائة وعشرين عامًا أو أكثر، ولكن الواقع كان مخالفًا لهذه التوقعات.
إذن.. لماذا لا تتزايد الأعمار؟
نادرًا ما يعمر الإنسان لأكثر من ثمانين عامًا، ويرجع هذا إلى أنه كلما تقدم الطب وقدم إنجازات كبيرة في سبيل المحافظة على صحة الإنسان لسنوات عديدة ومديدة استجدت أشياء تحول دون استمرارية تزايد عمر الإنسان..
من هذه الأشياء التلوث البيئي الذي أصبح يمثل مشكلة صحية ليست على البشرية فحسب بل على سائر الكائنات الحية، والذي أسهم الإنسان إسهامًا كبيرًا في تزايده، ما أسهم في إضافة مشكلات صحية أخرى بتدخين السجائر وتعاطيه الخمور والمسكرات، وإقباله على الماديات وافتقاره للراحة والاسترخاء والاستمتاع بالحياة.
وفوق كل ذلك قلة حركة الإنسان بسبب التقدم المذهل في وسائل المواصلات والإهمال في ممارسة الرياضة البدنية.
وكلما تقدم العمر بالإنسان انخفضت الكفاءة الوظيفية لمعظم أعضاء جسمه، فالشيخوخة ليست في تجاعيد الجلد وتغير مظهره فحسب، بل إنها تزحف أيضًا على القلب والكليتين والكبد والمخ والعضلات وجهاز المناعة والعظم والمفاصل والعين والأذن والأعصاب والفم والجهاز الهضمي وغيرها من أعضاء الجسم، ويصبح الإنسان أكثر تأثرًا بالأمراض.
وبدراسة العوامل التي تعجل بالشيخوخة وتمهد السبيل للإصابة بأمراضها تبيّن أن أهم هذه العوامل الإفراط في تناول الطعام، وخاصة اللحوم الحمراء والدهون الحيوانية والسكريات، وممارسة التدخين وتعاطي المخدرات والمسكرات، وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة البدنية، والتوتر والانفعالات الشديدة، والحقد والضغينة والكراهية والغضب الشديد، والإجهاد المتواصل دون أخذ قسط وافر من الراحة والاسترخاء والاستجمام والنوم المريح، وتلعب العوامل الوراثية دورًا مهمًا في التعجيل بمرحلة الشيخوخة والإصابة بأمراضها.
لتأخير الشيخوخة
ولقد أظهرت البحوث الحديثة أننا نستطيع أن نجدد شبابنا ونؤخر شيخوختنا بتناول الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة (مثل فيتامينات أ، ج، هـ وعنصر السيلينيوم)، وتتوافر مضادات الأكسدة في البرتقال والليمون والجريب فروت والجوافة والبرقوق والزبيب والعنب الأحمر والبنجر والبروكلي والكرنب والبصل والثوم، والزبادي وعسل النحل، والزيوت النباتية (وخاصةً زيوت الزيتون وبذرة الكتان وفول الصويا)، وزيت السمك، والأسماك، وتناول المكملات الغذائية الموجودة على هيئة مستحضرات صيدلانية وتحتوي على مضادات الأكسدة مثل فيتامينات أ، ج، هـ وعنصر السيلينيوم، والأعشاب الغنية بمضادات الأكسدة ومواد أخرى تؤخر الشيخوخة. وأوضحت البحوث أيضًا أن الإيمان وممارسة العبادات والحب والتسامح والتفاؤل والابتسام والضحك.. كلها عوامل تساعد على تجديد الشباب.. وقد أكدت دراسة حديثة نشرتها مجلة العلوم الأمريكية (Scientific American)، أهمية خفض السعرات الحرارية التي يتناولها الفرد يوميًا من 1500 سعرة، وهو متوسط سعرات الفرد يوميًا، إلى 750 سعرًا في اليوم الواحد، حيث يساعد تقليل السعرات في تأجيل الشيخوخة والوقاية من أمراضها، وخاصةً أمراض القلب والسكر والكلية والزهايمر والشلل الرعاش والسرطان وأمراض المناعة، وجميعها أمراض ترتفع نسبة الإصابة بها في كبار السن.
ومما يؤكد العلاقة بين تقليل السعرات وتأجيل الشيخوخة الدراسة التي أجريت على سكان بلدة في اليابان وأوضحت أن أفرادًا كثيرين منهم، بالمقارنة بأفراد في بلدان أخرى، يعمرون لأكثر من مائة عام، ونادرًا ما يصاب سكان هذه البلدة بأمراض الشيخوخة.
وبدراسة الأسباب اتضح أنهم يحصلون على سعرات حرارية من أطعمتهم اليومية بمقدار 70٪ مما يحصل عليه أفراد يعيشون في بلدان أخرى، وأنهم يحصلون على قدر كبير من هذه السعرات من الأسماك والخضراوات والفواكه.
هذه الحقيقية، وهي الاعتدال في تناول الطعام، قد أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: }.. وكلوا واشربوا ولا تسرفوا..{ كما أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه» وفي حديث أخر: «صوموا تصحّوا»، أي أن نقلل من مقدار الطعام الذي نتناوله، وبالتالي عدد السعرات.
الأعشاب والمضادات والشيخوخة:
احتلت الأعشاب مكانًا مميزًا في مقاومة الشيخوخة وعلاج أمراضها.
ولما كانت المواد المؤكسدة التي تتعرض لها خلايا أعضاء جسم الإنسان هي من أهم العوامل التي تعجل بالشيخوخة وتسبب الإصابة بأمراضها، فإن الأعشاب الغنية بمضادات الأكسدة قد تفيد في مقاومة الشيخوخة وأمراضها.
وفي السطور التالية نناقش أهم الأعشاب التي يتوفر فيها مضادات الأكسدة، كما تحتوي على عناصر أخرى تساعد على تجديد الشباب وعناصر تقاوم النسيان، وغيرها يساعد على تنشيط المناعة ضد الأمراض.
وهناك أعشاب تحتوي على مواد تساعد على تخفيض الكوليسترول في الدم، وبالتالي فإنها تقلل من احتمال الإصابة بأمراض القلب والشرايين، ومن الأعشاب ما يساعد على تنشيط الرغبة الجنسية ومقاومة العجز الجنسي.
الجنكو Ginkgo biloba:
استخدمت أوراق الجنكو بعد طحنها على هيئة مسحوق أو شراب لسنوات طويلة وفي عديد من الدول كمضاد لشيخوخة المخ، وبعد آلاف السنين من الاستعمال أعيد اكتشاف الجنكو مرة أخرى وأصبحت المستحضرات الصيدلانية التي تحتوي على الجنكو من أهم ما يستخدم لعلاج الشيخوخة، ولقد لاقت مستحضرات الجنكو اهتمامًا كبيرًا في أمريكا وألمانيا وفرنسا حيث يستخدمها عشرات الملايين، كما أصبحت هذه المستحضرات من أهم النباتات الطبية وأكثرها رواجًا في أوروبا خلال العشرين عامًا الماضية.
وتشير البحوث التي نشرت في المجلات العلمية المشهورة إلى أن الجنكو يساعد في تنشيط الدورة الدموية، مما يساعد على مقاومة الشيخوخة حيث تقل مرونة الأوعية الدموية ويزداد احتمال انسداد الشرايين، ولقد أظهرت الدراسات أن الجنكو يساعد على سريان الدم في الأوعية الدقيقة في المخ والقلب والأطراف، كما يساعد على تنشيط الذاكرة وتخفيف آلام العضلات وهناك بحوث تفيد بأن الجنكو يؤدي إلى زيادة تدفق الدم المحمل بالأكسجين إلى الأنسجة، وذلك بتوسيع الأوعية الدموية ومقاومة تكوين الجلطات بالأوعية الدموية.
ومن فوائد الجنكو أنه يحتوي على مضادات الأكسدة التي تساعد في وقاية خلايا المخ من الأثر المدمر للمواد المؤكسدة التي تسبب أمراض المخ وأمراضًا أخرى.
ولقد أظهرت البحوث الحديثة أن الجنكو يفيد في علاج الأعراض المبكرة لمرض الزهايمر، فهو يحسن الذاكرة واليقظة والحركة خلال شهر واحد من استخدام العشب، ولقد استخدم الجنكو بنجاح في علاج آلام الساق الناتجة عن قصور الإمداد الدموي لأنسجة الساق، وهو قصور يترتب عليه نقص إمداد العضلات بالأكسجين وزيادة تكوين المواد السامة بها، وهذا يؤدي إلى الإصابة بمرض يسمى العرج المتقطع، ومن فوائد الجنكو أيضًا أنه يقاوم الميكروبات التي تسبب أمراض اللثة، كما يساعد في علاج الدوار والدوخة وطنين الأذن وضعف السمع والعجز الجنسي.
الثوم والبصل:
يحتوي الثوم على مضادات الأكسدة ومواد أخرى تساعد على تخفيض مستوى كوليسترول الدم وضغط الدم المرتفع، ومنع تكوين الجلطات في الأوعية الدموية ومقاومة السرطان والالتهابات وشيخوخة خلايا المخ، ويساعد تناول الثوم على مقاومة البكتريا والفيروسات المسببة للأمراض.
ومن فوائد الثوم في مرحلة الشيخوخة أنه ينشط الذاكرة ويقوي المناعة ضد الأمراض، ويساعد في علاج القلق والاكتئاب والإجهاد ويفضل تناول الثوم الطازج، وذلك بتقطيع فص أو فصين إلى أربعة أجزاء وتناولها مع كوب ماء قبل الإفطار.
ويحتوي البصل على مضادات الأكسدة ومواد أخرى تساعد على تخفيض كولسترول الدم ومنع تكوين الجلطات ومقاومة النوبات القلبية، كما تساعد على مقاومة الجسم للسرطان، وهناك مواد تقاوم البكتريا والفطريات والفيروسات وتعالج الالتهابات.
الجنسنج:
علاوة على فوائد الجنسنج في تنشيط المناعة، فهو يساعد على زيادة التركيز الذهني ومقاومة التعب والإجهاد وتحسين الأداء البدني والقدرة على التحمل، والوقاية من السرطان وأمراض القلب والشرايين.
أ.د.عز الدين الدنشاري /أستاذ الأدوية والسموم
كلية الصيدلة، جامعة القاهرة