قد يتسبب الاستمرار في اجتثاث الغابات في المناطق الاستوائية والمدارية بوجه خاص في ضياع أكبر مخزون من الأعشاب والنباتات الطبية التي لم يكتشف العلماء بعد سوى غيض من فيض من أسرارها العلاجية والوقائية، بحسب تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية.
لغة الأرقام تشير إلى أن مساحة غابات العالم إلى ما قبل أفول شمس الألفية الثانية كانت تقدر بنحو 35 مليون كيلو متر مربع، نصفها تقريبًا في المناطق الاستوائية، ونصفها الآخر موزع بين المناطق المعتدلة والباردة.
وبحسب تقرير اللجنة الدولية للبيئة والتنمية التابعة للأمم المتحدة، فإن الغابات الاستوائية وحدها كانت ذات يوم تغطي ما يتراوح بين 1.5و1.6 مليار هكتار، وأن المعدل السنوي لما يتم اجتثاثه من أشجارها ونباتاتها يتراوح بين 6 و10 ملايين هيكتار، وأن من الغابات الرطبة الاستوائية البكر لم يعد سوى القليل خارج حوض الكونغو والنصف الغربي من حوض الأمازون، ورقعة من غابات جويانا، وجزء من الغابات الواقعة في جزيرة غينيا الجديدة.
ويحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن استمرار الطلب العالمي على الأخشاب وتزايد عدد المزارعين العاملين في أراضي الغابات والامتداد العمراني والصناعي الذي توغل داخلها، ربما يقضي تمامًا على ما تبقى من الغابات الاستوائية على نحو خاص خلال بضعة عقود فقط من الآن.
ولنا أن نتخيل حجم الكارثة إذا علمنا أن ما يتراوح بين 50 و80٪ من جميع أنواع النباتات والأشجار التي لا يمكن تعويضها بإقامة محميات صناعية، تشكل الغطاء الغابي في العالم، ناهيك عن التنوع الأحيائي الحيواني الذي يعاني قسم كبير منه هو الآخر خطر الانقراض.
رئة الأرض
وبخلاف المخاطر السابقة، فقد أفضت جل الدراسات والأبحاث البيئية الحديثة إلى أن الغابات هي الرئة الحقيقية للأرض والتي من خلالها تتنفس كافة المخلوقات وفي مقدمتها الإنسان، ويكفي للدلالة على ذلك أنها تقوم بضخ مئات الملايين من أطنان الأكسجين. وفي المقابل تمتص أشجار الغابات بلايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون، مخففة بذلك من عبئه الثقيل على البيئة، بل وتحويله إلى كتلة حيوية تمثل جزءًا رئيسًا من غذاء الإنسان والحيوان.
لقد ثبت علميًا أن هكتارًا واحدًا من أشجار الشوح والصنوبر مثلًا يمكنه امتصاص ما يتراوح بين 30 و35 طنًا من غازات الدفيئة . وترتفع النسبة لأشجار البلوط والسنديان؛ حيث تصل إلى نحو 68 طنًا من الغازات السامة.
أضف إلى ذلك أيضًا أن الغابات لها دور رئيس في حماية التربة ورفع معدلات خصوبتها وزيادة المخزون الأرضي من المياه الجوفية وهذا مثبت بالدراسات والأبحاث العلمية المستفيضة التي أشرف عليها نخبة من كبار خبراء الزراعة والبيئة في العالم.
إن الغطاء الغابي، الذي يعد متنفسًا لكائنات الأرض قاطبة، يشهد ومنذ عقود خلت حالة من العبث البشري التي تتمثل في اجتثاث مناطق غابية شاسعة لتحقيق مكاسب اقتصادية وقتية، وإنما هي في جوهرها اعتداء سافر على حقوق وثروات الأجيال القادمة.
وإذا لم يكن للغابات من فائدة – على كثرة فوائدها التي لا يمكن الاستغناء عنها للأجيال الحاضرة واللاحقة معًا – فيكفيها أنه مستودع أعشاب وأدوية العالم.. ونتساءل ألم يحن الأوان أن نحافظ على ما تبقى من هذا المخزون العشبي والدوائي الهائل؟!
إعداد: حسني عبدالحافظ