تشتهر مجتمعات عربية عديدة بتجهيز أكلات شتوية اعتقادًا بأنها تساعد على جلب الشعور بالدفء وتقي من أمراض الشتاء.
في المملكة العربية السعودية مثلاً يتناولون المرقوق والحليب بالزنجبيل… وفي العراق يأكلون البرمه أو الباجة… وفي مصر يكثرون من تناول شوربة العدس ومحشي الكرنب… وفي فلسطين يتفننون في عمل المفتول.
فهل صحيح أن للغذاء دور افي تدفئة الجسم، وهل توجد أغذية تقي من أمراض الشتاء، ولماذا يزيد وزن بعض الناس شتاء؟
وجبة شتوية متوازنة
في البداية يقول د.محمد صالح، رئيس قسم التغذية، بكلية العلوم الصحية للبنين بالدمام، إن الوجبة التي يتناولها الفرد في فصل الشتاء لا تختلف كثيرًا عن وجباته في الأيام العادية؛ حيث يجب أن يتناول وجبات متكاملة ومتوازنة.
ويوضح د.صالح أن الغذاء المتكامل والمتوازن يعطي الجسم الطاقة اللازمة لنشاطه ونموه ووقايته من الأمراض، فضلًا عن إمداده بالدفء؛ حيث يبدأ الجسم في هضم الطعام خلال فترة تتراوح بين 30 و60 دقيقة من تناوله، وينتج منه الحرارة التي تشعر الفرد بالدفء.
ويراعى عدم تقليل الدهون عن الحد الطبيعي لأن الدهون تحفظ حرارة الجسم، وتشكل عازلا بين البرودة والجسم. لكن ينصح بعدم المبالغة في استهلاك الأغذية الدسمة، وأن يتم التركيز على الزيوت النباتية، وتجنب الدهون الحيوانية قدر الإمكان.
ويفضل أن يتناول الفرد وجبة واحدة ساخنة على الأقل يوميا، وأن تكون هذه الوجبة هي وجبة العشاء.
ومن الأغذية التي ينصح بتناولها في فصل الشتاء، الخضراوات المطهوة، خاصة تلك التي تنمو قريبة من سطح التربة أو تحتها مثل البطاطا والبطاطس والملفوف والبروكلي والقلقاس؛ فهي تساعد على تدفئة الجسم، وهذا يفسر توافر معظم هذه الأغذية في فصل الشتاء.
وذلك على خلاف الخضراوات والفاكهة الطازجة؛ فهما يعتبران من الأغذية التي تساعد على البرودة؛ حيث إنها تهضم وتمتص بسرعة وبذلك لا تنتج طاقة تساعد في تدفئة الجسم. وتنمو في فصل الشتاء الحبوب والبقول، وتعتبران كذلك من الأغذية التي تبعث على الدفء؛ فهي سهلة الهضم، وينتج عن هضمها كمية حرارة تساعد في التدفئة، لكن يجب تقديمها ساخنة.
وعرف فوائد منقوع بعض الأعشاب الطبية في تدفئة الجسم ووقايته من الأمراض مثل: البابونج والمليسة والميرامية والقرفة واليانسون والشاي الأخضر، ويفضل أن تكون خالية من السكر.
ويجب أن يحصل الفرد على كفايته من الطعام؛ حيث إنه كلما كان الفرد جائعًا زاد إحساسه بالبرد.
لكن د.صالح يوضح أن ذلك لا يفهم منه أنه دعوة لتناول المزيد من الطعام، خاصة بالنسبة لمن يعانون زيادة الوزن. لكنها فرصة لأطفالنا الذين يأكلون كميات صغيرة من الطعام لا تفي باحتياجاتهم في فصل الصيف، حيث نحثهم على تناول كميات كافية في فصل الشتاء؛ حتى تنمو أجسامهم نموا سليما.
راقب وزنك
وفي هذا الصدد يوجه د.محيي الدين عمر لبنية، استشاري التغذية العلاجية، تحذيرا شديدا للناس في فصل الشتاء قائلًا لهم: «احترسوا من زيادة أوزانكم في هذا الفصل».
فقد وجدت دراسة حديثة أجراها (د.يانشينج ما) من مدرسة الطب بجامعة ماساتشوسيتس الأمريكية، أن الناس يستهلكون كميات أكبر من الطعام خلال فصل الشتاء؛ وهو ما يكسبهم نحو رطل إضافي من الوزن خلال هذا الفصل.
وذكرت الدراسة أن البعض لا يستطيع – في الغالب- أن يتخلص من هذا الوزن وخلال عشر سنوات يكتشف أنه أضاف 10 أرطال إضافية إلى وزن جسمه.
وذكر العلماء تفسيرين لذلك الأول يقول إن الطقس البارد يثير شهية الإنسان للطعام نحو الأغذية التي توفر سعرات حرارية كثيرة، والثاني يرى أن نقض إفراز هرمون سيروتنين مع قلة التعرض لضوء الشمس خلال فصل الشتاء يتسبب في الشعور بالإحباط وزيادة الشهية للطعام وبصفة خاصة للحلوى والأطعمة الكربوهيدراتية والدسمة.
ووفقًا لما سبق، ينصح د.لبنية بأن يراقب الأشخاص أوزانهم وأن يسعوا إلى ممارسة المزيد من التمارين الرياضة؛ حتى يتساوي مقدار الطاقة الداخلة للجسم مع مقدار الطاقة الخارجة من الجسم، ويتجنب الشخص حدوث زيادة في الوزن.
شح فيتامين د
وفي فصل الشتاء، تقل أيضًا فرص حصول الناس على كفايتهم من فيتامين د؛ حيث لا تكون أشعة الشمس قوية بالقدر الكافي لمساعدة أجسام الناس على بناء هذا الفيتامين.
وتزداد المعاناة بين أصحاب البشرة السمراء بصفة خاصة التي يعرف عنها أنها لا تنتج كمية كبيرة من هذا الفيتامين حتى بعد التعرض لضوء الشمس.
ولحل هذه المعضلة، تنصح كيلي سكانلون خبيرة التغذية الأمريكية بالإكثار من تناول الأطعمة المدعمة بفيتامين د مثل الحليب ومنتجاته، ومحاولة التعرض لضوء الشمس يوميًا خاصة في الصباح أو بعد العصر.
ولعل تعاطي الفيتامين (في شكل دواء خارجي) يعتبر حلاً مثاليًا. ويمكن أن تكون الأسماك الغنية بالدهون وخاصة السالمون والماكريل مصادر طبيعية لمن لا يفضل المصادر الصيدلانية للفيتامين. وقد تكفي حصة واحدة من هذه الأسماك لإمداد الجسم بـ90% من احتياجاته من هذا الفيتامين. وتعتبر لحوم الأعضاء الداخلية للحيوانات مثل القلب والكبد، وكذلك صفار البيض والفطر، من المصادر التي تحوي كميات لا بأس بها من فيتامين د.
درهم وقاية
فضلاً عما سبق، يتساءل بعضهم عن وجود أغذية ومشروبات تقوى مناعة الجسم وتقي من الأمراض التي تكثر الإصابة بها في فصل الشتاء خاصة الإنفلونزا.
وفي هذا الصدد يؤكد د.محمد صالح على مقولة «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، مشيرًا إلى أن التغذية الجيدة تعتبر أساس مقاومة وعلاج أمراض البرد. وينصح بتناول كمية كافية من السوائل لتعويض الفاقد في عملية الرشح، وأفضل السوائل هو الماء ويليه عصائر الفاكهة الطازجة. كما يراعى التقليل من الشاي والقهوة؛ فهي من المشروبات المدرة للبول.
ويجب الابتعاد عن الحليب واللبن في حالة نزلات البرد أو الإنفلونزا؛ فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الحليب واللبن يحتويان على مركبات تزيد من إفراز مادة الهستامين داخل الجسم، هذه المادة تساعد على احتقان الأنف وزيادة إفراز السوائل منها.
وينصح أيضًا بتقليل كمية الأسماك وعدد مرات تناولها أثناء البرد الشديد؛ حيث وجدت دراسة علمية أجريت عام 2005 أن تناول الأسماك في أثناء نزلات البرد يضعف جهاز المناعة، ويزيد من قوة فيروس الإنفلونزا وبخاصة النوع أ.
ويجب أن يتناول الشخص كميات كافية من السوائل إذا أصيب بفقد الشهية بسبب البرد أو نزلاته. ويجب أن يتناول أغذية خفيفة سهلة الهضم، مع التأكيد على الحساء والمرق الدافئ والسلطة الخضراء وقطع اللحم أو الدجاج اللينة.
وأكدت بعض الدراسات أن الجريب فرويت هو أفضل غذاء مقاوم لنزلات البرد والزكام والإنفلونزا؛ فهو غني جدًا بفيتامين ج، ويساعد الكبد على التخلص من السموم التي تنتج داخل الجسم. ومعروف أن الكبد هو الحصن الأول الذي يقوي الجهاز المناعي. ومن الناحية العلمية تساعد الأغذية ذات الأثر القلوي (ليست القلوية) الكبد على التخلص من السموم؛ لذلك نجد أن جميع الفواكه الحمضية (ما عدا الفراولة) لها أثر قلوي داخل الجسم وهي بذلك تساعد الكبد. ونظرًا لأن البرتقال وباقي الحمضيات بها نسبة سكر فإنها أقل فائدة من الجريب فروت. وينصح الخبراء بتناول حبة جريب فروت ولبها الأبيض المر يوميًا في فصل الشتاء للحماية من نزلات البرد. لكن لا يجب أن ننسى أن الجريب فروت يتداخل مع بعض الأدوية وبخاصة أدوية الكوليسترول والأدوية المهدئة وأدوية الحساسية.
ضد البرد
ويشير د.صالح إلى أهمية عدد من الأغذية والمشروبات عند الإصابة بنزلات البرد، ومنها ما يلي:
– فيتامين ج:
هناك جدل شديد عما إذا كان فيتامين ج يحمي الفرد من الإصابة بنزلات البرد من عدمه. لكن الدراسات التي ترفض وجود دور لفيتامين ج في الوقاية من نزلات البرد كانت دراسات قصيرة في حين أن الدراسات التي تؤكد دوره الوقائي كانت من الدراسات الطويلة. ويوصي المؤيدون لدور فيتامين ج الوقائي بأن يتناول الفرد جرعات كبيرة من فيتامين ج. لكن نظرًا للخوف من أن يصاب الفرد بالإسهال؛ ينصح بتناول كميات معقولة من الفاكهة الحمضية يوميًا.
وينصح مرضى الكلى بأن يقللوا من الفيتامين وبخاصة الذين يعانون حصوات الكلى؛ لما له من أضرار على هؤلاء المرضى. ويتوفر فيتامين ج في ثمار الحمضيات والكيوي والجوافة والفلفل الأخضر والفراولة والطماطم.
– الزنك:
إذا اعتمد الفرد على برنامج غذائي فقير في محتواه من الزنك؛ فسوف يعاني نقصا في خلايا النيتروفيل؛ وبذلك يصبح عرضة للإصابة بالأمراض المعدية ومنها نزلات البرد.وفي دراسة أجريت للتعرف على مدى فاعلية الزنك في علاج نزلات البرد، وجد الباحثون أن المرضى المصابين بالبرد والذين حصلوا على جرعات منتظمة من الزنك اختفت من عندهم أعراض البرد بشكل أسرع من الذين لم يحصلوا على الزنك. ومن الأغذية الغنية بالزنك: جميع أنواع اللحوم ولحوم الأعضاء مثل الكبد والكلى والقلب والطحال.
مرق الطيور:
أكدت الدراسات الحديثة أن مرق الدجاج يفيد في علاج والوقاية من حالات البرد، ويساعد في علاج الاحتقان. وقد يكون أفيد وأنفع لو أضيفت بعض الخضراوات لمرق الدجاج.
– عش الغراب:
ثبت أن بعض سلالات عش الغراب مثل الشييتاك والميتاك والرييشي تحتوي على مركبات تقوي من كفاءة جهاز المناعة وتحمي من الإصابة بنزلات البرد. ولا ننسى أن الكمأ من الأنواع الجيدة التي تنتشر في دول الخليج.
الأطعمة المتبلة:
تعالج بعض البهارات والتوابل الاحتقان الذي يحدث بسبب نزلات البرد مثل الشطة والفلفل والكاري والزعتر. لكن الشطة تسبب الشعور بالبرودة لأنها تطرد الحرارة من الجسم لذا يجب تحاشيها في فصل الشتاء ويفضل تناولها في الأيام الحارة.
– المشروبات الدافئة:
ينمو ويتكاثر الفيروس المسبب للبرد بسرعة عندما تكون درجة الحرارة عشرين درجة مئوية أو أقل. ويبدأ بسرعة في التوقف عن النمو في البيئة الدافئة؛ لذا يجب شرب مشروبات دافئة حتى نجعل بيئة الجسم دافئة ونحرم هذا الفيروس من الراحة والنمو. كما تعالج المشروبات الدافئة الاحتقان. وينصح بتناول المشروبات العشبية مثل الشاي والينسون والزعتر والقرفة؛ حيث تحتوي على مركبات مضادة للميكروبات والالتهابات. وتؤكد الأبحاث الحديثة أن الزنجبيل من المشروبات المفيدة جدًا؛ حيث إنه مضاد لنمو الفيروسات.
– قلل الحلويات:
تعتبر النيتروفييلات الموجود بالجسم وهي إحدى كرات الدم البيضاء مسؤولة عن حماية الجسم من الفيروسات. وتعمل الحلويات والسكريات على الحد من نشاط هذه الخلايا؛ لذلك فإنه من المفيد جدًا ألا نتناول الحلويات والمواد السكرية أثناء الإصابة بنزلات البرد.
– السيلينوم وفيتامين هـ
د.محيي الدين لبنية استشاري التغذية العلاجية، يقدم من جانبه عددا من النصائح الأخرى منها: تناول غذاء متوازن والتأكد من حصول الجسم على العناصر والفيتامينات التي تساعد على تقوية المناعة، ويذكر إلى جانب الزنك وفيتامين ج أهمية تناول ما يلي:
– فيتامين هـ: يوجد في اللوز والبندق وبذور دوار الشمس والبطاطا الحلوة وزيت دوار الشمس والقمح وزيته والكمثرى والأفوكادو.
– مركب بيتا كاروتين: يوجد في الجزر والبطاطا الحلوة والقرع العسلي والمانجو والفلفل الأحمر والبندورة والخضراوات الورقية الخضراء.
– عنصر السلينيوم: بذور دوار الشمس والرخويات البحرية وسمك التونة والكلى. كما ينصح د.لبنية بالإكثار من تناول الفواكه والخضراوات وعصائرها الطبيعية وخاصة ثمار الحمضيات بأنواعها والخضراوات الورقية التي توجد بوفرة في فصل الشتاء، وهي مصدر جيد للفيتامينات والأملاح المعدنية وخاصة فيتامين ج الذي يزيد مقاومة الجسم ضد أمراض البرد.ويشدد على ضرورة عدم نسيان وجود طبق سلطة الخضراوات على مائدة الطعام