الصحة والغذاء

لماذا تموت مليارات الخلايا بالجسم يوميًا؟

يشهد الجسم البشري يوميًا موت مليارات الخلايا، إما بشكل مفاجئ نتيجة لإصابات أو عدوى، أو بشكل منتظم كجزء من عملية تجديد الأنسجة. وقد كان العلماء يعتقدون سابقًا أن هناك نوعين رئيسيين لموت الخلايا: الموت الخلوي المبرمج، الذي يحدث بطريقة منظمة، والموت الخلوي غير المبرمج، الذي يحدث نتيجة لأضرار جسيمة. لكن الاكتشافات العلمية الحديثة كشفت عن تنوع كبير في آليات موت الخلايا، حيث تتأثر هذه الآليات بالعوامل البيئية والظروف المرضية التي يمر بها الجسم.

يؤكد الباحثون أن فهم آليات موت الخلايا يفتح آفاقًا جديدة لعلاج العديد من الأمراض، بدءًا من العدوى وحتى السرطان. فمن خلال تحديد الأسباب التي تؤدي إلى موت الخلايا، يمكن للعلماء تطوير استراتيجيات لحماية الخلايا السليمة والقضاء على الخلايا المريضة. وفي هذا السياق، يوضح الباحث مايكل أوفرهولتزر، المتخصص في علم أحياء الخلية بمركز سلون كيترينج التذكاري لعلاج السرطان، أن هناك تنوعًا كبيرًا في آليات موت الخلايا. وفي تصريحات لمجلة Knowable Magazine، أشار أوفرهولتزر إلى وجود أكثر من عشرين طريقة معروفة لموت الخلية الحية.

يمكن للخلية الحية أن تتعرض لمجموعة متنوعة من الأضرار التي تؤدي إلى موتها، مثل الإصابات، والحروق، والتسمم، ونقص الأكسجين، أو العدوى البكتيرية أو الفيروسية. وعندما تموت الخلية نتيجة لهذه الأضرار الخارجية، فإننا نطلق على هذه الظاهرة اسم “نخر”. من الأمثلة الشائعة على النخر الغرغرينة، وهي حالة تحدث عندما تفقد الخلايا إمدادات الدم اللازمة لها، مما يؤدي إلى موتها وتحللها. في الغرغرينة، تتحول الأنسجة المصابة عادة إلى اللون الأصفر أو الأبيض، وقد تتحول إلى سائل. ومن الأمراض التي تتسبب في الغرغرينة مرض السل الرئوي، حيث تدمر البكتيريا خلايا الرئة.

بخلاف النخر، هناك نوع آخر من موت الخلايا يسمى “الموت المبرمج” أو .Apoptosis يحدث هذا النوع من الموت بشكل منظم ومُخطط له، إما عند اكتمال دورة حياة الخلية أو عند تلفها أو عند عدم الحاجة إليها. يشرح الباحث ثيرومالا ديفي كانيجانتي، خبير المناعة في مستشفى سانت جود، أن هناك نوعين رئيسيين من الموت المبرمج: الموت الصامت والموت العنيف. يتميز الموت الصامت بسيره بهدوء دون إثارة استجابة من الجهاز المناعي. فعندما تموت الخلية بهذه الطريقة، فإنها تنكمش وتتفكك إلى أجزاء صغيرة يتم التخلص منها بسهولة من قبل الخلايا المجاورة، مما يحافظ على سلامة الأنسجة المحيطة.

على عكس الموت المبرمج الذي يتم بهدوء ودون إحداث أي ضرر للأنسجة المحيطة، يؤدي النخر إلى إطلاق محتويات الخلية المتحللة، مما يستدعي استجابة من الجهاز المناعي وتسبب الالتهاب. غالبًا ما يحدث هذا في حالات العدوى الفيروسية أو البكتيرية، حيث تقوم الخلية بتدمير نفسها لمنع انتشار العدوى وحماية الخلايا المجاورة.

في تجربة مثيرة للاهتمام، تمكن الباحثون من منع الخلايا من الموت المبرمج. ومع ذلك، لم تتوقف الخلايا عن الموت بل انتقلت إلى طريقة جديدة تسمى “النفاخ الخلوي” أو necroptosis . في هذه الحالة، تتضخم الخلية وتنفجر محررة محتوياتها، مما يؤدي إلى استجابة التهابية قوية. يعتقد العلماء أن هذه الآلية هي خط دفاع إضافي ضد الفيروسات التي تحاول منع الموت الخلوي المبرمج.

في دراسة أجراها فريق بحثي بقيادة ثيرومالا ديفي، تم اكتشاف آلية جديدة لموت الخلايا المناعية أطلق عليها اسم  PANoptosis. هذا النوع من الموت الخلوي، الذي يجمع بين عدة آليات، يحدث في حالات عدوى أو التهابات أو أورام معينة. خلال هذه العملية، تتجمع بروتينات خاصة داخل الخلية لتشكل ما يسمى بـ”PANoptosome”، والذي بدوره ينشط إنزيمات تقوم بثقب غشاء الخلية. يتسبب هذا الثقب في تسرب مواد معينة تنبه الخلايا المناعية الأخرى لوجود خطر. يعتقد الباحث ديفي أن تنوع آليات موت الخلايا يعكس الصراع المستمر بين الجهاز المناعي والميكروبات. ففي حين تحاول بعض الميكروبات منع موت الخلايا لتستغلها في التكاثر، فإن الخلايا تمتلك مجموعة متنوعة من الطرق للتضحية بالنفس لإطلاق إنذار مبكر وحماية الجسم.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم