الصحة والغذاء

للتخلص من السموم.. أساطير عن الطعام والصحة

وهب الخالق عز وجل للجسم الإنساني نظامًا متطورًا كفيلًا بجعل معظم السموم التي تدخله عن طريق الطعام أو سواه غير ضارة. ويطلق على هذه العملية (إزالة السمية).

ولكن عندما تفوق كمية السم الممتص قدرة الجسم على التعامل معها، يحدث التسمم. ومن الأخطاء الشائعة الاعتقاد بأن المرء يستطيع أن يزيل السمية من جسمه عن طريق النظام الغذائي، لأن الكبد هو من يتولى عمليًا إزالة السمية.

هلع أمة

وفي كتاب بعنوان: (هلع أمة)، يؤكد مؤلفاه ستانلي فيلدمان، وفينسنت ماركس، أن الظروف والمتغيرات سمحت لكثير ممن أطلقوا على أنفسهم علماء وخبراء في التغذية أن يهددوا حياتنا ويروجوا لإشاعات متعلقة بالأطعمة من الصعب جدًا التغلب عليها أو إيقافها.

 فأصبح هناك دائمًا أحد ما يحذرنا بأننا وعائلاتنا مهددون بنشاط يومي كان بالأمس القريب غير مؤذ، وأن الطعام الذي نأكله والهواء الذي نتنفسه والدواء الذي نتناوله يسمم أجسامنا. ولكن هذا الكتاب يذهب إلى ما وراء العناوين المروعة، ليكشف لنا عن الحقيقة المتعلقة بالصحة الجيدة والعلم السيئ، ويشق طريقه بين كثير من الأساطير التي تقال لنا عن الطعام والصحة.  

إن الأنظمة الغذائية التي يدعي بعض العارفين أنها تساعد الجسم في القيام بإزالة السمية من السموم الطبيعية والاصطناعية الموجودة في أطعمتنا بنفسه ليس لها أي فائدة على الإطلاق.  وهي صيغة محدثة للتنظيف أو التطهير.

فالأطعمة ولا سيما تلك التي يكون مصدرها نباتيًا، تحتوي على قدر كبير من المواد السامة مصدرها طبيعي وثابت، حيث تكون كثير من الخضراوات عادة غير صالحة للأكل، أو عسيرة الهضم، أو سامة، إلا إذا طهيت.

والكثير من أنواع الفاصولياء تكون سامة إلا إذا طبخ اليكتين الموجود فيها، بدرجة حرارة عالية مدة طويلة فتصبح آمنة للأكل. بل إن البطاطا غير الناضجة وغير المطبوخة ليست فقط غير لذيذة المذاق، بل قد تكون قاتلة إذا ما أطعمت للفئران.

لذلك فإن الطهو يعد أهم اختراع بشري عبر التاريخ، لأنه يجعل معظم مواد الأطعمة الخام مستساغة، ومغذية، وقابلة للهضم، كما يزيل سمية أطعمة أخرى.

ومع ذلك فإن الطعام الذي نأكله سوف يحتوي دائمًا على مواد قد تسبب لنا الضرر. ولحسن الحظ، فالجسم الإنساني لديه نظام متطور عال لجعل معظم السموم غير ضارة، ولكن عندما تفوق كمية السم الممتص إمكانية الجسم على التعامل معها عندها يحدث التسمم.

إزالة السمية

الدراسة العلمية المتعلقة بجعل السموم غير ضارة أو إزالة السمية، هي علم حديث نسبيًا. إن الطريقة الرئيسة التي يتخلص فيها الجسم جوهريًا من السم أو المواد غير المطلوبة، هي الإفراز الكلوي.

ومع ذلك، فإن الكيماويات التي تحل بالماء هي فقط المواد التي تفرز مع البول، فهي تهبط إلى الكبد لتحول المواد السامة غير القابلة للذوبان إلى مواد قابلة للذوبان، فتصبح جاهزة للإفراز الكلوي. وهناك مواد مثل رصاص المعادن والحديد والزئبق لا تزال سميتها بسهولة، وبذلك فهي تتراكم في الجسم.. إن التسمم بالزئبق العضوي هو حقيقي وقاتل، ولكنه لحسن الحظ نادر جدًا، إلا في الحالات التي تنجم عن التسمم الصناعي.

وقد بدأ مفهوم مصطلح  (إزالة السمية) يعني العملية التي يدخل فيها المرضى إلى المستشفى  ليتغلبوا على تأثيرات الإدمان على المخدرات، ومع ذلك، فإن هذه المداخلة لا تفعل الشيء الكثير، إلا أنها تكبح المادة الضارة، لتسرع من العملية الفعلية لإزالة السمية، ويحدد هذا بناء على الحالة الفيزيولوجية لكبد المريض وتركيبته الجينية، وتتواصل العملية بالمعدل السابق التحديد للحالة ذاتها. وهذا النمط من إزالة السمية قد يساعد في تصحيح العوز الغذائي الشائع لدى معاقري المخدرات والمدمنين على الكحول.

وأما عملية إزالة السمية الاستقلابية فتحدث بشكل رئيس، وليس حصريًا في الكبد، فهي توظف مجموعات كاملة من الأنزيمات التي تختلف من مجموعة نيفانات إلى أخرى. وهذه الأنزيمات هي التي تخلص الجسم من العقاقير الدوائية. بالإضافة إلى المواد السامة التي تنبعث من انحلال المواد الموجودة في أغذيتنا، مثل الحمض الأميني المشتق من البروتينات.

وظيفة الكبد

لقد جعل الخالق عز وجل وظيفة الكبد في محلها بشكل رائع؛ لتعمل بوصفها مصنعًا لإزالة السمية من الجسم، لكونها أول عضو يواجه من قبل الدم الآتي من الأمعاء، حاملًا سموم الغذاء بالإضافة إلى المغذيات.

وهناك ناقلات خاصة موجودة على جدار خلايا الكبد، تتعرف إلى كل المواد، وتزيل تلك التي من المحتمل أن تكون سامة، قبل أن تدخل إلى الدوران العام، وتصل إلى خلايا الجسم.

إن عملية تحويل المواد إلى مواد أخرى عالية الذوبان في الماء، وجاهزة للإفراز في البول، لا ينجم عنها دائمًا تشكيل مركبات أقل سمية؛ وعلى سبيل المثال: ففي تلك العملية يحول الكبد الكحول المثيلي، من مادة قليلة الضرر نسبيًا إلى فورمالدهيد العالي السمية. وبعض الأحيان قد تكون هذه العملية مؤذية. إن الطرد وإزالة السمية من قبل الكبد قد تمنع الدواء الذي يؤخذ عن طريق الفم من الوصول إلى باقي الجسم بشكل فاعل عن طريق عملية يشار إليها بظاهرة المرور الأول.

وهناك عدد لا بأس به من أشكال نادرة للضرر السمي الذي لا تستطيع طرق العلم الحديث تصحيحه. وأهم أشكال الضرر هذه تقع بسبب معادن معينة مثل الرصاص والزئبق والكاديموم والألومنيوم، التي لا يستطيع الكبد أن يتعامل معها.

ولحسن الحظ فإن حالات التسمم الناجمة عن تلك العناصر هي غير مألوفة. ويجب أن يكون تشخيصها صحيحًا؛ لأن معالجتها قد تكون خطرة.  وتعد كميات تلك المعادن التي تستهلك عادة في منتهى الصغر، ولكننا الآن نستطيع أن نقيسها باستخدام تقنيات تحليلية حساسة وممتازة ومتوافرة لدينا.

وفي الحقيقة، فإن التأثيرات السامة تحدث فقط في حالات التعرض الصناعي طويل الأمد، أو التلوث، أو الطعام والشراب الملوث، أو الإصابة بأمراض وراثية نادرة. وللمركبات الكيماوية متلاحمة الذرات مكانتها في معالجة تلك الحالات النادرة.

وهذه المركبات هي كيماويات تعلق بقوة بمعادن معينة، وتجعلها قابلة للإفراز عن طريق البول. وهي ليست خالية من الخطر، وإنه لمن عدم المسؤولية أن يروج لاستخدامها في حال عدم وجود دواع واضحة لاستعمالها، ولا ينبغي استخدامها أبدًا لتخليص الجسم من كميات المعادن الضئيلة، غير الرئيسة، وغير الضارة، التي توجد عادة في أطعمتنا.

نقائص الطهي

مع أن الطهو قد يكون من أعظم اختراعات الإنسان لإزالة السمية، فإن له نقائص عديدة؛ إذ إن بعض طرق الطبخ قد تقلل من كمية المغذيات، ولا سيما الفيتامينات الموجودة في الطعام، وبعض الطرق الأخرى قد تنتج عناصر تسبب مرض السرطان للحيوانات.

ويستثنى من ذلك طرق الغلي والتهبيل. وفي الماضي أشير وبشكل خاص إلى أن الشواء قد ينتج مواد مسرطنة من مقومات غير ضارة على الإطلاق. وفي عام 2002 أثار العلماء السويديون الذين كانوا يعملون تحت مظلة مخابر الإدارة الوطنية للأطعمة ضجة كبيرة في الساحة، عندما اكتشفوا أن بعض الأطعمة المطبوخة تحتوي على الأكريلاميد المتلف للنسيج العصبي.

وقد تمكنوا من فعل ذلك لأن أساليب التحليل الحديثة تستطيع أن تكشف وتقيس أقل الكميات ضآلة في أي شيء طالما هناك بحث جار عنها. وليس هناك أدنى شك في أننا كنا نأكل طعامًا ملوثًا بالأكريلاميد منذ أن بدأت مزاولة الطبخ. وأن الخوف الحالي ناجم عن الواقع بأننا لم ندرك ذلك إلا مؤخرًا.

إن الأكريلاميد يتشكل عند استخدام طريقة الطهو التي تعتمد على إخضاع الطعام لحرارة عالية. إن طريقة القلي والشي والخبز تعرض الطعام لإنتاج الأكريلاميد أكثر من غيرها كثيرًا.

سمية الأكريلاميد

لم تعد مادة الأكريلاميد سامة إلا منذ نحو عشرين عامًا، عندما ظهر أنها عندما أضيفت إلى أطعمة حيوانات المخابر، أدت إلى إتلاف جهازها العصبي. ونتيجة لذلك فقد وجد أنها تحمل مواد مسرطنة ضئيلة، وتحت الظروف نفسها.

لقد كان الأمر مقضيًا لولا أنه لم يكتشف أن الأكريلاميد موجود في أنواع متعددة من منتجات الأطعمة. وأثار هذا الأمر قلقًا حول سلامتها. وقد تركز القلق حول الأطعمة المحضرة صناعيًا، وليس حول الأطعمة المطبوخة في المنازل. وكانت المذمة متعلقة بالأطعمة التي وصفت بأنها أطعمة رديئة واستخدم وجود الأكريلاميد بوصفه سلاحًا لتشويه سمعتها. وفي بداية القرن الحالي بذلت كمية هائلة من الطاقة من قبل باحثي صناعة الأطعمة لتحديد ظروف الطبخ التي تشجع تشكيل الأكريلاميد، وكيفية التقليل منها. وفي أثناء ذلك أجرى باحثو العلاج واختصاصيو  الوبائيات دراسات تتعلق بتحديد ماهية سمية كمية الأكريلاميد الضئيلة الموجودة في أطعمتنا.

ولم تتوصل أي من الإحصائيات الوبائية المتعددة الواسعة التي بحثت في احتمالات تسبب الأكريلاميد الموجود في الأطعمة لمرض السرطان، (على سبيل المثال الخبز المحمص، ورقائق البطاطا والقهوة) إلى أي ارتباط بين تناول الأكريلاميد المحسوب وطويل الأمد، وبين أي نمط من أمراض السرطان، أو أي مرض آخر بهذا الشأن.

إن مادتي الأكريلاميد والزئبق هما شكلان مختلفان من المقومات الموجودة في أطعمتنا التي نتناولها يوميًا. وإن أي محاولة للتقليل من استهلاكها يجب أن تواجه بالتشجيع، ولكن المخاطر قليلة جدًا، بحيث لا يوجد هناك أي داع للتوقف عن أكل أكثر الأطعمة المغذية لنا. ومن المهم أن نبتعد عن أكل أطعمة معينة من المنظور نفسه. ويكون هذا عادة، وفي حالات الزئبق الموجود في السمك، والأكريلاميد الموجود في الأطعمة الجاهزة أمرًا مبالغًا فيه إلى درجة تجعله مبهمًا، ودون معنى.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم