نعرض بمناسبة شهر رمضان الفضيل مجموعة متنوعة من فتاوى الصيام التي تهم المرضى، شفاهم الله، كما تهم الأصحاء متعهم الله بالصحة والعافية، والتي تعين الصائم على الالتزام بالضوابط الشرعية التي ينبغي أن يلتزم بها المسلم في شهر رمضان، و يجيب على فتاوى رمضان مجموعة من كبار العلماء والفقهاء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
استثمار الوقت في رمضان
السؤال:
أنا شاب أطلب العلم، ومتردد ماذا أصنع في رمضان؟ هل أراجع حفظي أو أحفظ شيئًا جديدًا أو أراجع في كتب أهل العلم أو أجعل كامل وقتي أو جُلّه للتلاوة فقط؟
الجواب:
ذكر العلماء أن هذه المسائل مما تختلف فيه الأفضلية؛ فأحيانًا يكون هناك وقت الأفضل فيه الجهاد في سبيل الله، ووقت آخر الأفضل فيه قراءة القرآن، ووقت آخر الأفضل فيه -بالنسبة لبعض الناس- طلب العلم.
ومن هنا فإنني أقول: بالنسبة لرمضان ولأنه وقت محدود، أنصحك بأن تركز فيه على قراءة القرآن وحفظه ومذاكرة ما سبق من حفظه والزيادة في تلاوته، وتجمع إلى ذلك شيئًا من طلب العلم. بعبارة أخرى، ألا تغفل عن طلب العلم؛ لأنني أظن -والله أعلم- أن الإنسان ربما يمل فيما لو استمر -في رمضان أو غيره- على وتيرة واحدة، فإذا جعل غالب وقته لحفظ القرآن وتلاوته، وجعل أيضًا له بعض الوقت لمدارسة بعض أنواع العلم، فهذا لا بأس به.
استعمال حبوب منع الحيض
السؤال:
إني أكلت حبوب المنع في رمضان، هل أنا أصوم الأيام التي أكلت فيها الحبوب في رمضان مع أني أصوم وأصلي مع الناس وآكلهن، هل يلحقني منهن شيء أم لا؟
الجواب:
يجوز للمرأة أن تتناول ما يؤخر العادة عنها من أجل مناسبة حج أو عمرة أو صيام رمضان، إذا لم يترتب عليها ضرر بسبب ذلك، وليس عليكِ قضاء تلك الأيام التي ارتفع دمها؛ بسبب الحبوب وصمتيها مع الناس.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
استخدام الطيب في نهار رمضان
السؤال:
هل التطيب بالروائح مشروع في رمضان؟
الجواب:
يجوز التطيب في رمضان، ولا يفسد بذلك الصيام.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: (الروائح مطلقًا عطرية وغير عطرية لا تفسد الصوم في رمضان وغيره فرضًا أو نفلاً).
وقالت اللجنة أيضًا: (من تطيب بأي نوع من أنواع الطيب في نهار رمضان وهو صائم، لم يفسد صومه، لكنه لا يستنشق البخور والطيب المسحوق كمسحوق المسك)[1].
وقال الشيخ ابن عثيمين: وأما الطيب فجائز للصائم في أول النهار وفي آخره، سواء كان الطيب بخورًا أو دهنًا أو غير ذلك، إلا أنه لا يجوز أن يستنشق البخور؛ لأن البخور له أجزاء محسوسة مشاهدة إذا استنشقته تصاعدت داخل أنفه ثم إلى معدته؛ ولهذا قال النبي للقيط بن صبرة: “بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا”[2].
استعمال معجون الأسنان
السؤال:
ما حكم استعمال معجون الأسنان للصائم في نهار رمضان؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فاستعمال المعجون للصائم لا بأس به إذا لم ينزل إلى معدته، ولكن الأولى عدم استعماله؛ لأن له نفوذًا قويًّا قد ينفذ إلى المعدة والإنسان لا يشعر به، ولهذا قال النبي للقيط بن صبرة: “بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا”.فالأولى ألا يستعمل الصائم المعجون، والأمر واسع، فإذا أخّره حتى أفطر فيكون قد توقى ما يُخشى أن يكون به فساد الصوم.والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
استعمال البخاخة لمرضى الربو
السؤال:
أنا مريض بالربو، فهل يؤثر على صيامي استخدام البخاخ الخاص بالربو عندما أحتاجه؛ حيث إنني أحيانًا أختنق؟
الإجابة:
عليك التحمل والصبر ما استطعت وقدرت على الصبر عنه، فإذا لم تقدر جاز لك استخدام هذا البخاخ الخاص به بقدر الحاجة والضرورة. ولعل ذلك لا يخل بالصوم؛ لأنه لا يدخل في مجرى الطعام والشراب، وإنما هو مع مجرى النفس فهو شبيه بالغبار ودخان النار الذي يشمه الإنسان بدون قصد، فأنت مضطر إلى هذا البخاخ طوال حياتك، أو حتى يزول أثر الربو ويتم الشفاء.والله أعلم.
حكم الغسيل الكلوي
السؤال:
يوجد بعض المرضى -شفاهم الله- تتعطل كلاهم عن العمل مما يضطرهم إلى ما يسمى بالغسيل، وهو أنه هناك كلية صناعية تقوم بتطهير الدم وتنقيته من الشوائب، وذلك في الأسبوع مرتين أو ثلاث، بحيث يخرج دم الإنسان كله من جسده بأنبوب آخر بعد التنقية، مع أنه يضاف للدم داخل الكلية الصناعية بعض المواد المطهرة، ولولا هذا العمل لتعرضت حياة الإنسان للموت بسبب تعطل الكلى، فهذا الأمر ضروري.فهل يؤثر الغسيل على الصيام إذا كان الإنسان صائمًا؟ علمًا بأن هذا ضرورة له ويشق عليه أن يفطر ويقضي وجسمه لا يستفيد سوى تنقية الدم من الشوائب، وقد كثر التساؤل. أرجو من سماحتكم الإفادة، جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
جرت الكتابة لكل من: سعادة مدير مستشفى الملك فيصل التخصصي بالخطاب رقم 1756/2 في 14/8/1406هـ، وسعادة مدير مستشفى القوات المسلحة بالرياض بالخطاب رقم 1757/2 في 4/8/1406هـ للإفادة عن صفة واقع غسيل الكلى، وعن خلطه بالمواد الكيماوية، وهل تشتمل على نوع من الغذاء.
وقد وردت الإجابة منهما بالخطاب رقم 5693 في 27/8/ 1406هـ ورقم (10/ 16/ 7807) في 19/8/1406هـ بما مضمونه: أن غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة (كلية صناعية) تتولى تنقيته ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيماوية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم.وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي بواسطة أهل الخبرة، أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام.وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
النوم أثناء الصيام
السؤال:
ما حكم النوم طوال ساعات النهار في رمضان؟ وما حكم صيام من ينام عن الصلاة المفروضة؟ وإذا كان يستيقظ لأداء الفرض ثم ينام، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا السؤال تضمن حالين؛ الحال الأولى: رجل ينام طوال النهار ولا يستيقظ، ولا شك أن هذا جانٍ على نفسه، وعاصٍ لله عز وجل بتركه الصلاة في أوقاتها، وإذا كان من أهل الجماعة فقد أضاف إلى ذلك ترك الجماعة أيضًا، وهو حرام عليه ومنقص لصومه، وما مثله إلا مثل من يبني قصرًا ويهدم مصرًا، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقوم ويؤدي الصلاة في أوقاتها حسب ما أمر الله تعالى بها، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
أما الحال الثانية: وهي حال من يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة، فهذا ليس بآثم، لكنه فوَّت على نفسه خيرًا كثيرًا؛ لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم، حتى يجمع في صيامه عبادات شتى، والإنسان إذا عوَّد نفسه ومرَّنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك، وإذا عود نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك، وصعبت عليه العبادات والأعمال في حال الصيام.
فنصيحتي لهذا ألا يستوعب وقت صيامه في نومه، فليحرص على العبادة. وقد يسر الله -والحمد لله- في وقتنا هذا للصائم ما يزيل عنه مشقة الصوم، من المكيفات وغيرها؛ مما يهون عليه الصيام. والله المستعان.
صيام مرضى السكري
السؤال:
منذ 14 شهرًا وأنا أعاني من مرض السكري من الدرجة الثانية وهو معروف بداء السكري الذي لا يحتاج لتناول الأنسولين. أنا لا أتناول أية علاجات، لكني أتبع حمية غذائية، وأمارس القليل من التمارين الرياضية؛ لأبقي مستوى السكر في الحدود المناسبة.
في شهر رمضان الماضي قمت بصيام بعض الأيام لكني لم أتمكن من إتمام الصيام لانخفاض معدل السكر عندي، أما الآن فأنا أشعر بأني أفضل حالاً (ولله الحمد)، لكني أشعر بألم في رأسي فقط عند الصيام.. فهل عليَّ أن أصوم بغض النظر عن مرضي؟ هل يمكنني أن أختبر مستوى السكر في الدم وأنا صائم؛ لأنه يحتاج لأخذ دم من الأصبع؟
الجواب:
الحمد لله، المشروع للمريض الإفطار في شهر رمضان إذا كان الصوم يضرُّه أو يشقّ عليه، أو كان يحتاج إلى علاج في النهار بأنواع الحبوب والأشربة ونحوها مما يؤكل ويشرب، لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. ولقول النبي : “إن الله يحب أن تُؤتى رخصه، كما يكره أن تُؤتى معصيته”، وفي رواية أخرى: “كما يحبُّ أن تُؤتى عزائمه”. أما أخذ الدم من الوريد للتحليل أو غيره فالصحيح أنه لا يفطِّر الصائم، لكن إذا كثر فالأولى تأجيله إلى الليل، فإن فعله في النهار فالأحوط القضاء تشبيهًا له بالحجامة”.
والمريض له أحوال:
الأول: ألا يتأثّر بالصوم، مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، ووجع الضرس، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحلُّ له أن يفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحلّ له للآية {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185]. ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلَّل بعلّة وهي أن يكون الفطر أرفق به، فحينئذ نقول له: الفطر أفضل، أما إذا كان لا يتأثّر فإنّه لا يجوز له الفطر ويجب عليه الصوم.
والحال الثاني: إذا كان يشقُّ عليه الصوم ولا يضرّه، فهذا يكره له أن يصوم، ويسنُّ له أن يفطر.
الحال الثالث: إذا كان يشقّ عليه الصوم ويضرّه، كرجلٍ مصاب بمرض الكُلى أو مرض السكّر، وما أشبه ذلك ويضرّه الصوم، فالصوم عليه حرام. وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين والمرضى الذين يشقّ عليهم الصوم وربّما يضرّهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا، فنقول: إن هؤلاء قد أخطئوا حيث لم يقبلوا كرم الله ، ولم يقبلوا رخصته، وأضرُّوا بأنفسهم، والله يقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29].
………………..
المصادر/
[1] فتاوى اللجنة الدائمة 10/271- الشيخ صالح العثيمين – موقع الشيخ ابن جبرين