الصحة والغذاء

غذاؤك.. يحدد طبيعة عملك

ترتبط صحة الإنسان في جميع مراحل حياته بغذائه، وبخاصة مع زيادة انتشار أمراض سوء التغذية وأمراض السمنة نتيجة تركيب الوجبات بصورة خاطئة أو تناول وجبات لا يحتاج إليها الجسم فعلًا. هذا ما أكدته الدراسات الحديثة أخيرًا، إذ ثبت أن تحقيق التوازن الذهني والعضلي السليم لا يتم إلا بتناول الوجبات التي يحتاج إليها الجسم حسب المجهود الذي يبذله، فالمخ يصبح أكثر ذكاءً إذا تناول الشخص أطعمة معينة، كما أن الإنسان يتحمل المجهود الشاق إذا ما تناول الغذاء والطاقة التي يحتاج إليها، ما يعني أن كفاءته في العمل يرسم ملامحها نوعية الغذاء الذي يتناوله، لاسيما خلال فترة عمله.. مزيد من التفاصيل حول ارتباط الكفاءة الوظيفية والغذاء نتعرف إليها في السطور التالية.

هناك بعض المهن تحتاج إلى مجهود ذهني أو عضلي معين، ما يستلزم تقسيم الفئات إلى أصحاب المهن الذهنية مثل الصحفي والمفكر والطبيب والمحامي وغيرهم، وأصحاب المهن ذات المجهود العضلي مثل العمال والحرفيين والصناع والبائعين وغيرهم، كذلك أصحاب المهن في بيئة غير ملائمة وهؤلاء يقومون بمجهود شاق إلى جانب ظروف مناخية صعبة، كالعمل في مصانع الكيماويات والبلاستيك والمحاجر وغيرها من الظروف الخاصة، وعمل كل فئة من الفئات السابقة يحتاج إلى نوعية معينة من الغذاء.

أطعمة المفكرين

إن أصحاب المجهود العصبي أو من يعتمدون على الذكاء في إنجاز أعمالهم، أي أصحاب المهن ذات المجهود الذهني، فالطاقة غير لازمة بالنسبة لهم إلا بنسبة الشخص العادي؛ أي يحتاج من 2000 إلى 2400 سعر حراري في اليوم.

ويمكن أن يتناولوا السكريات والنشويات بنسب قليلة، لأنهم لو تجاوزوا الحد المسموح من الأغذية المولدة للطاقة فقد يتعرضون لخطر السمنة، لأن الجسم سوف يختزن الدهون في صورة شحوم متراكمة، أما بالنسبة لما يحتاجونه من أطعمة فلابد من توفير مركبات مثل «السيراتمين، الدوبامين، الاستايل كولين» وهذه المركبات هي المسؤولة عن نقل الإشارات العصبية من المخ إلى باقي أعضاء الجسم، وتتوافر هذه المركبات في مواد غذائية معينة مثل اللحوم والأسماك والدواجن وبعض البقول بكميات أقل؛ كذلك مادة «الكولين» وتوجد في الكبد والمخ والكلاوي والخضراوات.

ثم إنه لكي ينتج الجسم المركبات السابقة بصورة صحيحة، لا بد أن يتوافر فيتامين «ب» المركب، وهو فيتامين مهم جدًا للجهاز العصبي، ويتوافر في الأحماض الأمينية، كذلك يحتاج المخ للكالسيوم الذي يتوافر في اللبن والزبادي، وللفوسفور الذي يتوفر في «الأسماك بأنواعها، واللبن، والخضراوات الخضراء».

أطعمة الطاقة

أما فئة أصحاب المجهود العضلي والشاق فيحتاجون إلى الطاقة بصورة دائمة، وبكميات مضاعفة، لأنهم يعتمدون على الجسم في بذل الجهد، لكن الأمر يحتاج إلى تنظيم الوجبات حتى يتوافر للجسم ما يحتاجه من الغذاء.. فمن يعملون في المحاجر أو تسوية الطرق والكباري والرياضيين ممن يبذلون أقصى طاقاتهم يحتاجون إلى مد أجسامهم بالغذاء اللازم بالطاقة، لذا من المهم أن تحتوي وجباتهم على سعرات حرارية وبروتينات ونشويات عالية، وتوجد بكميات كبيرة في عسل النحل والعسل الأسود والمواد السكرية بأنواعها، ومن أجل حرق السكريات يجب إعطاء الجسم فيتامين «ب» المركب أيضًا، والموجود في الحبوب والبقول والخضراوات الخضراء الورقية كالخس والجرجير، كذلك لابد أن تحتوي الوجبة على نشويات مثل الأرز والمكرونة، كما ينبغي أن يتضمن غذاؤهم وجبتين على الأقل تحتويان على البروتين الموجود في اللحوم الحمراء والبيضاء.

أطعمة وسطية

أما عن أصحاب المهن التي تتضمن مجهودًا بدنيًا وذهنيًا في الوقت نفسه، كمن يعملون بمصانع الأسمدة والغزل والنسيج والحرير والمحاجر وغيرها من الأعمال فيتعرض لملوثات بيئية تتسبب عند دخولها لجسم الإنسان بالعديد من المضاعفات، ولكي يقاوم الجسم هذه المضاعفات الخطرة قد يكون الحل في وجبات تقوي جهاز المناعة، وتمنح الجسم مانعًا للأكسدة، مثل الأطعمة التي تحتوي على فيتامين «ج» الذي يتوفر في الموالح والجوافة والخضراوات الورقية والجزر والطماطم والبطاطا، كذلك تناول الأطعمة التي تحتوي على فيتامين «هـ» المتوفر بزيت جنيني القمح وزيت جنيني الذرة.

وينبغي أن يكون البرنامج الغذائي مضادًا للأكسدة، بتضمنه أغذية طبيعية وغير مصنعة مثل الخضراوات وتشمل القرنبيط، السبانخ، الثوم، البصل، الفجل، الجزر، الفلفل الأخضر، البقدونس، الخس، الطماطم، الكوسة، وأيضًا الفواكه لاسيما العنب، الرمان، البطيخ، الخوخ، الفراولة، التوت، التمر، التين، الأناناس، المشمش، فضلا عن الحبوب والبقوليات، أيضا تناول اللبن والزبادي بصورة منظمة، وذلك من أجل حماية الرئة من المواد المتطايرة أثناء عمل الماكينات والآلات بالمصنع حتى يتم تخليص الجسم من تأثير هذه المواد، كما لابد من المحافظة على انتظام الوجبات الغذائية، وتوفير وجبات متوازنة وعناصر غذائية كاملة تتضمن البروتينات والنشويات والخضراوات المختلفة والفواكه.

أكلات الإشارات العصبية

تختلف وجبات الشخص العادي عن وجبات أصحاب المهن الشاقة، فالإنسان العادي لا يحتاج في غذائه إلا لقليل من الأملاح والفيتامينات وأقل نسبة من النشويات والدهون، ولا يبالغ في تناول الأطعمة حتى لا يتعرض لمخاطر السمنة وأمراض القلب.

أما من يعملون في مهن شاقة، ومن يعملون بالمهن التي تعرض أصحابها لمخاطر تستنزف جهدهم وطاقتهم، فإنهم في حاجة إلى أغذية تتوفر على قدر كبير من السعرات الحرارية والنشويات والبروتينات إلى جانب الأكلات التي تساعد على بذل الإشارات العصبية إلى كامل أعضاء الجسم.

ومن المعلوم أن كرات الدم الحمراء تتجدد كل ثلاثة أشهر تقريبًا، كذلك خلايا الجسم تتجدد باستمرار، وكلها تعتمد على نوعية الغذاء، فنوعية الغذاء الذي نتناوله لمدة 3 أشهر على سبيل المثال تحدد مدى جودة الدم الذي تعتمد عليه جميع أعضاء الجسم، فإن واظبت على تناول أغذية طبيعية من فاكهة وخضراوات وحبوب وبقول وأسماك ولحوم ومكسرات خلال هذه الفترة، مع الابتعاد عن التدخين والملوثات الأخرى، والمحافظة على التمارين الرياضية تكون على الطريق الصحيح لجسم قادر على الانتاج والعمل بقوة، ومن أجل استيفاء حاجات الجسم هنا لابد من توفير التنوع الغذائي في هذه الوجبات، ما يعني أن كل يوم وجبات متنوعة بين اللحوم والأسماك والدواجن، فضلا عن النشويات والدهون.

لكن يجب الحذر من الإفراط في تناول هذه الأطعمة، حتى لا تؤدي إلى السمنة التي تسبب بدورها العديد من الأمراض على رأسها أمراض القلب، وفي هذا الصدد توصي منظمة الصحة العالمية بتناول أطعمة تحتوي على الكولسترول بنسبة لا تتعدى 300 مليجرام للفرد في اليوم. والحذر في تناول الأطعمة التي تتضمن الملح اليودي، ومستخلصات البهارات الحارة التي قد تضر بالجسم، ولا تفيده كثيرًا.

يحد ولا يعوض

وهناك رأي آخر في علاقة الغذاء بالعمل، إذ لا يكمن للغذاء أن يعوض العامل الذي يتعرض لمخاطر التلوث والمركبات الكيميائية مثلاً بسياج آمن يحمي صحته تمامًا، لكنه فقط يحد من الأضرار الناتجة عن مخاطر التلوث، وفي هذه الحالة تحاول إعطاء بعض النصائح العامة أهمها:

إن الجسم دائمًا في حاجة إلى الطاقة، حيث تحتاج كل خلية إلى الطاقة لتؤدي عملها وبالتالي تنتج الطاقة بنفسها، ما يستلزم توفير فيتامينات أساسية منها ب، أ، ب2، ب6، ونياسين وبيوتين + معدن الماغنسيوم لكي تتحول الطاقة الكيميائية لطاقة ميكانيكية تحتاجها عضلات الجسم، فضلاً عن الزبادي الذي يوفر الكالسيوم، الذي يسهل حركة العضلات للقيام بالعمل الحركي، فأثناء عملية الانقباض والارتخاء في العضلات تقوم الطاقة المحولة من الغذاء لتعوض الجسم عما يفقده أثناء قيامه بالعمل.

ولمن يتعرضون للتلوث خاصة الجهاز التنفسي في بعض المصانع، وكذلك العوادم الصناعية، فيحتاج الجسم هنا لأطعمة تحفز لديه المقاومة، فعليه تناول بعض الوجبات والمواد الأساسية في الطعام، التي تتضمن فيتامين «هـ» و«ج»  و«أ» المتوفرة في الكبد والكلاوي وبعض اللحوم الحمراء والخضراوات والفاكهة، وأيضًا الفسفور الموجود بالأسماك والحديد في السبانخ وأيضًا اللبن وغيرها من المواد الغذائية التي تساعد الجهاز التنفسي في تنقيته من المخاطر التي يتعرض لها، ما يعني أن التدخل الغذائي هو وسيلة فقط لتخفيض الأضرار وليس التخلص من كل تأثيراتها التي تصل أحيانا إلى أمراض خطرة.

وينبغي تجنب الإفراط في تناول الطعام بصفة عامة، حتى لا يحدث أثر عكسي بسبب تراكم الشحوم والدهون التي تسبب أمراض القلب.

تجدر الإشارة إلى أن تناول الخضراوات والفاكهة بصورة منتظمة هي أفضل ما يحتاجه الجسم لتوفير الطاقة، إلى جانب نسبة معينة من النشويات والبروتينات لا يتعداها الفرد لينعم بغذاء متوازن وفعّال.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم