الصحة والغذاء

علماء يكتشفون سر مقاومة الهربس للأدوية

في عالمنا تدور حروب لا نراها بالعين المجردة. وأحد أخطر أعدائنا الخفيين هو فيروس الهربس البسيط. هذا الفيروس المراوغ، الذي يصيب ملايين الأشخاص حول العالم، يمثل لغزًا محيرًا للعلماء. فبرغم كل التقدم العلمي، لا يزال هذا الفيروس يتفوق علينا بقدرته على مقاومة الأدوية. لكن بفضل جهود باحثي جامعة هارفارد، بات لدينا الآن أمل في كشف أسرار هذا الفيروس الغامض.

فيروس الهربس البسيط هو فيروس يتكيف مع الظروف المختلفة، فهو يشبه الحرباء التي تتكيف مع أي بيئة جديدة. إذ يمكنه أن يتحور بسرعة تفوق قدرة الأدوية المضادة للفيروسات. هذه القدرة على تغيير الشفرة الوراثية ليست مزعجة فحسب، بل إنها خطيرة بشكل محتمل، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. آلية تحور هذا الفيروس تجعله قادرًا على مقاومة العلاجات الدوائية المتاحة حاليًا.

وهنا يأتي دور المحققين العلميين من جامعة هارفارد، المزودين بمجهر قوي للغاية يمكنه تجميد الجزيئات في حركتها المستمرة. وباستخدام هذه الكاميرا عالية التقنية، والتي تسمى المجهر الإلكتروني المبرد، تمكنوا من التقاط الآلية التي يستخدمها فيروس الهربس البسيط للاختفاء أثناء العمل.

لقد استخدم الباحثون مزيجًا من تقنيات المجهر الإلكتروني بالتبريد ومحاكاة الديناميكيات الجزيئية لتصور إنزيم بوليميراز الحمض النووي على المستوى الذري. تتضمن تقنية المجهر الإلكتروني بالتبريد تجميد الإنزيم بسرعة للحفاظ على شكله أثناء عملية التضاعف، ثم استخدام المجهر الإلكتروني لالتقاط صور تفصيلية له في حالات مختلفة. ثم تم استخدام هذه الصور لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد مفصلة للإنزيم، توضح كيف يتغير شكله أثناء عملية التضاعف وكيف يتفاعل مع الأدوية المضادة للفيروسات.

وقد تم استخدام محاكاة الديناميكيات الجزيئية لاستكشاف كيفية تأثير هذه الطفرات على سلوك الإنزيم. وتوفر هذه المحاكاة رؤية ثلاثية الأبعاد متحركة للإنزيم، وتوضح كيف يتحرك ويتقلب استجابة لوجود الحمض النووي أو الأدوية. ومن خلال مقارنة سلوك الإنزيم من النوع البري (غير المتحور) بسلوك الإصدارات المتحورة، يمكن للباحثين تحديد كيفية تسبب هذه الطفرات في مقاومة الأدوية.

وتقدم نتائج الدراسة منظورًا جديدًا لمقاومة الأدوية المضادة للفيروسات. تكشف الهياكل التفصيلية لبوليميراز الحمض النووي لفيروس الهربس البسيط، سواء في أشكاله المرتبطة بالأدوية أو الخالية منها، أن الطفرات المؤدية إلى المقاومة لا تمنع الدواء بشكل مباشر من الارتباط. بل إنها تعمل بدلاً من ذلك على تغيير الطريقة التي يتحرك بها الإنزيم ويتغير شكله، مما يقلل من احتمالية ارتباط الدواء بشكل فعال.

على سبيل المثال، لا تمنع طفرة W781V الدواء من الارتباط بشكل مباشر ولكنها تزيد من قدرة الإنزيم على تغيير شكله، مما يجعل من الصعب على الدواء حبس الإنزيم في حالة غير وظيفية. يسلط هذا الفهم الدقيق لآليات المقاومة الضوء على أهمية استهداف الطبيعة الديناميكية لهذه الإنزيمات في تصميم الأدوية المضادة للفيروسات في المستقبل.

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم