يقال أنه كان هناك امرأة تصنع الخبز لأسرتها كل يوم، وكانت يوميًا تصنع رغيفًا إضافيا لأي عابر سبيل جائع، وتضعه على شرفة النافذة لأي مار ليأخذه. وفي كل يوم يمر رجل فقير ويأخذ الرغيف، وبدلا من إظهار امتنانه لأهل البيت كان يدمدم بالقول «الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك»..
بعد فترة، شعرت المرأة بالضيق لعدم إظهار الرجل للعرفان بالجميل والمعروف الذي تصنعه، وأخذت تحدث نفسها قائلة: «كل يوم يمر هذا الرجل ويردد جملته الغامضة وينصرف، ترى ماذا يقصد؟».
في يوم ما قررت المرأة التخلص من هذا الرجل، فأضافت بعض السمّ إلى رغيف الخبز الذي صنعته له وكانت على وشك وضعه على النافذة، لكن بدأت يداها في الارتجاف.. «ما هذا الذي أفعله؟»..
بعد ذلك ألقت بالرغيف ليحترق في النار، ثم صنعت رغيف خبز آخر ووضعته على النافذة. وكما هي العادة جاء الرجل الفقير وأخذ الرغيف وهو يدمدم: «الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك». وانصرف إلى حال سبيله وهو غير مدرك للصراع المستعر في عقل المرأة.
كانت المرأة وهي تصنع الخبز يوميًا تدعو لولدها الذي غاب منذ سنوات بحثًا عن رزقه، ولشهور عديدة لم تصلها أي أنباء عنه وكانت دائمة الدعاء بعودته لها سالمًا.
وفي اليوم الذي تخلصت فيه المرأة من رغيف الخبز المسموم دق باب البيت مساء وحينما فتحته وجدت– لدهشتها– ابنها واقفًا بالباب.. كان شاحبًا متعبا وملابسه شبه ممزقة، وكان جائعًا ومرهقًا.
وبمجرد رؤيته لأمه قال: «إنها لمعجزة وجودي هنا، على مسافة أميال من هنا كنت مجهدًا ومتعبًا وأشعر بالإعياء لدرجة الانهيار في الطريق، وكدت أن أموت لولا مرور رجل أحدب بي رجوته أن يعطيني أي طعام معه، وكان الرجل طيبًا بالقدر الذي أعطاني فيه رغيف خبز كاملا لأكله!! وأثناء إعطائه لي قال أن هذا هو طعامه كل يوم واليوم سيعطيه لي لأن حاجتي أكبر كثيرا من حاجته.
بعد أن سمعت الأم هذا الكلام شحبت وظهر الرعب على وجهها واتكأت على الباب وتذكرت الرغيف المسموم الذي صنعته اليوم صباحًا.
لو لم تتخلص منه في النار لكان ولدها هو الذي أكله ولكان قد فقد حياته.
لحظتها أدركت معنى كلام الرجل الفقير: «الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك!».
