غابتي شجرتي أنت يا أرجان اطمئني وترعرعي في أمان
فوائد زيتك أصبح لها شان تتباهى وتُعرض في كل مهرجان
هكذا يتغنى الشعراء والمطربون في المغرب بشجرة فريدة من نوعها، تدعى «الأرجان»، ولِمَ لا؛ فهذه الشجرة تعد مصدر عيش غالبية السكان في منطقة سوس جنوب غربي المغرب، وتمثل دواء وغذاء لهم ولماشيتهم.
لكن ما قصة هذه الشجرة؟ وما هي فوائدها الصحية والغذائية العديدة التي جعلت أهل المغرب يعشقونها؟
عصيان على الاستنساخ
يعد العشاب العربي ابن البيطار أول من اهتم بتصنيف شجرة الأرجان (Argania spinosa)، وذلك في كتابه «المفتي في الأدوية المفردة» الذي ألفه في القرن الثالث عشر الميلادي. كما ذكرها الرحالة المغربي الشهير الحسن الوزان في القرن السادس عشر الميلادي، في كتاب رحلاته الذي يحمل عنوان «وصف إفريقيا».
وقد حار العلماء في أمر هذه الشجرة التي لا تُزرع ولا تنمو أو تثمر في بيئة أخرى في العالم إلا في منطقة سوس، فقد جرب الخبراء أن يزرعوها في أي مكان من العالم بدرجات مماثلة من الحرارة والعناية، غير أنها استعصت على الاستنساخ، حتى قال البعض إنها مثال لعلاقة الإنسان بوطنه.
وتعمر هذه الشجرة إلى ما يقرب من 250 سنة في ظروف بيئية صعبة مثل الحر والجفاف وفي تربة ضعيفة وصخرية وظروف بيئية قاحلة. وكانت شجرة الأرجان مهددة بالانقراض حتى عهد قريب؛ نظرًا للغزوات التي كان يقوم بها الماعز الأسود على ثمارها ومن ثم إتلافها. ففي عام 1900 كانت تنمو 250 شجرة منه في الهكتار الواحد، أما اليوم فقد تقلص هذا الرقم ليصل إلى 75 شجرة فقط، ولم ينقذها إلا إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) باعتبار المساحة الواقعة جنوب المغرب بين مدينتي الصويرة وأغادير التي تقدر مساحتها بنحو 828 هكتارًا محمية طبيعية، لكونها المكان الوحيد في العالم الذي تكبر فيه هذه الشجرة.
وتلعب الشجرة دورًا حيويًا في الحفاظ على التوازن البيئي؛ حيث تعتبر مأوى ومصدر غذاء للكائنات الحية الموجودة بالمنطقة. كما تساعد على حماية التربة ومنع تآكلها والحد من التصحر؛ وذلك لكون جذورها ممتدة في أعماق الأرض.
السائل الذهبي
ويعد الزيت المستخرج من هذه الشجرة هو أهم منتجاتها ويسمى زيت أرجان ويتميز بنكهة مكسرات قوية وبلونه المعتم المائل إلى الحمرة.
ورغم ندرة الدراسات التي أجريت على زيت الأرجان، الذي يطلق عليه أيضا اسم «لوز الأمازيغ» أو «السائل الذهبي»، فقد زاد الاهتمام بهذا الزيت مؤخرًا وتزايد الحديث عن فوائده الصحية المحتملة.
ويعود السبب في ذلك إلى كون زيت الأرجان يعد أكثر الزيوت توازنًا في الطبيعة، ويتميز بتركيبه كيميائية فريدة؛ حيث يحوي 80% أحماضًا دهنية غير مشبعة مثل الأوليك واللينوليك، كما أنه غني بفيتامين هـ المضاد للأكسدة.
وقد أظهرت دراسة مغربية إسبانية مشتركة نشرت في مجلة «جورنال أوف إثنوفارماكولوجي» عام 2003 فوائد زيت الأرجان في خفض كولسترول الدم.
في الدراسة تم تقسيم 16 فأرًا بالتساوي على مجموعتين وتم تغذية الفئران على حمية عالية المحتوى من الكولسترول والسعرات الحرارية بغرض رفع نسبة دهون الدم (hyperlipidemia). وتم إضافة زيت الأرجان لطعام مجموعة من الفئران دون الأخرى بمعدل ملليلتر واحد لكل 100 من وزن الجسم. وبعد مرور 7 أسابيع على اعتماد هذه الحمية، لوحظ حدوث انخفاض واضح في مستوى البروتينات الدهنية (Lipoproteins) الموجودة بالدم بشكل عام لدى المجموعة التي تعاطت زيت الأرجان. وانخفض مستوى الكولسترول الإجمالي بنسبة 36.7% وانخفضت نسبة الكولسترول الرديء بنسبة 67.8% والدهون الثلاثية بنسبة 30.7% وانخفض وزن الجسم بنسبة 12.7%.
وخلصت الدراسة إلى أن تناول ملعقتين من زيت الأرجان في اليوم يقلص بشكل فعال من نسبة الكولسترول في الدم.
وفضلاً عن ذلك، فقد بينت الأبحاث احتواء زيت الأرجان على نسبة كبيرة من المواد المضادة للأكسدة تصل إلى 700 ملليجرام في الكيلوجرام وهو ما يرجع فوائده في الوقاية من بعض أنواع السرطان وتقوية مناعة الجسم وتأخير آثار الشيخوخة.
كما أفادت دراسة علمية أن استهلاك زيت الأرجان يساهم في التقليل من احتمال ارتفاع ضغط الدم. وأظهرت الدراسة التي شملت 182 شخصًا من مدينة الصويرة المغربية يستهلكون زيت الأرجان بصفة منتظمة، أن احتمال الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى هؤلاء أقل مرتين من أولئك الذين لا يستهلكون زيت الأرجان.
وهناك فرضيات علمية حول فوائد زيت الأرجان في علاج أمراض البروستاتا وتضخم الغدد الليمفاوية والروماتيزم والعقم والإجهاض المبكر.
كما توارثت النسوة من الأمازيغ في جنوب غرب المغرب منذ قرون طويلة أسرار زيت الأرجان لتقوية الشعر وإعطائه لمعانًا وفي الحفاظ على نضارة البشرة ووقايتها من الجفاف، إضافة إلى الوقاية من خطوط الحمل على جلد البطن ومقاومة التجاعيد وتقوية الأظافر. لذلك يدخل هذا الزيت كعنصر ذي شعبية كبيرة في صناعة مواد التجميل المغربية، حيث يستخدم كمرهم للوجه وفي تدليك الشعر والجلد.
وفي هذا الصدد، بينت نتائج بحث نشر في دورية (علم جراحات التجميل والأمراض الجلدية) في عدد يونيو 2007، فوائد علاجية عديدة للبشرة والجلد. في البحث، تم استخدام كريم للجلد يحتوي على زيت الأرجان ونخيل الدوم وبذور السمسم مع 20 شخصًا يعانون من مشاكل البشرة الدهنية. وبعد مرور 4 أسابيع من استخدام هذا الكريم، انخفضت نسبة الدهون في البشرة بما يتراوح بين 20-42 حسب درجة الدهنية في أجزاء الوجه المختلفة. ولم تشر الدراسة إلى أن هذا التأثير ناتج عن زيت الأرجان وحده، لكنها ذكرت أن التركيبة كلها نتج عنها هذا المفعول.
ونظرا لكل هذه الفوائد المؤكدة والمحتملة لزيت الأرجان، فقد أصبح زيت الأرجان، يسوق في الكثير من دول أمريكا وأوروبا.
وغزا هذا الزيت، الذي يتميز بنكهة مكسرات قوية، المطبخين الأمريكي والأوروبي؛ حيث بدأ الطباخون يتفننون في استخدامه خاصة في السلطات أو مع الأجبان والحساء أو اللحوم بصبه عليها بعد طبخها، حيث لا ينصح بتسخين الزيوت ذات المحتوي المرتفع من الأحماض الدهنية عديدة اللاتشبع مثل زيت الأرجان. لذلك ننصح بتسخين الطعام وإضافة الزيت عليه عند التقديم. وينصح بحفظ زيت الأرجان في المجمدة ويستهلك في وقت سريع عند فتح العبوة، لذا ينصح بحفظه في عبوات صغيرة ومعتمة.
في الختام، أشير إلى أن هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات على زيت الأرجان لاكتشاف المزيد من فوائده العلاجية.
د. رمضان مصري هلال