الصحة والغذاء

خرافة إنتاج الغذاء بالهندسة الوراثية!

يقصد بالهندسة الوراثية التدخل في التركيب الوراثي لكائن حي. وذلك بإدخال جينات لها صفات مرغوب فيها في الحامض النووي لكائن ما. ويسمى الجين بعد إدخاله بالجين المنقول ويسمى الكائن بالكائن المعدل وراثيًا.

ويصل عدد المحاصيل المهندسة وراثيًا إلى 26 محصولًا، ويحتل فول الصويا المركز الأول حيث تصل المساحة المزروعة بالأصناف المهندسة وراثيًا منه إلى 62% من إجمالي المساحة المزروعة صويا على مستوى العالم. وتحتل الذرة 19% والقطن 13% والكتان 5%. وهناك محاصيل أخرى بنسبة أقل مثل الطماطم والبطاطس والقرع والباباز وعباد الشمس وبعض أزهار الزينة.

وهناك أربعة دول هي الولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين وكندا والصين، تنتج 99% من الإنتاج العالمي للنباتات المهندسة وراثيًا. وتنتج الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ثلثي هذا الإنتاج. كما تزرع المحاصيل المهندسة وراثيًا الآن بصورة تجارية في أستراليا وبلغاريا وكولومبيا وألمانيا وهندرواس والهند وإندونيسيا والمكسيك ورومانيا وإسبانيا والأورجواي. كما يعمل بهذه الحرفة 6 ملايين مزارع 75% منهم جاؤوا من الدول المتقدمة.

ويرجع ظهور هذه التقنية إلى أواخر القرن الماضي، إذ لجأ العالم للتفكير في تقنية الهندسة الوراثية لأن نظم التربية والتهجين والانتخاب الطبيعي السائدة لم تعد قادرة على سد متطلبات سكان الكرة الأرضية، بالإضافة إلى أنها بطيئة وتتطلب الكثير من الوقت.

وفى أول الأمر، اقتصر التفكير على إنتاج نباتات ذات إنتاجية عالية وقليلة التكلفة ليتحقق منها الربح وتوفر الغذاء بأسعار قليلة.

والآن يوجد العديد من النباتات المقاومة للحشائش مثل الذرة والطماطم والكانولا، ونباتات مقاومة للحشرات مثل الطماطم والبطاطس، وقرع مقاوم للفيروسات، وصويا بها نسبة من حمض الأوليك (Oleic acid).

الأخطار المتوقعة

بدأت التجارب من هذا النوع في عام 1980، وظهر أول نبات مهندس وراثيًا في عام 1983.

وفي عام 1985 صدر أول تصريح من وزارة الزراعة الأمريكية لتجربة هذه النباتات في الحقل. غير أن المحاصيل المهندسة وراثيًا لم تظهر بصورة تجارية إلا في أوائل عام 1995. وكانت مساحة الأراضي المزروعة بهذه النباتات عام 1997 حوالي 12 مليون هكتار، بينما بلغت 59 مليون هكتار فى عام 2002.

وفي عام 1994 بدأ نقاش حاد في أوروبا حول النباتات المهندسة وراثيًا، وكانت الدول الأوروبية إلى وقت قريب تعارض دخول مثل هذه الأنواع إلى أسواقها أو زراعتها، ولكن خف ذلك الآن إلى حد كبير فالمنتجات المهندسة وراثيًا موجودة في كل الأسواق الأوروبية.

وقد أقرت المفوضية الأوروبية عام 2001 بأن الأبحاث التي أجريت على النباتات المهندسة وراثيًا لم تظهر أي مخاطر على الصحة العامة. وفي عام 2002 أقرت أن الأبحاث التي أجريت على الحامض النووي (DNA) المهندس وراثيًا ليس لها تأثير ضار على الصحة.

وبالرغم مما سبق، فهناك العديد من الشواهد والشكوك التي تحيط بهذه النباتات منها:

– احتمال تأثير النباتات المهندسة وراثيًا على البيئة المحيطة بالسلب كما حدث في عام 1999، حيث إن حبوب لقاح نبات الذرة المهندس وراثيًا لمقاومة الحشرات كان لها تأثير سلبي على حشرات أبو دقيق. مما زاد المخاوف من إمكانية التأثير على كائنات أخرى غير مستهدفة.

– إمكانية أن تتطور الحشرات حتى تستطيع التعامل مع النباتات المهندسة وراثيًا ضدها، وهنا ينتج أنواع جديدة من الحشرات لا يمكن مقاومتها.

– إنتاج محاصيل مهندسة وراثيًا لتتحمل المبيدات المقاومة للحشائش يؤدي إلى الاستخدام المفرط لهذه الكيماويات، مما يلوث البيئة ويؤدي إلى تدهور الكائنات الأخرى غير المستهدفة.

– إمكانية تكون حشائش حقلية مقاومة لمبيدات الحشائش المستخدمة الآن، وهذا يصعب القضاء عليها، مثلما وجد الباحثون أن أحد أنواع نباتات الكانولا غير مهندس وراثيًا قد اكتسب مقاومة لثلاثة أنواع من المبيدات المضادة للحشائش بطريقة التلقيح العادية بين النباتات المهندسة وراثيًا ونباتات أخرى تنمو في الظروف العادية.

 وفي أمريكا أثبتت الأبحاث أن حبوب لقاح النباتات المهندسة وراثيًا يمكن أن تؤثر في نطاق 4 كم حول النبات المزروع. مما يؤثر على إنتاجية وجودة زراعة النباتات غير المهندسة وراثيًا.

– إنتاج محاصيل مقاومة لمبيدات الحشائش قد يؤدي إلى جعل هذه النباتات تنمو بصورة وبائية إذا انتقل منها أفراد لأماكن غير مرغوب نموها فيها كالحدائق أو الاختلاط بمحاصيل أخرى ويصبح القضاء عليها بالغ الصعوبة، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في أمريكا عند ظهور نباتي (Kudzu, & Johnson) اللذين نميا بطريقة وبائية.

– المحاصيل المهندسة وراثيًا ضد الحشرات يمكن أن تؤثر على النظام البيئي عن طريق قتل الكائنات الطبيعية التي تتغذى على الحشرات الضارة بهذه النباتات.

– بعض المحاصيل المهندسة وراثيًا غير قادرة على التكاثر، مثل جين اللون الأحمر في أزهار البتونيا الذي يجعل النبات قليل الخصوبة بالإضافة إلى الاختلافات في نمو الأوراق والجذور.

– احتمال أن ينتج أو يتحول الكائن المهندس وراثيًا إلى نواتج غير مرغوب فيها، مثل ما حدث في أسماك السالمون المضاف إليه جين هرمون النمو الذي يؤدي إلى كبر حجم السمك بسرعة وأيضًا يكسب السمك اللون الأخضر وهذه نتيجة جانبية غير مرغوب فيها أيضًا.

– إمكانية تداخل النباتات المهندسة وراثيًا في النباتات غير المهندسة وراثيًا عن طريق التلقيح والخلط أو أن بعضًا من بذور أو جذور النباتات المهندسة وراثيًا تظل في التربة وتؤثر بطرق عديدة عند تداخلها مع المحاصيل التي تمت زراعتها في هذه الحقول فيما بعد وينتج عن ذلك نواتج غير متوقعة.

– إمكانية تهجين واختلاط النباتات المهندسة وراثيًا بالنباتات البرية غير المستهدفة والنباتات المتوطنة والأصناف المحلية ذات المميزات الفريدة، وفى غالبية الأحوال يكون هذا التأثير سلبيًا كما حدث أن تأثرت النباتات البرية القريبة للأرز في آسيا.

– النباتات المهندسة وراثيًا أكثر تعرضًا للتلف بتغيرات الجو وتقلبات المناخ عن النباتات الطبيعية مما يهدد استمرارها.

– النباتات المهندسة وراثيًا تسبب حساسية وخاصة عند الأطفال، وهذا بسبب إدخال نوع من البروتين في الكائن المهندس وراثيًا من كائن لم يستخدم من قبل في غذاء الإنسان.

 ومن هنا تظهر أعراض الحساسية عند الإنسان وبخاصة الأطفال؛ مع العلم أن تناول الغذاء المهندس وراثيًا قد يأخذ خمس أو ست سنوات قبل ظهور الحساسية.

  وقد ثبت ظهور زيادة ملحوظة في تركيز مثبط التربسين (مسبب الحساسية) في الحيوانات التي تغذت على فول الصويا المهندس وراثيًا.

– النباتات المهندسة وراثيًا يستخدم فيها جين مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية كدلالة على إدخال الجين المستهدف إلى النبات المهندس وراثيًا، وهذا الجين المقاوم للمضادات الحيوية يمكن أن ينتقل إلى أنواع بكتيرية أخرى مما يساعد على ظهور أمراض وبائية من أنواع بكتيرية ممرضة ومقاومة للمضادات الحيوية.

وقد حذرت الجمعية الطبية الإنجليزية (British Medical Association) من هذا الخطر.

– عدم القدرة على التنبؤ بما سوف يحدث من تجارب الهندسة الوراثية بسبب النقص الشديد في المعلومات عن ميكانيكية وكيفية تداخل تركيب وترتيب الجينات في الوظائف المختلفة للكائن الحي.

فالمعروف الآن من وظائف الحامض النووي هو 5% من إجمالي الوظائف، والباقي لم يكشف عنها بعد. ولذا فمن الممكن أن يتداخل الجين المنقول مع كم من الوظائف هو 95% من وظائف الحامض النووي، وهذا بالطبع سوف يؤدي إلى كم هائل من الاختلافات والنتائج غير المتوقعة في الكائن الواحد.

فما هو كم التداخل المتوقع من هذا النبات مثلًا مع البيئة المحيطة به بما تحتويه من كائنات مختلفة.

– زيادة معدلات الأمراض السرطانية. ففي عام 1994 عند إدخال جين في البقر ليزيد من إنتاجها للألبان حذر العلماء أن ألبان هذه الأبقار ومشتقاتها تحتوي على نوع من الهرمونات   (Insulin-like Growth Factor)  وهذا الهرمون يؤدي إلى ظهور أمراض سرطان الثدي والبروستاتا والقولون.  فهل هذا يدخل ضمن أسباب ارتفاع نسبة الإصابة بهذه الأمراض في الوطن العربي؟ 

يحتاج الموضوع إلى دراسة مستفيضة على الألبان المستوردة ومشتقاتها!

– تؤثر النباتات المهندسة وراثيًا على جهاز المناعة؛ حيث أثبت عالم إنجليزي أجرى أبحاثًا على البطاطس المهندسة وراثيًا أن الفئران التي تغذت على هذه البطاطس تدهور جهازها المناعي.

أ. د. وفاء محروس عامر – أستاذ بقسم النبات- كلية العلوم

تابعنا

تابع الصحة والغذاء على مختلف منصات التواصل الاجتماعي

الصحة والغذاء إحدى بوابات دار   دار اليوم