يلعب الدقيق الدور الأساسي في طعام أهل الجزيرة العربية من قرصان ومرقوق ومطازيز وجريش ومراصيع وخبز ملة (الجمر) وقرص عقيل وكليجا. ويشارك اللحم والسمن والأرز التمر والحليب، الدقيق الأهمية ولكنها لا تصل إلي مستواه. وهذه العناصر نجدها متفرقة في أغلب أطعمة الخليج وتكاد تكون طرق طبخها وتصنيعها واحدة متشابهة وليس ذلك بغريب فإن الجزيرة العربية تكاد تكون وحدة في سكانها وفي ظروفها الاجتماعية.
ولقد تهيأ للجزيرة أطعمة أصيلة ليس لها من ملاحظة إلا أن بعضها يحتاج إلي جهد كبير وتعب كثير، وأنها كانت تحتاج إلي إنفاق كبير في مجتمع كان يعد آنذاك بسيط الدخل إذ لم تكن طفرة البترول قد عظمت فلما تطورت المجتمعات واقتبس سكان الجزيرة من الدول المجاورة أو من الغرب أو من الشرق الهندي كثيرًا من الأطعمة ضعفت الأطعمة الأصيلة. وبدلاً من أن تقضي ربة البيت نصف نهارها في طبخ نوع من الطعام أصبح هينًا عليها أن تستقدم طعامًا من أحد المطاعم الكثيرة الوافدة المنتشرة والتي تقدم عشرات الأطعمة التي لم تكن معروفة في الجزيرة. وقد جر هذا الأمر بعض أهل الجزيرة إلي افتتاح مطاعم تقدم الطعام الخليجي علي أصالته أو مطورًا كما جري في (المثلوثة)، كما أن المرأة في الجزيرة استفادت من كتب الطبخ المنتشرة أو برامج الطبخ التي أصبح لها قنوات خاصة في الرائي (التلفزيون) وكان من حصاد هذه العوامل مجتمعة أن ضعفت الأطعمة الأصيلة أو ضعف تصنيعها ومن هذه الأطعمة التي كادت تنقرض أو تنسى أو ضعفت (الخنفروش).
والخنفروش حلوي كانت منتشرة في شرق الجزيرة وخاصة في منطقة البحرين وهي معروفة في السعودية، وكانت من الأكلات الشائعة بين الأغنياء؛ لأنها تحتاج إلي نفقة كبيرة لا يقدر عليها الفقراء إذ كانت الأموال محدودة وكانت حلوى المناسبات كالأعياد والزواج والعودة من السفر والاحتفالات. وحين وسع الله على الناس صار صنع الخنفروش ميسرًا ولكن الأطعمة الوافدة بما فيها الحلويات الشامية والمصرية كانت بالمرصاد للخنفروش فدفعته في طريق الضعف أو النسيان ولكنها لم تستطع القضاء عليه فلا يزال هناك من يصنعه ويأكله ولكن هؤلاء قليل. وجدير بنا أن نبين كيف يصنع الخنفروش.
لا نستطيع أن نجد مقادير محددة عامة تدخل في صنع الخنفروش، فهي تزيد أو تنقص وتختلف أنواعها حسب الحاجة أو عادة الصانعين وخبراتهم. فبعضهم أشترط لكل كوب من السميد أو الطحين ثلاث بيضات وفنجانًا من السكر المطحون، وبعضهم أشترط لكل كوب طحين ثلاث أرباع الكوب من السكر المطحون وكوبًا من السميد وثلاث بيضات وفنجانًا من الزيت وملعقة ونصف الملعقة من مطحون حب الهيل.
ومنهم من توسع في المقادير والأنواع فأستخدم الأرز وجعل لكل كيلو جرام من الأرز المطحون كوبين من السكر وخمس عشر بيضة وكوب حليب باردًا وفنجانًا من الماء الورد وملعقة متوسطة من مطحون حب الهيل وملعقة صغيرة من الزعفران وملعقة من الخميرة حيث يجعل هذه المقادير في إناء كبير بعضها فوق بعض ثم يعجنها بيده حتى تختلط بشكل جيد وتتماسك. ثم تترك العجينة لتستريح وتختمر، ثم تقطع قطعًا كروية وتداح هذه الكرات حتى تنبسط وتصبح أقراصًا صغيرة تملأ بطن الكف ثم تلقي بالسمن علي نار هادئة حتى تنضج ويكون دليل نضجها أن يصبح لونها أصفر مزهرًا ويسمونها آنذاك أقراص الذهب.
علي أن العجب العجاب أن الحلوى اللذيذة المحببة قد سميت باسم قبيح تشمئز منه النفوس، وتقول أسطورة أن هذه التسمية مأخوذة عن الجن.
محمد سعيد المولوي