ارتجاع حمض المعدة وعصارتها من المعدة إلى المريء يحدث للكثير منا رضينا أم لم نرض، ولكن عندما يسبب هذا الارتجاع أعراضًا مزعجة ومتكررة فإنه يصبح مرضًا لا عرضًا، ويرجع هذا الارتجاع إلى ارتخاء الصمام الذي يوجد بين المعدة والمريء والذي من المفترض أن يعمل في اتجاه واحد بحيث يسمح بمرور الطعام من المريء إلى المعدة وليس بالعكس، ولكن عندما لا يؤدي هذا الصمام دوره بشكل سليم فإنه لا يعود يمنع عصارة المعدة من الخروج منها صاعدة إلى المريء، وهنا تحدث المشكلة.
ويرى الدكتور خالد بن حسان المالكي طبيب استشاري طب الصوت والتخاطب، أنه في كل مرة نأكل أو نشرب فإن المعدة تفرز حمضًا قويًا جدًا يقوم بهضم الطعام وقتل الميكروبات قبل وصولها إلى الأمعاء، وكما أسلفنا فإن الصمام بين المريء والمعدة يمنع حدوث أي ارتجاع إلا في حالات قليلة، ولكن عندما يحدث ارتخاء أو توسع في هذا الصمام أو عند تناول ما يزيد إفراز الأحماض في المعدة فإن الارتجاع يصبح أكثر أثرًا وأشد ضررًا، ومن العوامل التي تسبب ارتخاء أو توسع هذا الصمام أو تسبب زيادة إفراز أحماض المعدة ما يلي: امتلاء المعدة بالطعام، الحمل، السمنة، تناول بعض المأكولات والمشروبات مثل الدهون والمقليات والمشروبات الغازية والشاي والقهوة والشكولاته والفلفل والشطة والمأكولات الحراقة والنعناع والطماطم والكاتشاب والبرتقال والليمون. وقد ينتج هذا المرض أيضًا بسبب فتق فم المعدة، أو عند الأطفال الرضع بسبب عدم اكتمال نمو الصمام لديهم، كذلك قد يحدث بسبب ارتفاع الضغط في البطن عند مرضى الكحة المزمنة أو الإمساك المزمن أو استسقاء البطن.
أهم أعراض الارتجاع
ويضيف الدكتور المالكي أن من أهم أعراض مرض ارتجاع أحماض المعدة للحنجرة الكحة المزمنة أو تغير الصوت أو النحنحة المتكررة أو صعوبة البلع أو الإحساس بجسم غريب في الحلق، بالإضافة إلى حرقة الفؤاد، وهي إحساس بالحرقان في منطقة الصدر، وقد يصحبه عدم ارتياح أو ألم في المعدة، خصوصًا بعد تناول الأكلات السالفة الذكر، وينبغي التنبيه هنا إلى أن أكثر من نصف عدد الذين يتم تشخيصهم بمرض الارتجاع الحنجري البلعومي لا يشتكون من أي حرقان!! ومن الأعراض الأخرى طعم حارق في الحلق أو الفم بسبب وصول الارتجاع إلى هذه المنطقة، قد يصل إلى حد إيقاظ الإنسان من نومه وهو يحس بشرقة أو بضيق حاد في التنفس، بل إن بعض المرضى يشتكون من آلام في الصدر تشبه إلى حد كبير آلام الذبحة الصدرية، ومن الضروري التأكيد هنا على أنه ليس بالضرورة وجود كل هذه الأعراض في مريض واحد لتشخيص هذا المرض، فأعراض الارتجاع كثيرة ومتنوعة وتختلف من مريض إلى آخر.
تشخيص المرض
ويرى الدكتور عبدالرحمن حجر، استشاري الأنف والأذن والحنجرة، أن التشخيص يبدأ بأخذ تاريخ مرضي مفصل للبحث في الأعراض والأسباب السالفة الذكر، ثم بالكشف على المريض، ثم تأتي مرحلة الفحوصات، ومن أهمها: عمل منظار للجزء العلوي من الجهاز الهضمي، وعمل منظار للحنجرة، وقد يحتاج الأمر إلى قياس ضغط المريء وتركيب جهاز خاص لمدة 24 ساعة لقياس درجة الحموضة في البلعوم والمريء، ومما يزيد الأمور صعوبة أنه قد تفشل كل هذه الفحوصات في تأكيد وجود ارتجاع بالرغم من أن أعراض المريض تؤكد ذلك.
مستويات العلاج
ويرى د. خالد المالكي أن تقديم العلاج يتم على ثلاثة مستويات، المستوى الأول هو تغيير نمط الحياة بحيث يتجنب الإنسان مسببات الارتجاع مع التأكيد على ما يلي: تجنب القلق والإرهاق النفسي، وكذلك تجنب المأكولات والمشروبات السالفة الذكر والمتهمة بزيادة الارتجاع، والابتعاد التام عن التدخين والمشروبات الكحولية، وتجنب النوم أو الاستلقاء مباشرة بعد تناول الوجبات، بل لا بد أن يكون بين آخر وجبة والاستلقاء مدة لا تقل عن ثلاث إلى أربع ساعات، كما ينصح من يشتكون من أعراض في منطقة الحلق برفع الجزء من السرير تحت الرأس مسافة 15 سنتيمترًا حتى تكون الحنجرة في مستوى أعلى من المعدة، فتقلل الجاذبية وصول أحماض المعدة إلى الحلق، ولا ينصح هنا بزيادة عدد الوسائد تحت الرأس والظهر، فإن ذلك سيؤدي إلى آلام غير مرغوبة في منطقة الرقبة وأعلى الظهر، والمستوى الثاني هو العلاج الدوائي الذي قد يستمر لعدة أشهر ونتائجه بشكل عام جيدة، والمستوى الثالث والأخير هو العلاج الجراحي، خصوصًا عند تشخيص فتق فم المعدة.