تعتبر مشكلة العنف الأسري واحدة من أهم المشاكل الاجتماعية التي تواجه مختلف دول العالم، ولقد أصبحت هذه المشكلة تحظى بالكثير من الاهتمام في عالمنا المعاصر لارتباطها بأساس المجتمع وهو الأسرة، ولما كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات المتقدمة وعليها يعتمد دوام هذه المجتمعات، فقد كان لا بد من بذل الجهود وخصوصاً على المستوى الدولي للحفاظ على هذه اللبنة وحمايتها للارتقاء بالأسرة السعودية وتطوير بيئة أسرية صحية معافاة في مجتمع خالٍ من الآفات النفسية والاجتماعية التي قد تواجهها، بالمشاركة مع مؤسسات محلية ودولية تعنى بحقوق المرأة والطفل لمعالجة قضايا العنف الأسري والاعتداءات الجنسية.
كما حرمت جميع الأديان السماوية جميع أشكال العنف، ودعت إلى احترام حقوق المرأة والطفل والتعامل بالرفق واللين مشيرةً إلى أن هذه الظاهرة الخطيرة تتنافي والفطرة السليمة وطبيعة التكوين البشري لان الأصل في الحياة وفي معاملة الإنسان مع أخيه الإنسان هو مبدأ السلم والعفو والتسامح؛ أما القسوة والعنف فهو الاستثناء الذي لا يلجأ إليه سوى العاجزون عن التعبير بالوسائل الطبيعية السلمية.
هناك العديد من التحديات التي تواجهها العديد من الدول ومن بينها الدول الإسلامية في مجالات حقوق الانسان ومنها المملكة لعدة اعتبارات من بينها الاختلاف الثقافي والديني والاجتماعي بين الدول والأمم، والدفع بمسألة عالمية حقوق الانسان من قبل بعض الدول الغربية، إلى التسييس الذي يحدث أحياناً حول بعض قضايا حقوق الانسان.
ومن جانب آخر هناك العديد من التقارير التي تنتقد حالة حقوق الانسان إما بسبب جهل منها بواقع المرأة السعودية وما وصلت إليه من تقدم في جميع المجالات، وإما بسبب عدم فهم أحكام الشريعة الإسلامية وعادات وتقاليد المجتمع السعودي، وإما بسبب تعمد الإساءة إلى المملكة وعدم الإنصاف والانتقائية والاعتماد على مصادر غير نزيهة.
وبالرغم من انضمام المملكة إلى العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية الرئيسية في مجال حقوق الانسان، إلا أن هناك دعوات بين الحين والآخر تطالب المملكة للانضمام إلى الاتفاقيات الأخرى التي لم تنظم لها المملكة بعد ومن أبرزها ما يلي:
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأعضاء أسرهم.
الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
فعلى المستوى الدولي انضمت المملكة إلى كل من اتفاقية حقوق الطفل، البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلال الأطفال في المواد الإباحية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، وبروتوكول منع الاتجار بالأشخاص وخاصةً النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري.
وعلى المستوى الإقليمي انضمت المملكة إلى كل من عهد حقوق الطفل في الإسلام، وإعلان حقوق الإنسان في الإسلام، والميثاق العربي لحقوق الانسان، وإعلان القاهرة لنشر وتعليم حقوق الانسان.
كما أن المملكة عضو في عدد من المنظمات واللجان الدولية ذات العلاقة بحقوق الانسان، ومن أبرزها: عضوية مجلس حقوق الإنسان ولثلاث فترات متتالية تنتهي في العام 2016م.وكذلك المملكة عضو في المجلس التنفيذي لجهاز الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN WOMEN) والذي أنشئ عام 2010م، والهيئة المستقلة الدائمة لحقوق الانسان في منظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة تنمية المرأة في منظمة التعاون الإسلامي، واللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان.
لقد حققت المرأة السعودية إنجازات محلية وعالمية في السنوات الأخيرة في ظل موقف القيادة الحكيمة لإعطاء المرأة حقوقها الكفيلة بتمكينها من القيام بدورها المميز في خدمة وطنها وفي إطار حفاظها على هويتها الإسلامية، وقد حصلت المرأة السعودية على مكاسب وحقوق غير مسبوقة، من أهمها الموافقة على عضوية المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية، وزيادة فرص ومجالات عمل المرأة في العديد من القطاعين العام والخاص، وتعيين عدد من النساء في وظائف قيادية ووزارية في الدولة، وتكريم العديد من النساء السعوديات في المحافل الدولية.
كما أن الباب الخاص بالمرأة في خطة التنمية الثامنة الذي يسمى باب المرأة والتنمية يبقى شاهداً على عزم الدولة وبخطى حثيثة في عملية تنمية المرأة السعودية على اعتبارها نصف المجتمع وان مساهمتها في دفع عملية التنمية الاجتماعية أساسية.
إن كثيراً من نصوص ومفاهيم الشريعة الإسلامية جاءت لتوقف كل انتهاك وظلم موجه ضد المرأة ولتمنحها مكانتها المستحقة وتساهم باقتدار في نهضة الإنسان، وإعمار الأرض، والرقي بالحضارة بكافة أوجهها.
ولعل انضمام المملكة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “السيداو” التي تعني بمكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة وما تلاها من اتفاقيات انضمت لها المملكة، جاء ليشكل إضافة جديدة في مجال منح المرأة لحقوقها كاملة وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ولتشكيل بيئة مواتية للمرأة السعودية تمكّنها من خدمة دينها ومجتمعها ووطنها.
وقد نالت المرأة ميزات وحقوقاً وفرصاً في كافة مجالات الحياة، وسارعت في الارتقاء بمكانتها وزادتها تقدماًن مع الحفاظ على هويتها وتميّزها.
وتولي المملكة اهتماماً كبيراً وعناية خاصة لحقوق الطفل، جعلت الطفل نواة التنمية وهدفها، وعلى هذا الأساس حشدت المملكة كافة الجهود لإتاحة الفرصة لكافة المؤسسات الحكومية والأهلية الخاصة لتوفير الرعاية الشاملة للأطفال وفقاً لخطط تنموية خاصة بالطفل تهدف إلى رعايته والحفاظ عليه، ومن ابرزها على المستوى الدولي انضمام المملكة إلى العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بالطفل، ومنها الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل عام 1996م وبروتوكوليها الاختياريين، كما انضمت المملكة إلى اتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها عام 2001م، إضافة إلى انضمامها إلى عهد حقوق الطفل في الإسلام الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وموافقتها على الخطة العشرية التي تبناها مؤتمر القمة الإسلامي في الدورة الاستثنائية الثالثة المنعقدة في مكة المكرمة عام 2005م والمتضمنة مجموعة من العناصر المهمة من بينها الجوانب الخاصة بالطفل.
كما انضمت المملكة في العام 2008م لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري ليتوج ذلك الجهود المبكرة التي سبق أن بذلتها في هذا المجال والتي من أهمها إصدار نظام رعاية المعوقين لعام 1421هـ، والذي أسس لمرحلة جديدة من العمل المؤسسي في مجال رعاية ودعم وتأهيل ذوي الإعاقة، وإنشاء المراكز التأهيلية لشديدي الإعاقة وتوفير الأجهزة التعويضية والعمل على تشغيلهم، إضافة لتقديم الإعانات لهم، ودعم مراكز الرعاية النهارية الأهلية والجمعيات الخيرية.
كما انضمت المملكة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال المكمل لهذه الاتفاقية بهدف حماية النساء والأطفال باعتبارهما الأكثر عرضة للاتجار والأشد حاجة للحماية والرعاية؛ وتعد مسألة الاتجار في البشر من المسائل التي ينبغي التركيز عليها في ضوء استمرار التقارير الدولية التي ترصد هذه الظاهرة الخطيرة في كافة دول العالم، وفيما يتعلق بموقف المملكة من هذه الجريمة والتقارير الصادرة عنها، فقد تم اتخاذ عدد من التدابير على الصعيد الوطني ومن أبرزها: إصدار نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في العام 1430هـ والذي يشتمل على العديد من المواد التي تحظر الاتجار بأي شخص وبأي شكل من الأشكال بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو الاحتيال عليه، كما يحظر النظام أنشطة العمل أو الخدمة قسراً باعتبار ذلك شكل من اشكال الاتجار في البشر يعاقب عليه النظام بعقوبات رادعة تصل إلى السجن خمسة عشر عاماً، ويعد هذا النظام ملبياً للمعايير الدولية في هذا المجال، وشاملاً للتعاطي مع معظم أشكال وصور الاتجار بالبشر ومعاقبة مخالفيه.
يستند موقف المملكة في مجال مناهضة العنصرية والتمييز العنصري إلى الشريعة الإسلامية، والتي تؤكد على كرامة النفس البشرية بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الدين، وتدعو إلى مبادئ العدل والمساواة بين البشر باعتبار أنهم جميعاً خلقوا من نفس واحدة.
والمملكة دولة طرف في العديد من الاتفاقيات التي تحظر التمييز العنصري، ومن أبرزها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقيات مكتب العمل الدولي رقم 100 التي تدعو إلى المساواة في الأجور بين العاملين من النساء والرجال؛ وفيما يتعلق بالقرارات الدولية ذات الصلة بالموضوع، فالمملكة تصوت لصالحها ومن أبرزها القرار المعنون (الجهود العالمية من أجل القضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب والتنفيذ الشامل لإعلان وبرنامج عمل ديربان ومتابعتهما).
ويعد إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والذي يمثل أداة وطنية فاعلة في سبيل ترسيخ ثقافة التسامح والسلام بين كافة مكونات وافراد المجتمع، وما تبعه من إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وأخيراً إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، خطوات عملية مهمة لإبراز سياسة ومنهج المملكة في مجال نشر ثقافة التسامح والسلام والحوار ونبذ العنصرية والتعصب.
لقد قامت المملكة بقيادة حملة دولية بالتنسيق مع كافة الدول الإسلامية والعربية ودول الفكر المتشابه للتصدي للقرار رقم 27/32 المقدم لمجلس حقوق الانسان المعنون بـ” حقوق الإنسان والتوجه الجنسي والهوية الجنسانية” من قبل أوروغواي والبرازيل وتشيلي وكولومبيا المعتمد في 26 سبتمبر 2014م، والذي يتماشى مع توجهات بعض الأطراف الدولية التي تنادي بدعم المثليين، خصوصاً الأطراف الغربية واللاتينية التي تستهدف فرض مفاهيمها وأساليب حياتها على بقية دول العالم، متجاهلة الخصوصيات الثقافية والدينية والاجتماعية للبلدان المختلفة؛ حيث تم الاعتراض على هذا القرار والتأكيد على وجوب احترام الخصوصيات الوطنية والإقليمية والخلفيات التاريخية والثقافية والدينية المختلفة كما جاء في إعلان وبرنامج عمل فيينا 1993، وقد أعربت المملكة عن بالغ قلقها من المساعي المحمومة لبعث الأحادية الثقافية من تحت مظلة “عالمية حقوق الانسان”، من خلال فرض ثقافات معينة ومفاهيم جديدة مصادمة لخصوصيات البلدان الدينية والثقافية، وأن مثل هذا القرار يتعارض مع المبادئ العامة لحقوق الانسان كما جاء في الفقرة 2 من المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على “أن يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته التي يقررها القانون فقط لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي، وكذلك ما ورد في الفقرة 3 من المادة 6 والتي تنص على أن الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع الدولي، وكذلك التوصية بأن هذا القرار يشتمل على عدة أمور لا يمكن قبولها لتعارضها مع قيم الإسلام، وبالتالي مع النظام العام في الدول العربية والإسلامية.
كما عملت المملكة من خلال عضويتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية على اصدار قرار لحماية القيم والأخلاق والثقافة والدين عند التشريع لحماية حقوق الانسان بهدف الحفاظ على وحدة العائلة المكونة من زوج وزوجة وأبناء كونها المسؤول الأول عن إنتاج المجتمعات السليمة. وضرورة عدم استخدام مظلة عالمية حقوق الانسان لنشر وبث الرذيلة والأخلاق غير المرغوب فيها، وأنه حق سيادي لكل الدول في أن تختار مجتمعاتها الأسلوب الأمثل لإدارة حياتهم وتطوير أنظمتهم.
وقد نجحت المملكة بالتعاون مع مصر، في تمرير مشروع قرار تقدمتا به مع المغرب وروسيا والصين وموريتانيا وكوت ديفوار والسلفادور وبنغلاديش وأوغندا وبيلاروسيا في مجلس حقوق الإنسان بجنيف حول حماية الأسرة كمكون أساسي للمجتمع ودعامة للاندماج الاجتماعي والحفاظ على القيم المجتمعية والأخلاق والتراث والهوية الثقافية للمجتمعات، تحت عنوان “حماية الأسرة: مساهمة الأسرة في إعمال الحق في مستوى معيشي لائق لأفرادها، وخاصة دورها في اجتثاث الفقر وتحقيق التنمية المستدامة”؛ حيث إن هذا القرار التاريخي كان أول قرار يشمل جميع الجوانب حول موضوع الأسرة وفقاً لالتزامات الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان، ويناقش عدد من القضايا الهامة بما في ذلك دور الأسرة في حماية وتعزيز حقوق الانسان ومساهمتها في القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، ودور الأسرة في المحافظة على التقاليد والأخلاق والتراث الثقافي، كذلك أكّد القرار على أن الأسرة تتولى المسؤوليّة الأوليّة لرعاية الأطفال وحمايتهم، وعلى أن للأطفال الحق في أن ينشأوا في بيئة أسريّة وفي جو من السعادة والحب والتفاهم لكي تنمو شخصيتهم نمواً كاملاً ومتوازناً؛ كما أن أحد أهم أهداف هذا القرار هو محاربة قرار “حقوق الانسان والميل الجنسي والهوية الجنسانية” المقدم من عدد من دول أمريكا اللاتينية. وخلال العديد من المشاورات على قرار حماية الأسرة وبعد مواجهة ساخنة حاولت العديد من الدول الغربية واللاتينية مع بعض الدول الأفريقية التي تقر بمفهوم حقوق المثليين والشواذ جنسياً وتنظر بارتياب شديد لمؤسسة الأسرة وتعارض أية مساعٍ للترويج لقيم الأسرة والعمل على حمايتها ودعم دورها، والتي رفضت القرار وحاولت إفشاله وتعديله بشكل غير مقبول من خلال إدخال تعديلات على مشروع القرار للسعي لتغيير مساره والهدف منه، وتضمين إيحاءات تتعارض مع الثوابت الدينية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية، إلا أنه ولله الحمد تمكنت المملكة مع شركائها في الإطار الإسلامي والعربي من إجهاض هذه التعديلات وإسقاطها ونجحت في تمريره واعتماده بالتصويت بأغلبية كبيرة.
أ.نايف الغامدي