فوجئت عند إعداد هذا التحقيق بأن بعض الأمهات تعتبر طفلها (البدين)، مثالًا للطفل الذي تحلم به، وتزداد المشكلة في حالة الطفل هو الأول، فتشعر الأم بسعادة غامرة وهي تملأ بطنه بشتى الأطعمة، وتزداد سعادتها عندما يصبح جسده مكتنزًا بالدهون والشحوم!
لاحظت أيضًا أن أمهات أخريات يتباهين بأطفالهن السمناء أو يخفيهن عن أعين الناس مخافة الحسد، ولا يعلمن أنهن بذلك يضعن أطفالهن على أول درجات السمنة، ثم يفقن بعد أن تتمكن البدانة من أطفالهن ويصعب إنقاص وزنه.
بداية القصة
أحسست أن هذه الظاهرة تتجسد بالتحديد في حالة «حنان ..» ربة منزل- 45 عامًا، عندما حكت لنا قصة ابنها البدين عبدالله 11 عامًا- قائلة: بعد أن رزقني الله خمس بنات، كان حلمي وحلم زوجي أن يهبنا الله ولدًا، وعندما حدث ذلك اهتممت به كثيرًا وكنت ألبي له كل ما يطلبه من الطعام، وكنت أعتقد بأنه كلما زاد وزنه تمتع بصحة أكبر. وعندما كان يبذل أدنى مجهود في اللعب، كنت أزيد من كمية طعامه؛ لاعتقادي أن ذلك يحافظ على صحته ويعوضه ما فقده من طاقة بسبب اللعب.
وبمرور الوقت، لم يعد «عبدالله» قادرًا على التحكم في كمية ما يتناوله من طعام، وأصبحت حركته بطيئة جدًا ويشعر بالتعب سريعًا عند بذل أي مجهود، إلى أن زاد وزنه لدرجة جعلتني أواجه صعوبة كبيرة في اختيار ملابسه، فضلاً عن سخرية زملائه منه. وبدأ المحيطون بي يلومونني على ما صار عليه شكله وأقنعوني بضرورة عمل شيء لإنقاص وزنه. وعندما ذهبت إلى اختصاصي الحمية أعطاني برنامجًا غذائيًا وإرشادات، لكن ابني لم يستطع الالتزام بالبرنامج ولا بالإرشادات.
واختتمت «حنان» قصتها قائلة: أعاني بشدة من بدانة طفلي، واقتنعت أخيرًا بأن صحته لا ترتبط بوزنه.. لكن ماذا أفعل وهو يرفض الالتزام بأي برنامج غذائي؛ بعدما تعود التهام كميات كبيرة من الطعام، واستكان جسمه للراحة والخمول؟!
بعد فوات الأوان
لعل قصة «حنان»، لا تختلف كثيرًا عن قصص أخرى عديدة رواها أصحابها لـ«عالم الغذاء».
تقول «نورة»، ربة منزل 27 عامًا : زاد وزن ابني الكبير- 8 سنوات- بشكل مفزع لأنه كان بدينًا في صغره. لكن الولد والبنت اللذين أنجبتهما بعده يتمتعان بوزن مناسب وهكذا كان حالهم منذ الصغر. وأعتقد أن معظم الأمهات حاليًا لا يفضلن الأطفال البدناء بسبب زيادة الوعي بخطورة البدانة. لكن هذه النظرة ما زالت سائدة بين الأجيال القديمة، والأمهات اللاتي يعتقدن أن البدانة دليل على الصحة والقوة.
وبحسرة تقول «نورة»: لا أريد أن يمر ابني بنفس تجربتي أنا ووالده؛ فنحن نعاني السمنة الزائدة. وأفكر حاليًا في استشارة طبيب متخصص في الحمية لانتشال طفلي من شبح السمنة.
«منى أحمد» -22 عامًا – عروس جديدة أخبرتني أنها حامل في شهرها السادس، ذكرت أنها تتمنى إنجاب طفل «دبدوب» على حد تعبيرها، وترى أن شكله يكون جميلاً. لكنها استدركت قائلة: «أريده «دبدوبًا» في السنوات الأولى فقط، ثم يكون وزنه طبيعيًا عندما يكبر».
وفي مقابل النظرة السابقة، هناك أمهات لا يفضلن إنجاب طفل بدين. من بينهن «نجوى محمد» – 33 عامًا- ربة منزل لديها ولدان وبنت. تقول: مررت بتجربة صعبة مع المولود الأول؛ فكان وزنه زائدًا؛ وعانيت كثيرًا عند ولادته واضطررت إلى إنجابه بعملية قيصرية.
«عبير …»- 40 عامًا، ربة منزل عملت مديرة لإحدى الشركات المسؤولة عن تقديم الطعام للمقاصف المدرسية، ولديها ولدان وبنت. قالت إنها لا تفضل الطفل البدين، وأن ولدها البكر– 15 عامًا– عانى السمنة في صغره، وكان شكل كرشه فظيعًا، لكن وزنه الآن تحسن وصار طبيعيًا. وترى أن الطفل البدين يعرق ويتعب بمجرد أن يبذل أدنى مجهود.
أعداء رشاقة الطفل
إدمان الوجبات السريعة والخمول من أسباب بدانة الأطفال من وجهة نظر الأمهات. ومنهن «أم شريف»– 36 عامًا- ربة منزل وأم لثلاثة أولاد، تقول إن أكبرهم بدين بسبب عدم ممارسة الأنشطة المناسبة لتفريغ طاقاته، إضافة إلى كثرة الوقت الذي يقضيه أمام البلايستيشن دون حركة، ويلتهم الأطعمة دون انتباه، واعتماده على الأطعمة السريعة مثل البرجرات والنقانق، والمسليات مثل: الشيبسهات والمكسرات والحلوى والشوكولاته، وكلها أطعمة عالية السعرات الحرارية.
وترى «أم شريف» أن عدم مضغ طفلها لطعامه من أسباب سمنته، وتضيف: لو تركته يتناول طعامه دون رقابة؛ يستمر دون توقف ويلتهم كل ما أمامه حتى لو لم يكن في حاجة إليه. واعتبرت أن التقليد يمثل مشكلة كبيرة أيضًا، فتعود ابنها الأكبر تناول أطعمة غير صحية جعل إخوته يفعلون نفس الشيء لمجرد التقليد. وذكرت أن طفلها البدين يعاندها عندما تمنعه من تناول الأطعمة السريعة، ويرفض تناول الطعام في المنزل أحيانًا حتى عندما يتناول طعامه بالمنزل، ويفضل أطعمة تزيد من وزنه مثل الأرز والخبز، ويرفض تناول اللحوم والأسماك والخضراوات المطبوخة.
أما «عبير علي»، فتحكي عن طفلها قائلة: يأتي من مدرسته ولا يمارس أي نشاط، فقط يأكل ويمارس ألعاب إلكترونية ويذاكر ثم لا شيء بعد ذلك. ورأت أن سبب إقبال الأطفال على الأكلات السريعة هو رائحتها الشهية، وأنها حاولت إعدادها بالمنزل لكن أطفالها لا يقبلون أي ساندوتشات عند الذهاب للمدرسة سوى النقانق والبرجرات، والمشروبات الغازية والعصائر المعلبة والفشار والبليلة، وكلها أطعمة ومشروبات عالية السعرات.
وتذكر أنها وجدت من خلال عملها في المقاصف المدرسية، أن بعض المدارس تعمل يومًا مفتوحًا للأطفال يتم فيه السماح بتناول أطعمة مثل الهمبرجر ومرتديلا والبطاطس المقلية. وتكثر جدًا طلبات الأطفال من البطاطس المقلية في هذا اليوم.
وتعتقد «نورة» أن عدم تناول طفلها طعام إفطاره من أسباب إصابته بالسمنة؛ حيث يستبدل به المسليات عالية السعرات بين الوجبات.
حلول عملية
وقدمت كل أم حلولاً – من وجهة نظرها – للقضاء على بدانة الأطفال.
«نورة»، مثلاً، رأت أن التغلب على سمنة الأطفال يكون بمنع الأطعمة السريعة والمسليات من دخول المنزل، فطالما وجدها الطفل أمامه فلن نقدر على منعه من تناولها. وأنها لا تترك أطفالها يتناولون الوجبات السريعة والمسليات وترفض إدخالها للمنزل، وعودت أطفالها تناول أطعمة صحية مثل الفواكه والخضراوات، والأطعمة المعدة في المنزل وقليلة المحتوى من الدهون.
لكن «عبير علي»، تعتقد أنه من الصعب منع الأطفال كليًا من تناول ما يحبونه من أطعمه؛ وتنصح بتقليل مثل هذه النوعيات من الأطعمة وليس منعها كليًا. وتقترح إشراك الأطفال في أحد النوادي، أو اصطحابهم لأحد المتنزهات يمارسون خلالها ركوب الدراجات، فذلك يساهم في الحفاظ على أوزانهم طبيعية.
لكن «أم شريف» اتبعت أسلوب آخر لتقليل سمنة طفلها؛ بتقليل تناولهم للأطعمة السريعة، وحددت لكل طفل من أطفالها مصروفًا يوميًا معينًا لا ينبغي أن يتخطاه. وذكرت أن أطفالها يستغلون وجود أحد الضيوف، ويطلبون شراء ما يحبونه من مأكولات لإجبارها على الاستجابة لطلباتهم لكنها لا تستجيب لطلباتهم وتحاول عمل «رجيم» متوازن لأطفالها يكون غنيًا بجميع العناصر الغذائية لكنه قليل الكميات، وترفض اتباع الحميات القاسية غير المنظمة التي قد تحرم الطفل من عناصر غذائية أساسية.
وتستغل «أم شريف» الوازع الديني عند طفلها حيث تحاول إقناعه بالاعتدال في تناول الطعام من خلال إطلاعه على الآيات القرآنية التي تحث على ذلك مثل قول الله عز وجل:}وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ|، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
تحقيق: نهى حمدي
منشور في مجلة عالم الغذاء عام 2006م