نظرًا لما لاحظته على موائد عائلة صديقي (شعيب) من مخالفات لأصول الصحة الغذائية، أدت إلى زيادة أوزانهم وإصابة بعضهم بأمراض مختلفة، فقد اجتهدت في أن أحول لقاءاتي معهم إلى لقاءات توعوية حول (مائدة الصحة الغذائية)، مستثمرًا قراءاتي في هذا المجال في الكتب المتخصصة العربية منها والأجنبية.
ومما يسر علي مهمتي أنني وجدت لديهم الاستعداد لتقبل ما آتيهم به من معلومات والعمل على تغيير نمط موائدهم الغذائية ليكون التفافنا فقط حول (موائد الصحة الغذائية).
تسلحت بقدر من المعلومات الغذائية والصحية، لبيت دعوتهم إلى الغداء، وبعد أن تناولنا غداءنا قلت لهم: هلموا إليّ في الحديقة تحت ظلال هذا النخيل الجميل.
حين هممت بالحديث، بادرني (شعيب) بقوله: لا أتصور طبخًا بدون لحوم ولا فائدة صحية في غذاء يخلو منها! قلت: بل هي عادات غير صحية تعودناها، فعندما بدأت تجربة الطهو بدون استخدام اللحوم منذ عدة سنوات، كانت الوجبات تبدو دون لون أو مذاق شهي، ولكن الطرق البسيطة في طهي الخضراوات شهدت تطورا ملحوظا؛ فبعد تجارب متعددة صار الطهاة اليوم يجمعون بين الفواكه والخضراوات والغلال والبقول بطرق جديدة بدرجة جعلت سلاسل المطاعم الكبرى تقدم مثل هذه الوجبات..
صاحت زوجة (شعيب): ولكن ماذا أضع في طبيخي بديلاً عن اللحم يعطيه المذاق الشهي؟ تبسمت لقولها وأجبت: حين نقلل اللحوم من طعامنا، فيمكننا أن نضفي مذاقًا لذيذًا للأطباق مثل استخدام التوابل وسوائل النكهات مثل الخل البلسمي. كما أن الأعشاب الطازجة كالبقدونس والشبت والجرجير وما شابهها تكسب الأطعمة النباتية نكهة رائعة. ويمكن إضافة أنواع من الصلصة الحريفة، بداية من الحساء وحتى الطواجن.
فما رأيك يا أختاه؟ قالت: الرأي بعد التجربة.
قاطعني (شعيب) قائلاً: وهل الأطعمة النباتية مفيدة فعلاً للصحة؟ أم تريد أن تسلبنا نعمة الالتذاذ بالطعام المطهو باللحم، ثم لا نجد النتيجة التي تستحق هذا الحرمان؟
قلت: المعلومات التي أحدثكم عنها هي من واقع دراسات وتجارب متعددة، ففي الصين مثلاً؛ حيث يتناول الناس لحومًا أقل، تقل كثيرًا إصابتهم بأمراض القلب وسرطان الثدي والسكري.
سألني (شعيب): هل أفرغت كل ما لديك من معلومات؟ أجبت: هون عليك ولا تضق ذرعًا بهذه المعلومات لعل الله يحدث لك منها نفعًا.
أبصرت (شعيب) يقترب مني مقطبًا جبينه، ثم قبض على كتفي وهو يقول: ماذا لو امتثـلنا لدعوتك ثم لم نجد نتائج إيجابية لسلسلة الفوائد التي ذكرتها؟! تنفست الصعداء وقلت له: لو أننا جردنا الأطعمة النباتية مما تحتويه من العناصر الغذائية لظلت مفيدة جدًا بسبب الكمية الكبيرة التي تحتويها من الألياف.
لاحظت على وجوههم الحيرة، ونهض (شعيب) من بينهم معاتبًا لي بقوله: على كل حال إن كانت النتيجة خيرًا فجزاك الله خيرًا، أما إن كانت غير ذلك، فالويل لك إن كنت لنا من الغائظين… ضحكوا جميعًا وقالوا: أين نصيبنا اليوم من نوادر (أشعب)؟ أم أنك ستأكلها علينا هذه المرة؟ فبدأت أقص عليهم بعضًا منها:
– استضاف (أشعب) قريبًا له في بيته، فمكث عنده مدة طويلة حتى مل الرجل وضجرت امرأته. وذات يوم قالت المرأة لزوجها: إلى متى سيظل هذا الطفيلي عندنا؟ فأجاب الزوج بأنه لا يعلم شيئًا عن ذلك، ثم قال: لدي حيلة لنعرف مقدار مقامه عندنا. تعالي نفتعل خلافًا بيننا ونتحاكم إليه، فأجاذبه أطراف الحديث حتى أعرف منه إلى متى سيظل عندنا.. وبالفعل تشاجر الزوجان وتظاهرا بالغضب والتخاصم. وذهب الرجل إلى (أشعب) وقال له: بالله الذي يبارك لك في ذهابك غدًا، من الظالم ومن المظلوم؟ فرد أشعب عليه قائلاً: والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهرًا ما أدري! وهنا فكرا في حيلة أخرى، فقال الرجل لزوجته: عندما يأتي الغد سأسأله: كم ذراعًا تقفز؟ فأقفز أنا من العتبة إلى باب الدار، فإذا قفز هو أغلقي خلفه.. ولما جاء الغد، أخذ الرجل يجاذب (أشعب) الحديث، إلى أن قال له: ما مدى قفزك؟ قال (أشعب): جيد.. فقام الرجل على الفور وقفز من داخل البيت إلى خارجه بعدة أذرع، وقال لأشعب: أرني قفزك. فنهض أشعب وقفز إلى داخل البيت بذراعين. فقال الرجل: عجبًا لك يا هذا، لقد وثبت أنا إلى خارج الدار بعدة أذرع وتثب أنت إلى الداخل ذراعين؟ فاستشعر (أشعب) الحيلة ورد على الرجل: ذراعين إلى الداخل خير من أربعة إلى الخارج.
إعداد الإذاعي: طنطاوي البحطيطي