الزواج وظيفة هامة بل مقدسة يشغل فيها الرجل وظيفة رفيعة فهو موظف بدرجة زوج، وكذلك المرأة موظفة بدرجة زوجة في مؤسسة الحياة الزوجية. ناهيك عما شرحه الإسلام وما أفاض فيه عن سمو ورقي هذه العلاقة وأسباب نجاحها وأسلوب إدارتها، فإنني أتناول دور كل من الرجل والمرأة فيها على أنه وظيفة لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية، إضافة إلى الجنسية وهي الوظيفة الوحيدة التي تشتمل على هذا البعد.
والمتأمل في الأرقام والإحصاءات الصادرة عن مراكز التوثيق العربية ليفزعه نسب الطلاق العالية التي تزداد عامًا بعد عام نتيجة الجهل وغياب الثقافة اللازمة لنجاح المنظومة، وإني لأزعم أن النسبة العظمى من هذه الطلاقات لا يدرك أطرافها لماذا فشلت، وماذا كان يجب عليه أن يفعل، علمًا بأن اختياره شريك حياته كان وفق معايير صحيحة من حيث النسب والتكافؤ والدين، ولو عادوا لفشلوا مرة أخرى.
لقد خاضوا التجربة بدون علم بمعطيات نجاحها ولا أسباب استمرارها، فاستمرت بعض الزيجات شكلًا وماتت موضوعًا، والإبقاء عليها كان من أجل الأولاد فقط، فإلى أي هوة سحيقة نسير وإلى أي خراب أو دمار نسعى؟!!
إذا كنا نؤمن بدور الأسرة الخطير على المجتمع ومخرجاته ومستقبله، فحري بنا أن نشرع قانونا أو نظامًا يفرض دراسة الزواج ومذاكرة مواده من كافة أوجهه قبل أن تقع الفأس في الرأس ويحدث ما لا تحمد عقباه. وكيف لا؟ ألم تفرض المؤسسات على الراغبين في الالتحاق بالعمل بها أن يكون حاصلاً على شهادة كذا وكذا وكذا؟ وأن يجتاز الشروط والمواصفات والمعايير الدقيقة، بل الكشف الطبي والمقابلة الشخصية قبل شغل الوظيفة؟ وذلك لضمان تحقيق المردود وبلوغ الإنجاز. لا غرو أن الزواج أولى بهذه المعايير وأولى بدراسته وفهم كينونته وإدراك رسالته وكيفية إدارة المؤسسة الزوجية والتعامل مع الشريك حتى تنجح المؤسسة وتؤتي الشركة ثمارها.
إن مجتمعاتنا العربية بحاجة لأن تفرض دورة دراسية على المقبلين على الزواج من النساء والرجال يحصل فيها الدارس على درجة الإجازة (بكالوريوس زواج) يتعلم الرجل خلالها كيف يعامل امرأته وكيف يتفهم نفسيتها ويتعامل مع رغباتها وطموحاتها بل عيوبها أيضًا، وكيف يقيم ما اعوج من أخلاقها وما تعطل من أفكارها بالمودة والرحمة، يتعلم كيف يسعدها من خلال العلاقة الحميمية التي يجهل فنونها الكثير حتى ممن نالوا قسطًا وفيرًا من العلم أو الدين.
آمل أن تتعلم المرأة كيف تستقطب زوجها وكيف تدفعه لحبها والعمل على إرضائها، كيف تدير بيته اقتصاديًا ولا ترهقه ماديًا، وكيف تشرفه في كل محفل اجتماعي بأدائها الطيب الكريم، وكيف تؤمنه على شرفه وسمعته مهما غاب عنها، وكيف تسعده في الفراش.
إن الحب الذي يولد بين الرجل والمرأة لحظة الارتباط، لينمو ويكبر ويمرض ويموت أيضًا. لذا وجب على الشريكين أن يتعهداه بالرعاية والتربية والتغذية حتى ينمو ويكبر، والسهر والاهتمام حين يمرض، حتى لا يأتي يوم نعض فيه على النواجز من الندم حين يموت.
أهيب بعلماء الاجتماع أن يحصروا أسباب الطلاق في المجتمعات العربية لتكون أساسًا لموضوعات ومناهج ومقررات بكالوريوس الزواج اللازم لشغل وظيفة زوج مثالي في مؤسسة الزواج الناجح.
د. همام سراج – أستاذ في الكيمياء