من الواضح أن «الأسرة العربية» تعاني خللا رهيبا في مفهوم الصرف والادخار؛ ففي حين يتركز معظم اهتمامها على الجانب الاستهلاكي (حيث يتجاوز إنفاقها على الطعام 45% من مجمل الدخل) لا تدرك أهمية الاستثمار طويل المدى، أو فتح حسابات ادخار، أو توفير أقساط الجامعة في سن مبكرة..
أما في الدول المتقدمة فنجد الأسرة في اليابان تنفق أعلى نسبة من مداخيلها على التعليم (يليهم الكوريون الجنوبيون والتايوانيون وسكان هونج كونج).
أما الأمريكان فأكبر نسبة من مداخيلهم تذهب للاتصالات ووسائل النقل.
أما الفرنسيون فاهتمامهم الأكبر ينصب على شؤون الإسكان والصحة ولوازم الشياكة..
أما مهارة الإيطاليين بتحضير (البيتزا) و(السباجيتي) فيعود إلى أنهم الأكثر إنفاقًا على الغذاء ولوازم الطبخ بين الدول الصناعيةــ في حين تنفق الأسر الأمريكية أقل نسبة كتفسير معقول لرداءة المطبخ الأمريكي واعتماد الناس هناك على المأكولات السريعة!
أما الألمان فيبدو أن جديتهم في العمل جعلهم ينفقون نسبة كبيرة من مداخيلهم على وسائل الترف واقتناء أرقى المنتجات الحديثة..
ويتساوى الألمان مع البريطانيين في الإنفاق على الأثاث المنزلي، حيث يتوازى التبذير الألماني مع الاهتمام البريطاني باقتناء كل ما هو عريق ومكلف!
أما بخصوص تربية الأطفال (وكم تكلف التربية ذاتها من وجهة نظر اقتصادية)، فكما يتفاوت الفرق بين عائلة وأخرى يتفاوت بالتأكيد بين دولة ودولة (وإن كانت التكلفة تزداد عمومًا بازدياد تحضر المجتمع وارتفاع المستوى التعليمي للوالدين).
فقبل أيام مثلًا قرأت أن تربية الأطفال في بريطانيا أصبحت الأعلى على مستوى أوروبا. ومن ضمن المصاريف (التي تم استعراضها) أن ترك الطفل في الحضانة أثناء غياب الأم في العمل يكلف وحده 3600 ريال في الشهرـــ في حين لا تكلف نفس الحضانة في الولايات المتحدة أكثر من 1500 ريال.
أما الطفل في الولايات المتحدة فيصرف على الألعاب ثلاثة أضعاف ما يصرفه الطفل في اليابان.
وفي اليابان تكفي مصاريف الطفل لسد رمق عشرة عائلات في سيراليون والسودان.
ومن جهة أخرى، تشير الإحصائيات الأمريكية إلى أن الشخص (العازب) يحتاج إلى ما متوسطة 38050 دولارا في العام لكي يعيش وحده فقط. وثلث هذا المبلغ يذهب لتسديد إيجار وقروض المنزل في حين تستقطع المواصلات وحدها 20% .. أما الطعام فيكلف 14% والترفيه 15% والملابس 17% فيما تتوزع بقية النسب على الاحتياجات الأخرى.
ورغم أننا في العالم العربي نعاني شحا في المعلومات الاجتماعية عمومًا، إلا أن هناك دراسة (قديمة نسبيًا) تشير إلى أن اهتمام العرب يتركز في بطونهم..
ففي عام 2000 بلغ إنفاق الأسرة العربية على الطعام 45% من مجموع دخلها العام. وأكدت الدراسةــ التي أعدها الاتحاد العربي للصناعات الغذائيةــ أن مصر تأتي في أول القائمة برقم قياسي بلغ 52% من دخل العائلة، يليها العراق بـ49.3%، ثم سوريا بـ48.3%، ثم لبنان 44.9%، ثم الأردن بــ40.6% ـــ في حين تأتي السعودية في المركز الثامن بــ32.5%، واليمن في المركز الأخير بــ16.1% ..
والكارثة هنا أن اهتمام العرب بالطعام لا يتوازى أبدا مع مهارتهم في إنتاجه. ويتضح هذا الخلل من ضخامة فاتورة استيراد المواد الغذائيةــ التي تقدر سنويا بــ46 مليار دولارــ وحقيقة أن معظم هذا المبلغ يدفع لشراء أغذية استراتيجية كالحبوب واللحوم ومنتجات الألبان!!
فـهـد عـامـر الأحـمـدي