استخدام المبيدات والهرمونات والأدوية في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني.. قضية شائكة تهم كل مواطن في العالم العربي؛ حيث تمس بشكل مباشر أو غير مباشر صحة المواطن وصحة الأجيال القادمة؛ لأنها تدخل في طعامه وشرابه..
لكن ما هذه المواد وأهداف اللجوء إليها وواقع استخدامها في الدول العربية، وكيف يمكن الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في ترشيد استخدامها؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها بكل موضوعية نخبة من المتخصصين تحدثوا للنسخة الورقية من المجلة .
*: نريد أن تعطونا نبذة عن المبيدات وكيفية وصولها لجسد لإنسان؟
د. محمد السعيد: يمكن تعريف المبيد بأنه مادة كيميائية أو طبيعية تستخدم للقضاء على الآفات الزراعية أو المنزلية أو وقف نشاطها. وتصل المبيدات للإنسان بطرق شتى إما عن طريق استهلاك المزروعات التي تحتوي على متبقيات منها استخدمت سواء في مقاومة الآفات أو الفطريات أو الحشائش التي قد تتطفل على النبات أو تنافسه في غذائه أو غيرها من أوجه النشاط الزراعي. وربما تصل المبيدات للنبات من التربة نفسها؛ فقد تبين أن مبيد مثل الـ «دي. دي. تي»، المحرم استخدامه دوليًا منذ نحو 10 سنوات، قد يصل إلى غذاء الإنسان الآن حيث تبقى منه آثار في التربة. وقد تصل المبيدات للإنسان في منزله عبر استخدام مبيدات الصحة العامة.
*: هل توضحون لنا ماهية المبيدات الطبيعية؟
د. حمدي حسين: نتيجة الأضرار التي قد تنجم عن استهلاك المزروعات التي استخدم في زراعتها مبيدات مصنعة، تم اللجوء في بعض الدول إلى ما يسمى بالزراعة العضوية (organic farming)؛ حيث لا يستخدم فيها المبيدات ولا الأسمدة المصنعة ولكن يستخدم فيها المبيدات المشتقة من أصل نباتي أو تستخدم فيها الكائنات الحية الدقيقة غير الضارة بالإنسان مثل البكتيريا. ومن أمثلة ذلك نبات النيم الذي يستخرج منه مبيد الأزادركتين ولهذا المبيد تأثير قوي على الحشرات. وهناك مبيدات مستخرجة من بكتيريا تمتاز بسميتها على الحشرات وقلة سميتها على الإنسان.
*: هل يمكن أن تلخصوا لنا أهداف استخدام المبيدات والتأثيرات الصحية الضارة الناتجة عن وصول المبيد لجسم الإنسان؟
د. محمد السعيد: تستخدم المبيدات لأغراض كثيرة أهمها: القضاء على الآفات والحشرات والفطريات والحشائش الغريبة والآفات المنزلية والقضاء على نواقل بعض الأمراض مثل حمى الضنك وحمى الوادي المتصدع. ولكل نوع من المبيدات تأثير معين.. لكن يمكن إيجاز مضارها بأنواعها في: حدوث الأورام السرطانية، الفشل الكلوي والكبدي، خلل النظام الإنزيمي، تشوهات الأجنة، خلل في الجهاز العصبي. وقد ذكرت إحدى الدراسات أن المبيدات الكيميائية قد تحدث خللاً في عمل غدة البنكرياس وبالتالي تسبب الإصابة بالسكري بشكل مباشر.
د. حمدي حسين: ثبت أيضًا أن بعض حالات الإجهاض ناتجة عن متبقيات المبيدات. فضلاً عن أن بعض المبيدات قد تؤثر سلبًا على الجهاز المناعي للجسم؛ فتؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض كثيرة.
*: كيف تقيمون استخدام المبيدات في العمليات الزراعية في الوطن العربي؟
د. حمدي حسين: نعاني في الدول العربية جميعًا من فوضى استخدام المبيدات؛ حيث لا يوجد لدينا قانون ولا دستور يحدد المدى المسموح بها من بقايا المبيدات في الأغذية المختلفة. فضلاً عن أنه لا يوجد لدينا قوانين تجرم وجود هذه المبيدات في الأغذية المسوقة. وعادة ما يستخدم أصحاب البيوت المحمية المبيدات بكثافة عالية، ويتم تسويق ثمار هذه المحاصيل إلى المستهلك بعد أيام قليلة من الرش فيبقى على سطحها نسبة عالية من المبيدات.
د. محمد السعيد: نعاني بالفعل العشوائية والإفراط في استخدام المبيدات ومن الدلائل على ذلك إحصائية نشرتها منظمة الصحة العالمية ووجدت أن 56٪ من حالات التسمم و72٪ من حالات الوفيات الناتجة عن المبيدات بشكل مباشر حدثت في دول العالم الثالث.
د. وجيه الشيخ: هناك عدم وعي لدى المزارع العربي، ومن أمثلة ذلك اعتقاده بأنه كلما زادت كمية المبيد المستخدمة كان ذلك أفضل في القضاء على الآفات. وهذا غير صحيح فالكمية المحددة وفقًا للإرشادات كافية لحماية المحصول والقضاء على الآفات وكلما زادت كمية المبيد عن الحد المطلوب زادت نسبة المتبقي من المبيد من المحصول بعد حصاده وزادت فترة الأمان أو الانسحاب للمبيد أو الدواء. ويقصد بفترة الأمان تلك الفترة الواقعة بين آخر استخدام للمبيد أو الدواء واختفاء أثره الضار على الإنسان. ولكل مبيد أو دواء فتره أمان خاصة به قد تتراوح ما بين عدة أيام وعدة أسابيع وهي محددة بدقة من قبل الشركة المنتجة.
*: من وجهة نظركم ما أسباب الفوضى الحادثة في مجال استخدام المبيدات في عالمنا العربي؟
د. حمدي حسين: هناك أسباب عديدة لتلك الفوضى لكن السبب الأساسي في ذلك هو غياب الرقابة على مثل هذه التصرفات وغياب التشريعات التي تجرمها وتحاسب عليها. وفضلاً عن ذلك فإن المبيدات في الدول العربية تباع لكل من هب ودب؛ حيث يستطيع أي شخص حتى لو كان طفلًا صغيرًا أن يشتري أي مبيد مهما كانت خطورته وسميته.
د. محمد السعيد: السبب الأهم – من وجهة نظري – هو عدم وجود تشريعات خاصة بتحليل متبقيات المبيدات ولا جهات معروفة تقوم بالتحليل؛ فالنظام المتبع في الدول العربية هو أن المحصول ينتقل من المزارع للمستهلك مباشرة. وفضلاً عن ذلك لا تتوفر لدينا تقنيات تتيح تحليل بقايا المبيدات بسرعة حتى يتم الإفساح عن المحصول وإرساله للتسويق في وقت سريع.
كما أن تفتت المساحات الزراعية من الأسباب الوجيهة لزيادة المتبقي من المبيد على الثمار؛ فلأن الفلاح عندنا غير واع فقد يستخدم لرش فدان زراعي واحد نفس كمية المبيدات التي يستخدمها لرش 10 أفدنة.
*: كيف تتم الرقابة على الأغذية في الدول المتقدمة وحمايتها من الاستخدام الجائر للمبيدات؟
د. حمدي حسين: الصورة مختلفة تمامًا في دول العالم الغربي مثل أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا؛ حيث سنت هذه الدول قوانين للحدود المسموح بها من بقايا المبيدات في الأغذية، وحددت هذه القوانين عقوبات رادعة على المزارع حال ثبوت احتواء الغذاء عند تسويقه على نسب من المبيدات أعلى من الحدود المسموح بها قد تتمثل في مصادرة المحصول بكامله وتغريم المزارع غرامة مالية كبيرة قد تصل إلى 100 ألف دولار أو أكثر وفي بعض الأحيان حسب الخطورة يحكم عليه بالسجن مدة قد تصل إلى عام. كما لا يسمح في هذه الدول ببيع المبيدات إلا من قبل شخص مرخص له ويحمل شهادة أكاديمية تفيد بأنه على دراية بالمبيدات وأصنافها واستخداماتها ومخاطرها ولا تباع إلا لإنسان مسؤول ويحمل شهادة باستخدام المبيدات. كما أن هناك تطبيقًا حازمًا للقرارات فإذا صدر قرار يحظر أو يمنع مبيد ما تكون هناك حملات تفتيشية دورية ومباغتة على المحلات وإذا وجد هذه المبيد المحظور أو غيره يصادر ويغرم المحل.
د. محمد السعيد: كل شيء واضح في الدول المتقدمة؛ فهناك تشريعات مقننة لكل شي من إنتاج المبيدات واستخدام المبيدات لدى المزارعين. الشركات هناك هي التي تتولى مسألة معالجة المحصول بالمبيد وليس المزارع نفسه كما يحدث في دولنا العربية، ولدى هذه الشركات كوادر متخصصة على دراية كافية بأفضل وسائل استخدام المبيد.
وهناك رقابة مسبقة على المحاصيل الزراعية قبل نزولها للأسواق للتأكد من خلوها من متبقيات المبيدات. على سبيل المثال توجد في الولايات المتحدة جهة رقابية على المزارع تتمثل في وكالة حماية البيئة الأمريكية؛ فلهذه الوكالة فروع كثيرة وهذه المزارع مسجلة فيها. كما أن التسويق مسؤول عنه في هذه الدول شركات ولا يحدث بشكل فردي كما هو متبع عندنا؛ حيث تقوم شركات التسويق باستقبال المحصول من المزارع وتقوم بفرزه وتعبئته في أقفاص ووضع الملصق الغذائي عليه الذي يحمل كود يوضح المزرعة التي خرج المحصول منها وتاريخ الحصاد…إلخ. ولابد أن تسحب شركات التسويق أو وكلاء وكالة حماية البيئة الأمريكية عينات من المنتج قبل نزوله للأسواق وتقوم بتحليله للتأكد من خلوه من متبقيات مبيدات بحدود أعلى من المسموح بها. كما أن تحليل متبقيات المبيدات في الدول المتقدمة يتم بسرعة كبيرة جدًا خلال فترة لا تزيد عن ساعتين وذلك باستخدام تقنيات حديثة ودقيقة النتائج.
*: هل يمكن أن تقدموا نصائح تساعد الجهات المعنية في التصدي لفوضى استخدام المبيدات؟
د. محمد السعيد: ننصح الجهات المعنية في الدول بما يلي:
– ترشيد كميات المبيدات المستوردة.. الأمر الذي ينعكس بالضرورة على ترشيد استخدام المبيدات الزراعية.
– الاتجاه نحو المكافحة الحيوية المتكاملة التي يستخدم فيها المبيدات الحيوية ذات المصدر الطبيعي والأعداء الطبيعيين للتقليل من كثافة أعداد الكائنات الحيوانية والنباتية الضارة إلى ما دون حد الضرر الاقتصادي.
– إلزام المزارعين بمراعاة فترة أمان المبيدات قبل القطاف.
د. حمدي حسين: أرى أن التعامل مع هذه المشكلة يحتاج إلى منظومة جديدة متكاملة تتلخص خطوطها العامة في النقاط التالية:
– وضع القوانين والدساتير الصارمة التي توضح الحدود المسموح بها من بقايا المبيدات والهرمونات والمضادات الحيوية في مختلف أنواع الأغذية النباتية والحيوانية.
– عدم السماح ببيع أي من الأغذية النباتية والحيوانية للمستهلك إلا بعد تحليل عينات منها والتأكد من مطابقتها وخلوها من متبقيات هذه المواد الضارة.
– تطبيق الجزاءات المالية الرادعة والعقوبات التي تصل إلى حد السجن على من يثبت تلاعبه في هذا المجال ومصادرة المادة الغذائية المخالفة بكاملها ونشر هذه العقوبات في وسائل الإعلام المختلفة بأسماء الشركات والأشخاص كما يحدث في الدول المتقدمة؛ لأن المزارع لن يلتزم إلا في حال صدور هذه العقوبات.
– عدم السماح ببيع المبيدات إلا لأفراد على دراية بأضرارها وطريقة استخدامها وحاصلين على شهادات معتمدة بذلك من الجهات المختصة.
– الاتجاه إلى المبيدات الحيوية فرغم ارتفاع تكلفتها إلا أن تلك التكلفة لا تقارن بتأثيراتها الصحية خاصة عدم إضرارها بالإنسان أو الكائنات النافعة. وهناك حاليًا شركات متخصصة لإنتاج المبيدات الحيوية سواء مفترسات أو حشرات متطفلة أو بكتيريا أو فيروسات، وقد بدأت بعض الشركات الكبرى في المملكة تستخدم المبيدات الحيوية خاصة في الصوب، وتسوق هذه الشركات منتجاتها تحت تصنيف منتجات عضوية «Organic Forming».
د. محمد السعيد: أقترح أيضًا أن يتم تسويق المنتجات الزراعية من خلال شركات محددة ومعروفة وليس بشكل فردي، مع الالتزام بوضع ملصق غذائي على كل منتج يحدد مواصفات المنتج واسم الجهة المنتجة وتاريخ إنتاجه.
د. حمدي حسين: أؤكد أهمية هذا الاقتراح؛ لأن مصدر المنتج الغذائي سيصبح حينئذ معروفًا فضلًا عن أن الشركة المسوقة نفسها ستلتزم بمطابقة المنتج للمواصفات التي تضع حدودًا مسموحًا بها من بقايا المبيدات في الأغذية. وستكون في هذه الحالة ملتزمة بإرسال عينات لمراكز التحليل وتحدد وفقًا لنتائجها إمكانية البدء في حصاد المنتج وتسويقه أو الانتظار لفترة حتى تنخفض نسبة متبقيات المبيدات إلى ما دون الحدود المسموح بها.
*: تكلمنا عن الحكومات.. ما النصائح التي يمكن تقديمها للمزارعين للتقليل من متبقيات المبيدات في مزروعاتهم؟
د. محمد السعيد: يجب أن يلتزم المزارع بنسب خلط المبيدات وتركيزها وأن يلتزم بفترة الأمان قبل قطاف المحصول وأن يلتزم بعد استخدام المبيدات المحظورة.