إذا كان الاجتثاث الجائر للغابات له الكثير من التداعيات الخطيرة فإن من أخطر هذه التداعيات حرمان العالم من أكبر مصدر للأعشاب الطبية والأدوية.
يقول د. مايكل بالك، مدير معهد الاقتصاد النباتي في نيويورك: إن الغابات هي البيئة الخصبة للباحثين والعلماء المعنيين باكتشاف الأدوية الجديدة ذات الفاعلية الأكيدة، لمداواة العديد من الأمراض، وإلى الآن لم يقم علماء الغرب إلا بدراسة 11 ألف نبات فقط، وأن جل الأدوية الفعالة المتداولة في الصيدليات الآن مصدرها هذه النباتات.
ومن أمثلة الأدوية التي تم استخلاصها من الغطاء النباتي في الغابات وتسببت في إنقاذ أرواح الملايين، الدواء المستخرج من نبات العناقية الذي ينتشر في غابات مدغشقر دون سواها. وبفضله أمكن رفع معدل البقاء على الحياة لدى الأطفال المصابين بسرطان الدم من 20٪ إلى 70٪. ونجح فريق علمي صيني في استخلاص مادة فعالة من أوراق نبات غابي محلي يدعى كوينجهاو واستخدموها في إعادة الوعي لدى المصابين بالغيبوبة الناتجة عن الإصابة بالملاريا المخية المتقدمة، وأخذ علماء الغرب هذه المادة وطوروها وصارت تعرف باسم أوتميسنين.
كما تمكن العلماء من استخلاص مادة طبية تعرف باسم lngeno13/Anglate، من عصارة نبتة غابية تعرف باسم الفبريون القصير وعلميًا Euphorbia peplus، وصارت تستخدم كدواء عالمي لسرطان الجلد غير الميلانيني وهو من أكثر أنواع سرطانات الجلد شيوعًا في العالم.
والأمثلة من الكثرة بحيث يصعب حصرها هنا، وقد لوحظ أن هذه الأدوية الفعالة ذات المصدر الغابي غالبًا ما تكون الكائنات التي تستوطن الغابات سببًا في الإرشاد إليها ومن ثم البدء في الكشف عن خواصها، وهذا تأكيد على مدى أهمية التنوع الأحيائي النباتي والحيواني معًا الذي يسود في غابات العالم.
نضرب مثالًا أخيرًا على ذلك في غابات تنزانيا وبينما كان ثمة فريق علمي غربي تموله إحدى شركات الأدوية الكبرى في العالم يتجول في منطقة من الغابة، إذ بأفراده يدهشون عندما شاهدوا فصيلة من القردة تصر على أن تأخذ قردًا مريضًا بعد أن تناول معهم الفاكهة للبحث عن نبتة بعينها، وبعد نحو 2٠ دقيقة توقفوا عند نبتة تدعى أسبيلين Aspilin تنتمي إلى دوار الشمس، وراحوا يقطفون من أوراقها ليعطوا زميلهم المريض الذي تناولها كارهًا لمرارتها. وأخذ فريق البحث كمية من هذه الأوراق لفحصها وإجراء التحاليل والاختبارات المعملية عليها فتبين لهم عجبًا؛ إنها تحتوي على نسبة عالية من مادة طبية فعالة تدعى Thiatubrine/A وهي لا تسمح لأي طفيليات أو فيروسات أن تتعايش معها، وثمة أبحاث جادة تجرى عليها لإمكانية استخدامها مستقبلًا في القضاء على الخلايا السرطانية الصلبة.
ولنا أن نتصور كم من أنواع الأدوية يمكن الحصول عليها عند دراسة خواص أكثر من 265 ألف فصيلة نباتية توجد في الغابات المطيرة فقط، خاصة أن ما لا يقل عن 40 ألف نوع من هذه النباتات تكمن فيها خواص علاجية حتى للأمراض المستعصية كما يتوقع غير واحد من كبار الباحثين والعلماء المعنيين بهذا الشأن.
وكان المعهد القومي الأمريكي للسرطان قد قام بتمويل وتنظيم أبحاث علمية واسعة حول الكشف عن مدى فاعلية النباتات الطبية في الغابات المطيرة بحوض نهر الأمازون.
وفي تصريح له أشار د. جوردن كراج رئيس فريق الأبحاث إلى أنه من واقع الدراسات الأولية التي أجريت بمصاحبة المعالجين المحليين فمن المتوقع أن يتم الكشف عن علاج لمرضى الإيدز والأنواع المختلفة من السرطانات.