قد لا تستطيع إخفاء انطباعك الأول عند قراءة هذا العنوان، وهو الدهشة والاعتقاد أن الأمر غير حقيقي أو أنه نوع من الدعابة أو الدعاية للشيكولاته.
أما من يحب تناول الشيكولاته ولكنه يخشى من تناولها لاعتقاده أنها تضر صحته فعليه الآن أن يضع هذا الاعتقاد السلبي جانبًا، ويتابع مقالنا خطوة بخطوة ليعرف السبب.
ولكن، قبل أن تدع هذا المقال جانبًا وتسرع بتناول الشيكولاته يجب أن تعلم أولاً أن هناك اعتبارات هامة عن الشيكولاته:
أولها: ليس جميع أنواع الشيكولاته متساوية التأثير، فبعض الأنواع مناسبة وجيدة لك، وأنواع أخرى محايدة، وأنواع أخرى قد لا تكون صحية بالمرة، ودورنا هنا هو أن نساعدك على تحديد مواصفات الشيكولاته التي يجب تناولها.
ثانيًا: من هذه الاعتبارات اعتبار الكمية المناسبة التي يمكن تناولها حتى لا تضر صحتك.
الثالث: هو أننا من الممكن أن نسير تبعًا لبرنامج في تناول الشيكولاته يعطينا الجمال والطاقة والحيوية، كما يقلل من احتمال المرض.
الحالة المزاجية
لاحظ العلماء أن كل من يتناول الشيكولاته يجد ارتفاعًا في حالته المزاجية بعد إحباط أو هدوء أو بعد توتر، أو تخفيف من الألم وخاصة للنساء في فترة الدورة الشهرية.
السبب أن الشيكولاته تحتوي على مادة فينيليثيلامين (P E A)، وهذه المادة تنتمي إلى مجموعة من الكيماويات تسمى الإندورفينات، وهي ذات تأثير محفز للمخ، فعندما تسير في تيار الدم ترفع من الحالة المزاجية وتخلق نوعًا من الطاقة والمشاعر الإيجابية التي تتراوح بين الشعور بالسعادة وبين الشعور بالنشاط والخفة، وهذه المواد تحقق لمن يتناولها تأثيرًا من الطاقة المتزايدة والانتباه العقلي الواضح.
والعكس من ذلك أنه عندما تقل مستويات مادة (P E A) في الدم فإن الشخص يميل إلى الشعور بالتعب والإحباط. والشيكولاته تحتوي على مادة (P E A) في مكوناتها بنسب تتراوح من (0.4 إلى 6.6 ميكروجرام) في كل جرام من الشيكولاته.
وبالطبع ليست الشيكولاته هي الغذاء الوحيد المحتوي على مادة (P E A)، فمن الممكن أن نجده بكميات كبيرة أيضًا في أطعمتنا العادية مثل الجبن بأنواعها، لذا فعندما تفرز مادة (P E A) بواسطة أنسجة المخ فأنها تتوزع داخل الجهاز العصبي المركزي وبهذا ترفع من الحالة المزاجية.
قبل فترة الحيض
إن الجسم يبحث بفطرته عن مصدر للماغنسيوم، فهو من العوامل الهامة التي ترتبط بالكالسيوم من أجل عظام وأسنان قوية، واكتشف الأطباء أن نقص الماغنسيوم في الجسم يتسبب في حدوث الأعراض المؤلمة التي تسبق فترة الحيض مباشرة (Pre menstrual syndrome (PMS)).
ومن المعروف أن التوتر يحفز على إفراز متزايد للماغنسيوم خارج الجسم، ويؤدي نقص الماغنسيوم في الجسم إلى استهلاك الجهاز العصبي لمادة الدوبامين (Dopamine) وهي مادة تعتبر ناقلًا عصبيًا ينقل إشارات الشعور بالنشاط كما تساعد على إحداث التوازن في مادة أخرى تعتبر ناقلًا عصبيًا تسمى سيروتـنين (serotonin).
وتناول الحلويات والأطعمة الكربوهيدراتية يحفز المخ على إنتاج مادة سيروتـنين بنسب عالية، ومع هذا فإنه إذا لم يحدث توازن بين نسب «سيروتـنين» ونسب «الدوبامين» فإن آلام الدورة تحدث، فالمواد السكرية والكربوهيدراتية وحدها لا تكفي هنا، فالمطلوب هو المزيد من الماغنسيوم بالاتجاه التلقائي لتناول الشيكولاته مما يساعد على تخزين مادة «الدوبامين» بمستويات تتوازن مع مادة «سيروتـنين» وبهذا يقل الشعور بأعراض الدورة الشهرية.
فالشيكولاته ومسحوق الكاكاو كلاهما يحتوي على تركيز عال جدًا من الماغنسيوم الذي تحتاج إليه النساء في هذا الوقت من الشهر، ولكن هذا ليس معناه تناول الشيكولاته بدون حساب، فالحد الأقصى الممكن تناوله لتحقيق الفائدة 50جم أي لوح الشيكولاته متوسط الحجم.
والمدهش أيضًا أن الدهون الموجودة بالكاكاو والشيكولاته تقي النساء من سرطان الثدي، حيث إنها ذات نوعية مشابهة تمامًا لزيت الزيتون المقاوم للسرطان، ويلاحظ أن المناطق التي يستخدم فيها زيت الزيتون يقل فيها انتشار مرض سرطان الثدي.
غذاء صحي
قد تعجب إذا عرفت أن الشيكولاته تعتبر غذاء صحيًا يوضع ضمن المواد الغذائية التي تمد الجسم بالعناصر الهامة التي تنقصه، وهنا يجب أن نعلم أولاً ما هي مواصفات الغذاء الصحي حتى نتعرف على موقع الشيكولاته بين هذه الأنواع الصحية من الأغذية.
فمن المتعارف عليه أن الغذاء الصحي يتلخص فيه مواصفات منها أن يكون طعامًا متنوعًا يمد الجسم بمعدل من الأنواع المختلفة من المواد الغذائية، بمعنى أن يكون هذا الغذاء غنيًا بالألياف والأملاح المعدنية أو مضادات الأكسدة والفيتامينات، وعند هذه النقطة تأتي فائدة الشيكولاته، فهي غذاء متعدد الوظائف ذو فوائد صحية عديدة.
فالكاكاو والشيكولاته تحتويان على أملاح معدنية عالية جدًا مقارنة بكثير من الأغذية. ووفقًا لوزارة الزراعة البريطانية MAFF، فالكاكاو يحتوي على نسبة من الحديد تصل إلى 14 مليجرام في كل 100 جم، كما أنه مصدر غني جدًا بالبوتاسيوم والفسفور والزنك والنحاس والمنجنيز وهي معادن هامة جدًا تحتاجها أجسادنا.
وتناول الفيتامينات الدوائية قد يكون له تأثير سيئ، فقد يؤثر تناول فيتامين دوائي معين على فتامين آخر، فالأفضل هو تناول الفيتامينات بطرق طبيعية عن طريق الغذاء، حيث يحدث الجسم التوازن الطبيعي بين هذه الفيتامينات حتى لا يطغى أحدهما على الآخر. فالشيكولاته في هذه الحالة تعتبر مصدرًا غنيًا بالكثير من المعادن التي يحتاجها الجسم وبنسب محددة ملائمة لكي يستفيد منها الجسم.
فوائد صحية
تعتبر الشيكولاته مصدرًا غنيًا جدًا بالبوتاسيوم، وهو من أهم العناصر التي يحتاجها الجسم، ويوجد كذلك في الخضراوات والحبوب الكاملة. وميزة الشيكولاته هنا هو ارتفاع نسبة البوتاسيوم فيها مع انخفاض نسبة الصوديوم، بخلاف الطعام المطهو حيث يؤدي الطهو في الخضراوات خاصة مع إضافة الكثير من ملح الطعام إلى ارتفاع نسبة الصوديوم عن البوتاسيوم.
ولقد خلق الله أجسادنا بطبيعتها تميل إلى محاولة تحقيق التوازن بين عنصري البوتاسيوم والصوديوم، ولكن التغذية الخاطئة تفسد هذا التوازن بإضافة الكثير من ملح الطعام إلى أغذيتنا، فهنا يحاول الجسم عمل هذا التوازن، فكلما زاد الصوديوم حاول الجسم تخزين نسبة من البوتاسيوم مساوية لنسبة الصوديوم، فإذا لم يحدث هذا التوازن بعدم توافر نسبة البوتاسيوم في الغذاء يعاني الجسم من نقص عنصر البوتاسيوم، وهنا تفيد الشيكولاته حيث تحتوي على مقدار من البوتاسيوم يساوي مرة ونصف المرة من الموجود في الخبز الأسمر بالإضافة إلى نقص الصوديوم بها.
وتكمن أهمية البوتاسيوم في كونه ضروريًا من أجل نمو طبيعي للجسم، كما يعمل مع الصوديوم لضبط الجهاز العضلي ولتنظيم توازن نسبة الماء في الجسم… ويعتبر دور البوتاسيوم في الجهاز العصبي عظيمًا جدًا، حيث يستثير النبضات العصبية المطلوبة لتقلص العضلات. ويفيد كذلك في تنظيم مستويات الأكسجين في المخ ويحول الجلوكوز إلى جلايكوجين.
ولكي نحصل على عنصر البوتاسيوم بصورة جيدة علينا أن نتناول وجبات متوازنة تحتوي على الخضراوات والخبز الأسمر والبقوليات والأسماك، فهي غنية بعنصر البوتاسيوم بشكل كبير مما يخفف من تطور مرض السكر.
مضادات للأكسدة
لمضادات الأكسدة فائدتان رئيسيتان: أولاهما أنها تقاوم الشيخوخة وثانيتهما أنها تحد من حدوث مرض السرطان، لذا ينصح دائما بتناول الأغذية التي تحتوي على مضادات الأكسدة.
والشيكولاته تحتوي على مضادات الأكسدة لدرجة كبيرة، فحوالي 40 جم منها بالحليب تحتوي على 200 مليجرام من مركبات (polyphenolic) المضاد للأكسدة، وتناول كوب من مشروب الكاكاو مذاب به ملعقتان من مسحوق الكاكاو يحتوي على حوالي 145 مليجرام من هذه المركبات، وهذا السبب لا يجعل الشيكولاته أو الكاكاو تتأكسد، فالدهون الموجودة بها مضادة للأكسدة لذا تكون مثالية للتخزين.
ومن الطريف أن الجنود في الحرب العالمية الثانية تناولوا كل يوم 3 ألواح من الشيكولاته لإعطائهم القوة اللازمة لمواجهة الصعاب، حيث تكون الطاقة المتمثلة في الكافيين والسكر المركز سهلة الامتصاص في الجسم.
الكولسترول
الكولسترول كلمة ذات سمعة سيئة للاعتقاد أنه ضار بالصحة. ولكن الكولسترول في الحقيقة مركب هام يحتاجه الجسم لبناء جدران الخلايا ولتصنيع الكثير من الهرمونات مثل الهرمونات الجنسية، حتى الفيتامينات لا يستفيد منها الجسم ولا تذوب إلا في وجود نسبة من الكولسترول.
والكولسترول موجود في الجسم، كما نحصل عليه أيضًا من الدهون الحيوانية، وهو يسري مع الدورة الدموية كجزء من عملية الهضم. وقبل ذلك يمتزج مع الدهون والبروتـينات في جزيئات تسمى البروتين الدهني، وهو نوعان أحدهما سيئ (LDL) أي البروتينات الدهنية قليلة الكثافة، وهي تتسبب في انسداد الشرايين، والآخر غير ضـار HDL أي البروتينات الدهنية عالية الكثافة، ومهمتها تنظيف الدم تمامًا من الكولسترول الزائد وتوجيهه للكبد بحيث يتكسر ويتخلص الجسم من أضراره.
ومن ضمن الأسباب التي من أجلها يفضل عدم توافر الكولسترول السيئ بكثرة في دمائنا أنه عندما يتأكسد لا يقوم بوظيفته جيدًا فيحدث تدمير الخلايا في جدران الأوعية الدموية مما يؤدي إلى انسدادها. وبتوفر مضادات الأكسدة في غذائنا فإننا نحد من تأكسد الكولسترول المؤدي لانسداد الشرايين.
ولقد أكد الخبراء في معاملهم بعد إجراء الاختبارات على بودرة الكاكاو أن مركبات البوليفينول الموجودة في الكاكاو تمنع بشدة عملية أكسدة الكولسترول السيئ وبهذا تحافظ على صحة القلب.
وفي تجربة أجريت للمقارنة على عينة من الدم قبل وبعد تناول الكاكاو لنفس المجموعة، وجد بعد تناول الكاكاو الخالي من الدسم أن احتمال تأكسد الكولسترول السيئ كان أقل بكثير من العينة قبل تناوله.
ومن الطريف أيضًا أن الشيكولاته تمنع حدوث الجلطات الدموية لمدة 6 ساعات وذلك بتقليل الصفائح الدموية التي تتجمع لعمل الجلطات الدموية والتي قد تسبب نوبات القلب أو السكتة الدماغية، ولذا قد يساهم تناول الشيكولاته أو الكاكاو وبانتظام في هذا الأمر.
إعداد: د.نهاد ربيع البحيري
