تخيل لو أن هناك شجرة في حديقة منزلك؛ تمنحك كل احتياجاتك الغذائية، وترعاك صحيًا، وتنقي لك مياه الشرب.
عزيزي القارئ، هذه الشجرة حقيقة وليست خيالًا، حيث تتربع على سفوح جبال الهمالايا شمال الهند، ويعلم السكان الأصليون لتلك المنطقة، ومناطق عديدة من إفريقيا الفوائد المتعددة لهذه الشجرة التي تدعى مورينجا أوليفيرا «Moringa Oleifera»، وذلك منذ قرون عديدة.
ولهذه الشجرة أسماء مميزة تعرف بها مثل: شجرة النقاء، وشجرة لفت الحصان، وشجرة أوراك الطيور؛ وذلك لأن قرون بذورها تشبه أوراك الطيور الكبيرة، وتعرف في شرق إفريقيا بصديقة الأم، وذلك لما لها من استعمالات مفيدة.
وإضافة إلى موطنها الأصلي سفوح جبال الهمالايا؛ فإنها تزرع الآن فى إفريقيا، وأمريكا الوسطى والجنوبية، وسريلانكا، والهند، وماليزيا، والفلبين.
ينبوع فوائد
ورغم أن هذه الشجرة، لا تكاد تكون معروفة في العالم الغربي، ألا أنها تعتبر ينبوعًا غذائيًا متفجرًا، في فوائدها واستعمالاتها المتعددة.
وتعتبر قرون البذور غير تامة النضج، أغنى أجزاء هذه الشجرة من حيث القيمة الغذائية، والأكثر من حيث الاستعمال؛ حيث تحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية، وكذلك العديد من الفيتامينات والعناصر الغذائية الأخرى.
وتؤكل قرون البذور غير مكتملة النضج نيئة، أو تحضر مثل البازلاء أو البقوليات الخضراء الأخرى. أما قرون البذورالمكتملة النضج، فتقلى ولها مذاق الفول السوداني الشهي. كما تحتوي قرون البذورعلى 38-40% من وزنها زيتًا رطبًا، يصلح للاستخدام الآدمي، يعرف بزيت البين (Ben Oil). ويتميز هذا الزيت الرائق بالنقاء، والمذاق الحلو، وانعدام الرائحة، كما أنه لا يفسد بالتزنخ، ويعادل في قيمته الغذائية زيت الزيتون.
وتؤكل الأزهار ممتزجة مع أطعمة أخرى بعد طبخها أو قليها في الزبد، وتبين أنها غنية بعنصري البوتاسيوم والكالسيوم.
ويستخدم اللحاء في عملية الدباغة، وينتج منه ألياف غليظة أيضًا.
وتستخدم جذور الشجرة، كبديل لنبات لفت الحصان، لكن لا ينصح باستخدامها لاحتوائها على مادة ذات سمية تنتمي لمجموعة الألكالويدات تدعى موريجنين «Moriginine»، ومثبط لنمو البكتيريا يدعى سبيروكين «Spirochin».
أرقام مذهلة
أما الأوراق فتؤكل خضراء، وتضاف إلى السلطة والخضروات الأخرى. كما تستخدم مخللة أو كبهار. ويمكن استعمالها في تنظيف الأواني المنزلية، والحوائط عند حزمها واستخدامها مثل الإسفنج.
وأثبتت التحاليل، احتواء أوراق المورينجا على كمية معتبرة من فيتامينات أ وب وج، كذلك عنصري الكالسيوم والحديد، إضافة إلى البروتينات. ويمد 25 جرامًا من أوراق المورينجا عند إطعامها لطفل الاحتياجات اليومية التالية له: 42% بروتين، 125% كالسيوم، 61% ماغنسيوم، 41% بوتاسيوم، 71% حديد، 272% فيتامين أ، 22% فيتامين ج وذلك طبقًا إلى مجموعة «أوبتيما أوف أفريكا» والتي تتعامل مع هذه الشجرة في تنزانيا. كما أثبتت الأبحاث العلمية أن أوراق هذه الشجرة المتواضعة مصدر للطاقة ذو قيمة غذائية عالية. ويحتوي وزن جرام واحد من هذه الأوراق على سبعة أضعاف ما يحتويه البرتقال من فيتامين ج، وأربعة أضعاف ما يحتويه الحليب من الكالسيوم، وأربعة أضعاف ما يحتويه الجزر من فيتامين أ، وضعف ما يحتويه الحليب من البروتين، وثلاثة أضعاف ما يحتويه الموز من عنصر البوتاسيوم.
وفضلاً عن كل ذلك، تستطيع هذه الشجرة توفير المكونات الغذائية، في حال ندرة المصادر الغذائية الأخرى، والقضاء على المجاعات الحادة في تلك المناطق.
حيث يمكن تناول أوراق شجرة المورينجا طازجة آو مطبوخة، أو تخزن كمسحوق بعد التجفيف ولشهور عديدة دون تبريد وبدون أن تفقد قيمتها الغذائية.
ونتيجة لكل الفوائد الغذائية السابقة، تستخدم أشجار المورينجا لمكافحة سوء التغذية بين الأطفال الرضع والأمهات فى الدول الاستوائية النامية. وقد اعتمدت 3 منظمات غير حكومية المورينجا كغذاء طبيعي، وهي: منظمة أشجار الحياة، منظمة الخدمات الكنسية العالمية، الهيئات التعليمية لمنظمة الجوع.
فلتر مياه
تحتوي عجينة البذور المتبقية بعد استخلاص الزيوت على العديد من المواد القادرة على تنقية المياه العكرة من الجزيئات الصلبة العالقة بها. ولأن البكتيريا عادة ما تلتصق بهذه الجزيئات، فإن عجينة البذور، قادرة بكفاءة على التخلص من هذه البكتيريا. وقد قام اثنان من الباحثين من جامعة لانكستر بالعمل في محطة ثيولو لتنقية مياه الشرب بمالاوي بتجربة ناجحة لاستبدال الشبٌة المستعملة عادة في تنقية الماء العكر، بعجينة بذور المورينجا، وأثبتت التجارب أن عجينة بذورالمورينجا لها نفس تأثير كبريتات الألمونيوم «الشبة»، في إزاحة المواد الصلبة العالقة في الماء العكر. والفائدة الأكبر هي أن هذه البذور تنتج محليًا مما يوفر العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد الشبٌة، كذلك إيجاد فرص عمل جديدة للسكان المحليين من خلال بناء المزارع، وفتح أسواق جديدة في هذه المجتمعات. وهناك العديد من الدراسات والمشاريع التي تجرى حاليًا لاختبار هذه الاحتمالات، كما أنه بديهيًا أن استخدام المورينجا بدلًا من الشبٌة يمنع مصدرًا من مصادر التلوث البيئي بمادة الألمونيوم.
حقيقةً هذه شجرة معجزة، تعطي الأمل غذائيًا وعلاجيًا واقتصاديًا إلى دول العالم الثالث الفقيرة. ولقد بدئ حديثًا باستعمال مستخلصات أوراقها كمكمل غذائي في شكل عصير أو مسحوقها في شكل حبات.
د. حسين الصباغ – أستاذ الكيمياء الصيدلية