احتلت النخلة مكانة عالية في السنة النبوية المطهرة؛ حيث أثنى عليها الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، ولم يتوان عن ذكر محاسنها وفضائلها في مواقف كثيرة.
فقد لفت، صلى الله عليه وسلم، نظر المسلمين إلى أهمية الاهتمام بزراعة النخيل على جوانب السكك الزراعية وفي مداخل المدن والبيوت؛ حيث يقول: «خير المال سكة مأبورة» أي سكة نخل مصلحة.
وأشاد الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، بثمار النخيل واعتبر أن من يملك هذه الثمار لا يمكن أن يجوع مطلقًا؛ ففي الحديث الذي ورد في مسند أحمد عن السيدة عائشة، رضي الله عنها، إنها قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، : «يا عائشة بيت ليس فيه تمر جياع أهله»، قالها مرتين أو ثلاثًا.
وبلغت مكانة النخلة في السنة النبوية المطهرة حدا جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يضعها في ميزان واحد مع المؤمن؛ حيث يقول في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان بألفاظ مختلفة: «مثل المؤمن كشجرة لا يتحاتّ ورقها» (أي لا يسقط ورقها)، وكان يقصد شجرة النخل.
ويبين هذا الحديث الشريف أن النخلة رغم جمالها الأخاذ لها شكل ظاهري واحد لا يتغير إلا للأحسن فيزداد حسنها بظهور ثمرها ودنو قطوفها. وللمؤمن أيضًا هيئة ظاهرية واحدة، لا يتقلب حسب الموضة والأهواء ولكنه يتزين لزوجته فيسرها بمنظره وهو يتزين في العيدين وقت قطوف ثواب الصوم والحج كما تتزين النخلة وقت قطوف الثمر، ويتزين يوم الجمعة وعند المجالس والمساجد ومقابلة الوفود وهو يتزين بالمشروع ولا يتزين بغير المشروع.
وفي هذا الحديث أيضا تنبيه المسلمين إلى أهمية النخلة ونفعها فهي كالمؤمن في نفعها وطيبها وقوتها وثبات جذرها وطول ساقها ودوام خضرة أوراقها وتجمع ثمرها ونفع كل شيء فيها.
وفضلاً عن كل ما سبق، فقد ورد في السنة النبوية المطهرة ما يدل على رقة هذه الشجرة وطيب معشرها؛ فقد ذكر البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع نخلة منصوب في المسجد يخطب الناس فجاءه رومي وقال: ألا أصنع لك شيئًا تقعد عليه كأنك قائم؟ فصنع له منبرًا درجتين ويقعد على الثالثة، فلما قعد نبي الله على المنبر خار (أي الجذع) كخوار الثور، ارتج لخواره المسجد حُزنًا على رسول الله فنزل رسول الله من المنبر فالتزمه وهو يخور فلما التزمه سكت ثم قال: «والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه مازال هكذا حتى يوم القيامة حزنًا عليه».
سيدة الشجر
وقد انبهر علماء المسلمين وأدباءهم أيضًا بالنخلة وتسارعوا على ذكر محاسنها وفوائدها.
ومن ذلك ما ورد عن أبي حاتم السجستاني في كتابه «النخل عن الشعبي» أن هرقل (قيصر الروم) كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد فإن رسلي أخبرتني أن قِبَلكم شجرة تخرج مثل أذان الفيلة ثم تنشق عن مثل الدر الأبيض ثم تخضر كالزُّمرد الأخضر ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر ثم تنضح فتكون كأطيب فالوذج (حلوى) أُكل ثم تينع وتيبس فتكون عصمة للمقيم وزادًا للمسافر، فإن تكن رسلي صدقتني فإنها من شجر الجنة.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم، السلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإن رسلك قد صدقتك، وإنها الشجرة التي أنبتها الله جل وعز على مريم حين نفست بعيسى فاتق الله ولا تتخذ عيسى إله من دون الله.
فقد انبهر رسل قيصر؛ عندما شاهدوا النخلة ووصفوها لهرقل وصفًا جميلاً، ولم يصدق هرقل أن على الأرض شجرة بهذه الصفات الظاهرية المعجزة، وفعلاً النخلة تخرج كيزان الطلع في إغريض يشبه آذان الفيلة، ثم ينشق على طور الأزهار المؤنثة والمذكرة البيضاء القشدية اللون مثل الدر واللؤلؤ الأبيض، وبعد التلقيح والإخصاب يتكون الجنين وينتج عن ذلك طور الحبابوك ثم الجمري والبُسر والرطب والقابة والتمر.
وفي طوري الحبابوك والجمري يكون لونه أخضر كالزمرد، ثم يحمر فيكون كالياقوت الأحمر ثم تينع في طور الرطب وتجف لتعطي التمر.
ولكثرة إعجابهم بها، علت مكانة النخلة عند أدباء المسلمين وعلمائهم حتى أضحت عندهم سيدة الشجر.
قال أبو حاتم بن سهل بن محمد السجستاني النخلة سيدة الشجر مخلوقة من طين آدم – عليه السلام – وقد ضربها الله عز وجل مثلاً (لا إله إلا الله) فقال تبارك وتعالى }ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة| وهي قول (لا إله إلا الله) }كشجرة طيبة| وهي النخلة فكما أن قول (لا إله إلا الله) سيد الكلام كذلك النخلة سيدة الشجر.
وشبة لقمان الحكيم النخلة بالخيل الصالح؛ فقد قال لابنه وهو يربيه: يا بني ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله خليلاً صالحًا فإنما الخليل الصالح كمثل النخلة، إن قعدت في ظلها أظلتك، وإن احتطبت من حطبها نفعتك، وإن أكلت من ثمرها وجدته طيبًا.
أ.د. نظمي أبو العطا،
أستاذ علم النبات