جاءتني باكية شاكية، قالت ودموعها تسبق كلماتها: خطبني الرجل الذي أحببته حبًا كبيرًا، فقد كان الذي رسمته في خيالي عن فارس أحلامي، لكنه – ومنذ البداية – اشترط عليَّ إنقاص وزني فوافقته على طلبه. مر على خِطبتنا ثلاثة شهور لم ينقص وزني خلالها شيئًا يذكر، مع أنني مارست رياضة معتدلة، فهددني بفسخ الخطبة إذا لم أنقص عشرة كيلوجرامات على الأقل.. وكما ترى فأنا قصيرة نوعًا ما – طولها 58 ووزنها 65 كجم – ولما فشلت في تحقيق رغبته، انفصل عني على الرغم من كل تأكيداتي له بأني سأبذل المستحيل من أجل إنقاص وزني، وتعرضت بعد الانفصال إلى صدمة عاطفية شديدة، واعتراني شعور بالضياع والإحباط مما جعل وزني يزيد أكثر فأكثر. بعد ذلك قررت أن أتبع برنامج تخسيس غذائي ورياضي قاسيًا جدًا على الرغم من معارضة أهلي، وخلال ستة شهور تحولت إلى شبح، وبدأت أعاني من الدوار، ووجع المفاصل والظهر وأصبت بفقر الدم وفقدان الشهية للطعام، وأنا الآن أعاني من حالة نفسية سيئة، فقد فقدت خطيبي الذي أحببته، وفقدت جمالي، وضاعت أحلامي.. أرشدني ماذا أفعل؟..
قلت لها مفاجئًا: مبارك عليك فقدانك هذا الخطيب، وإن كنت أود أن أعرب لك عن شديد أسفي لحالتك النفسية التي تعيشينها، ولكن في نفس الوقت أحس بأن لديك الوقت والإرادة لتجعلي قصتك المؤلمة هذه درسًا بل دروس للمستقبل، وأول هذه الدروس في رأيي يتعلق بخطيبك الذي ارتبط بك لأنه وجد فيك فتاة أحلامه كما هو متوقع، إلا أنه اشترط لهذه الفتاة التي يريدها وزنًا محددًا لا يزيد بحال من الأحوال، وهذا أمر صعب التحقيق والمنال، وتصرفه هذا لا يختلف كثيرًا عن تصرفه عندما يشتري بذلة أو قميصًا، وأتصوره في المستقبل يرفض الطعام إذا نقصت درجة حرارته عن مستوى معين، ولا يجلس على مقعد إلا بمواصفات معينة، وسوف يغادر المنزل إذا لم تكوني قد لبست ثيابًا من اختياره.. وهكذا..
إن الزواج – أو الحب إن شئت – هو ارتباط بين إنسانين لكل منهمكا مشاعره وأحاسيسه ورغباته و فضائله ونقائصه، هو ارتباط قائم على التفاهم والمودة في إطار الاختلاف واحترام كل من الزوجين للآخر، والتعاون قدر الإمكان على كسر الهوة بين الطرفين، وهناك فرق كبير بين أن يتمنى أحد الشريكين على الآخر أمرًا يحبه، وبين أن يشترط عليه تنفيذ أوامره، وإلا.. !!.. يجب أن تكوني سعيدة لانفصالك عن هذا الشاب خلال فترة الخطوبة وقبل أن ترتبطا بالزواج إذا كان الأمر سيصبح مشكلة كبيرة.. فأنصحك بطي صفحة الماضي والاهتمام بالثقافة والمعرفة و ثقي بأن فتى أحلامك قادم في الوقت المناسب.
ثم إن مسألة إنقاص الوزن أو التخسيس أو الريجيم، ليست مسألة تتعلق بالجمال فقط، إنها مسألة صحية من الطراز الأول، وبالتالي فهي تحتاج إلى استشارة ومتابعة طبية قبل البدء وأثناء تنفيذها، إذ إن لكل إنسان أو لكل حالة له نظام خاص حسب ظروفها الصحية والعضوية و البدنية، فليس معقولاً أن نخفف أوزاننا جميعًا بطريقة واحدة، أو بالطريقة نفسها والبرنامج ذاته، فلكل جسد قدرات مختلفة.. ورغم أن السمنة تعتبر أبرز ظاهرة مرضية في منطقتنا العربية، بل وفي منطقة الشرق الأوسط كلها، ومنتشرة بين النساء أكثر من الرجال لأسباب كثيرة، حتى إن بعض الدراسات تقول إن النساء العربيات أكثر نساء العالم سمنة وبدانة وأكثرهن اهتمامًا بالطعام الدسم، والدراسة قيست على مقاييس نساء شرق آسيا واليابان النحيفات، وهذه المشكلة تزداد سوءًا وتحتاج إلى علاج، لكن أهم علاج هو الإقلال من تناول الطعام وممارسة الرياضة، فقد أوضحت مختلف الدراسات أن ممارسة الرياضة البدنية ولو بقدر قليل منتظم في شكل المشي بهرولة يوميًا لمدة ساعة في الهواء الطلق، تساعد النساء على التخلص من السمنة، وعلى التقليل من احتمالات إصابتهن بالعديد من الأمراض الأخرى، بل وتزيد من القوة البدنية وطاقة التحمل والمرونة.
وترى إحدى الدراسات التي أن النشاط البدني المنتظم يساعد حتى في الوقاية من الإصابة بالأورام السرطانية، خاصة سرطان الثدي بين النساء اللائى مازلن دون الأربعين من العمر، وتساعد التمارين الرياضية النساء كذلك على التقليل من الشعور بالتوتر والإجهاد، فالرياضة البدنية هي إحدى الوسائل التي تستطيع بها المرأة تخصيص وقت لها ولنفسها، كي يصفو ذهنها وتستطيع التفكير بطريقة أكثر نضجًا وهدوءًا.
ولأن أكثر ما يأتينا – نحن جراحي التجميل – من حالات، هي حالات الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء ذلك المرض الذي بدأ ينتشر في منطقتنا العربية بنسب تدعو إلى القلق، فإن ممارسة الرياضة هنا تصبح أمرًا مهمًا جدًا، خاصة بالنسبة للنساء اللائي يكن في مراحل العمر الحرجة التي يكون فيها الأطفال صغارًا يحتاجون للجلوس بجوارهم، أو التي يكون فيها عمل المرأة ضروريًا. وتؤكد إحدى الدراسات التي نشرت في مجلة المعهد القومي للسرطان، بأن النشاط البدني المنتظم خلال سنوات الخصوبة وقبل سن الإياس، قد يساعد النساء في سن الأربعين وما دونها، على تقليص احتمالات إصابتهن بسرطان الثدي، فقد قام الباحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا بإجراء مقابلة مع 545 امرأة، من اللائي بلغن سن الأربعين أو دونها من المصابات بسرطان الثدي، ومجموعة أخرى تتألف من 545 امرأة بصفتهن مجموعة ضبط وإدارة مشابهة، وبسؤال المجموعتين عن تواريخ وسيرة حياتهن فيما يتعلق بالنشاط البدني المنتظم، أظهرت نتائج المقابلة، أن النساء اللائي مارسن رياضة ما، لمدة 4 ساعات أو أكثر في كل أسبوع، انخفضت لديهن احتمالات الإصابة بمرض السرطان بنسبة 50% قبل بلوغهن سن الأياس، كما تخلصن من السمنة الزائدة، هذا بالإضافة إلى أن تغيير العادات الغذائية والرياضة معًا من شأنهما التقليل من ظاهرة السمنة والتخلص من أمراض كثيرة.
أ.د. نبيل سليم علي